في تحد جديد وسافر، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في 14 تموز (يوليو) بمحاصرة المسجد الأقصى ونصب بوابات إلكترونية عند مدخله، ما أسفر عن اندلاع موجات غضب واحتجاج في الكثير من المدن الفلسطينية تخللتها مواجهات مع قوات الاحتلال أدت إلى استشهاد ثلاثة فلسطينيين، اثنان منهم بالرصاص في القدس، وآخر في رام الله، إضافة إلى إصابة حوالي 400 شخص، وذلك بعد صلاة الجمعة، ما قاد إلى انطلاق فعاليات «جمعة الغضب» التي دعت الفلسطينيين للصلاة أمام أبواب المسجد الأقصى تحت فوهات بنادق جنود الاحتلال.
الاعتداء الإسرائيلي الجديد، صاحبه صمت عربي رسمي يكاد يكون استثنائياً، يضاف إليه خفوت الحراك الجماهيري المتضامن مع قضية العرب الأولى. وقد انسحب هذا الموقف على سلوك الجاليات العربية في الولايات المتحدة التي –وعلى خلاف العادة– لم تقم بأي نشاط تضامني مع فلسطينيي الداخل الذين نجحوا –الأسبوع الماضي– بإجبار الدولة العبرية على فك الحصار عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن «إضراب الكرامة» في نيسان (أبريل) الماضي، قد حظي بتضامن عالمي لافت، حين بادر ما يزيد عن 1500 سجين فلسطيني إلى الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية احتجاحاً على الممارسات القعمية وغير القانونية لدولة الاحتلال. وفي ذلك الحين، نظّم ملايين الناس عبر العالم مظاهرات ووقفات احتجاجية، كان بينها «تظاهرات الكترونية» قام خلالها متضامنون مع الحقوق الفلسطينية بالمشاركة في «تحدي الماء المالح»، حيث صوروا فيديوهات تصورهم وهم يشربون الماء المملح، في إشارة إلى اقتصار غذاء السجناء الفلسطينيين على الماء المالح تجنباً لتعفن الأمعاء.
لكن العرب الأميركيين في منطقة مترو ديترويت لم يحركوا ساكناً إزاء إضراب الأسرى أو محاصرة الأقصى، ليثير الوضع الجديد العديد من التساؤلات حول إحجام المجتمع العربي في الولايات المتحدة –وفي مدينة ديربورن تحديداً– عن مناصرة القضايا العربية وفي مقدمتها فلسطين التي يتعرض شعبها اليوم لفصل جديد من فصول الغطرسة الإسرائيلية، أمام صمت عربي ودولي مطبق.
أسباب غياب التظاهرات
«صدى الوطن» تحدثت مع عدد من النشطاء والقياديين العرب الأميركيين لتلمس أسباب الصمت والانكفاء عن التعبير في «أضعف الإيمان»، ألا وهو إبداء التضامن مع الحقوق الفلسطينية، سواء من خلال تنظيم التظاهرات أو الفعاليات التي تسهم في نشر الوعي حول عدالة القضية الفلسطينية «التي طالما اجتذبت العرب –وبينهم أبناء الجالية– بحسب ما أكد رجل الأعمال علي جواد الذي استذكر كيف كان «كونغرس المؤسسات العربية الأميركية» –الذي كان جواد أحد مؤسسيه– قادراً على حشد ما يزيد عن 10 آلاف شخص للتظاهر في مدينة ديربورن.
وعزا مؤسس «النادي اللبناني الأميركي» تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية إلى ما باتت تواجهه بعض الدول العربية من أزمات خانقة، فضلاً عن انقسام الفلسطينيين على بعضهم البعض، وقال «لذلك أصبحت التظاهرات غير فعالة»، مشيراً إلى أن «وسائل التواصل الاجتماعي باتت الأداة الأكثر فعالية» للإضاءة على الصراع.
من ناحيته، أشار الناشط جورج خوري إلى فعالية النشاطات التثقيفية الأخرى بمقابل التظاهرات الاحتجاجية في الشوارع، وهو ما تركز عليه منظمة «شبكة العمل الفلسطينية الأميركية» (يو أس بي سي أن)، وقال خوري، وهو رئيس فرع الشبكة في ديترويت: «إن المتظاهرين (في الشوارع) سيكونون محظوظين إن حظيت تظاهراتهم الاحتجاجية بأكثر من 30 ثانية من البث في محطات الأخبار الأميركية»، مؤكداً «أن الناس ما عادوا ينضمون إلى تلك الفعاليات كما كان الأمر في السابق».
وأشار إلى أن العرب الأميركيين يكافحون بالفعل من أجل إسماع أصواتهم للمسؤولين المنتخبين كما أن الكثيرين منهم يؤمنون بأن الحكومة الأميركية لن تغير على الأرجح من مواقفها إزاء العلاقات العسكرية والديبلوماسية مع إسرائيل.
«في الواقع هنالك مجموعات ضغط (لوبي) تعمل على وسم المعارضة بأنها غير قانونية»، وفقاً لخوري الذي أضاف «إن خوف المعارضين من احتمال انتهاك القانون يردعهم عن المشاركة في النشاطات الاحتجاجية».
وكانت ولاية ميشيغن قد أقرت قانونين في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، صادق عليهما حاكم الولاية ريك سنايدر. ويجرّم القانونان داعمي «حركة مقاطعة إسرائيل» وحتى من ينشر معلومات تحض على ذلك، كما أن من شأن مشروع القرار الذي قُدّم لمجلس الشيوخ الأميركي مؤخراً أن يقرّ الشيء نفسه، وأن المخالفين سيواجهون عقوبات جنائية قد تصل إلى التغريم بـ 1 مليون دولار والسجن لمدة 20 عاماً.
وأكد خوري أن الشبكة قد انخرطت مع المسؤولين والمجموعات الأخرى، مثل حركة «حياة السود مهمة» من أجل إبقاء المحادثات مفتوحة، كما أرسلت رسائل إلى 32 عضواً في الكونغرس الأميركي –بينهم جون كونيرز (ديمقراطي –ديترويت)– طالبتهم بدعم الحقوق الفلسطينية، مضيفاً أن تلك الرسالة تم إبراقها للسفارة الإسرائيلية لدى واشنطن وللحزب الديمقراطي في ولاية ميشيغن.
النشاط الشبابي
من ناحيتها، قالت الناشطة دعد قطاطو «إن عدم الاهتمام المحلي (بالشأن الفلسطيني) هو انعكاس للانقسامات الطائفية في الشرق الأوسط»، مضيفة «إن الفلسطينيين، المسلمين والمسيحيين، كانوا متحدين من أجل القضية، بينما يتقاتل السنة والشيعة بطريقة مخجلة في العديد من البلدان العربية».
وأشارت إلى أن «المظاهرات وحملات التوعية على وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تستغل» منحية باللائمة على نقص الثقافة والإعراض عن فهم الصراع من قبل بعض الأجيال الناشئة.
واستشهدت قطاطو بانتصار الفلسطينيين ونجاحهم بالضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرفع القيود عن المسجد الأقصى كمثال على جدوى التظاهر الاحتجاجي، وقالت «إن نجاح المتظاهرين (الفلسطينيين) باستخدام القليل من الموارد والوسائل يجب أن يكون مصدر إلهام للعرب الأميركيين.. بأن الحكومة الأميركية والمسؤولين الفدراليين يمكن أن يستمعوا إلى مطالبهم».
وفي حين يلاحظ البعض تراجعاً بمشاركة الشباب في تعبئة الجهود الشعبية داخل مجتمعي ديترويت وديربورن، إلا أن العديد من الطلاب أخذوا على عاتقهم مسؤولية تغيير ذلك التصور، حيث قالت الناشطة سمر بركة –وهي رئيسة منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» بـ«جامعة وين ستايت»– إنها تعطي الأولوية لتثقيف أقرانها حول هذه المسألة.
وأشارت إلى أنها غالباً ما تصرف وقتها في توعية الطلاب العرب الأميركيين الذين لديهم تصورات سطحية حول الصراع، بأكثر مما تفعل مع الأميركيين البيض أو اليهود خلال الاجتماعات التي تعقدها المنظمة الطلابية.
ترهيب
في أوائل العام 2000 كانت الأضواء بمعظمها تسلط على العراق وفلسطين فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، حسب بركة، لكن «المشهد السياسي حول العالم العربي يبدو مختلفاً تماماً في 2017».
وفي هذا السياق، أكدت بركة على أن «العالم العربي يواجه العديد من القضايا بحيث باتت تتشتت عواطف الناس وأحزانهم وآلامهم» وهذا ما يفسر تراجع أهمية الموضوع الفلسطيني، وأقرت بأن القوانين المناهضة لـ«حركة مقاطعة إسرائيل» (بي دي أس) قد زادت من تخويف الناس من النشاط السياسي، وأنها تسببت في تراجع الأنشطة المؤيدة لفلسطين، مشيرة إلى أن إحدى صديقاتها الأميركيات قد تخلت عن مناصرة الحقوق الفلسطينية خوفاً من الانتقام وحرصاً على مسيرتها المهنية.
بدوره، لم يبد الناشط حاتم أبو دية استغرابه مما يسميه «تكتيكات الترهيب وقمع حرية التعبير من قبل المسؤولين الحكوميين في إضعاف جهود المقاومة ضد إسرائيل».
أبو دية –وهو عضو في لجنة التنسيق الوطنية في «شبكة العمل الفلسطينية الأميركية»– أشار إلى أنه في أيلول (سبتمبر) 2010، وبعد عام على تأسيس الشبكة، قام «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي) بمداهمة منازل أعضاء في الشبكة في ولايتي إلينوي ومينيسوتا–كان أبو دية واحداً منهم– بدعوى أنهم يقومون بتقديم الدعم المادي لمنظمة إرهابية أجنبية.
وقال «إن الدعم المادي كان يعني دائماً توفير الأسلحة والأموال، لكن قرار المحكمة الدستورية العليا أضاف في 2008 الخطاب اللفظي إلى قائمة الدعم المادي»، مشيراً إلى أن هيئة محلفين موسعة استدعت 23 من منظمي الشبكة ولكن لم يتم توجيه أية اتهامات لأحد.
وأضاف «إنهم يريدون قمع حركة المقاطعة وتخويف الناس، وقد نجحوا في ذلك بمستوى معين».
وبعد فترة وجيزة، أعادت الشبكة تجميع صفوفها بحسب أبو دية الذي وصف الشبكة بأنها قد أصبحت منذ ذلك الحين بـ«المنظمة الرائدة»، وباتت لها سبعة فروع في أميركا.
مدن أخرى
وفي حين يبدو النشاط المؤيد لفلسطين متراجعاً في منطقة مترو ديترويت، إلا أن المجتمعات في شيكاغو ونيويورك وسان فرانسيسكو تواكب تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل أوضح، وأشار إلى أن الفلسطينيين يشكلون حوالي 70 بالمئة من العرب الأميركيين في شيكاغو وبالتالي فإن «الحراك القوي يظهر هناك»، مضيفاً أن طلاب الجامعات في جميع أنحاء البلاد يقومون أيضاً بخطوات كثيرة في «حركة مقاطعة إسرائيل» والعمل من أجل فلسطين.
المشكلة تكمن في انقطاع مشاركتهم بعد تخرجهم، قال أبو دية، وتابع «ذلك أن عدداً قليلاً من المؤسسات يمكن أن تنسق الجهود وتنقلها إلى مستوى أكبر من النشاط المجتمعي»، مشيراً إلى أن العديد من الآباء والأمهات العرب كانوا مرتبطين بعمق في النضال ولكنهم ما عادوا ناشطين ولم يحثوا أبناءهم على الانخراط في النضال.
وأضاف أنه في الوقت الذي يتعين فيه على العرب الأميركيين ومجموعات التضامن مع فلسطين مواصلة تشكيل علاقات مع المسؤولين (الحكوميين) للضغط من أجل إحقاق الحقوق الفلسطينية ووضع حد لانتهاكات الاحتلال، فإن التظاهر يجب أن يستمر لأنه «نجح تاريخياً في إحداث أكبر تغيير في أميركا».
وأبدى أبو دية عدم موافقته على القول بأن «التظاهر غير فعال»، مشيراً إلى أن حركة الحقوق المدنية للأفارقة الأميركيين خير مثال على جدوى التظاهر.
Leave a Reply