قفزت العلاقة اللبنانية–السورية الى الواجهة والمواجهة مجدداً، من بوابة الزيارة التي يزمع وزراء الصناعة والزراعة والاقتصاد القيام بها قريباً الى دمشق بناء على دعوة رسمية تلقوها من الحكومة السورية، للمشاركة في معرض اقتصادي هو معرض دمشق الدولي.
وفيما أبدت «قوى 8 آذار» ترحيبها بالدعوة مؤكدة نية الوزراء المعنيين تلبيتها على قاعدة المصالح والروابط المشتركة بين البلدين، هبّ «فريق 14 آذار» للاعتراض على الزيارة، معتبراً أنها تنطوي على تطبيع مع النظام السوري واعتراف به رافضاً منح الرئيس بشار الأسد أي شرعية، وهو موقف عكسه بشكل أساسي تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية بشخص سمير جعجع الذي عقد مؤتمرين صحافيين في يومين، للتحذير من تداعيات الزيارة وصولاً إلى التهديد بأنها قد تهز الحكومة، معتبراً أن الوزير الذي يرغب في التوجه الى دمشق عليه أن يفعل ذلك بصفته الشخصية أو كسائح.
الحاج حسن: ذاهب كوزير
لكن أحد الوزراء المدعوين وهو الوزير حسين الحاج حسن أكد أنه ذاهب الى سوريا بصفته الوزارية لا الشخصية، وأنه سيلتقي هناك، العديد من المسؤولين السوريين ليبحث معهم في شؤون اقتصادية مشتركة.
هذا الفرز الحاد في الاتجاهات السياسية انعكس انقساماً حاداً في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السرايا الحكومية برئاسة سعد الحريري الذي اضطر الى طلب سحب المداولات الوزارية حول هذا الأمر من المحضر، داعياً الى الاستمرار في سياسة النأي بالنفس عن المحاور الإقليمية وتفادي طرح أمور خلافية على طاولة الحكومة.
دوافع التنسيق
في المقابل، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري من أكثر المتحمسين لإعادة تفعيل خطوط التواصل مع سوريا. وقال بري لـ«صدى الوطن»: إن التنسيق بين لبنان وسوريا هو أمر طبيعي جداً لافتاً الانتباه الى أن القطيعة هي الاستثناء وليست القاعدة.
ويشير بري الى أن الزيارات الوزارية التي يحكى عنها حاليا ليست الأولى من نوعها، إذ سبق لوزير الزراعة غازي زعيتر(المنتمي إلى كتلة التنمية والتحرير) أن زار سوريا من قبل للتباحث مع المسؤولين السوريين في مسائل تهم المزارعين اللبنانيين، مستغرباً الضجة التي تثار الآن حول مسألة التنسيق بين الدولتين.
ويستهجن بري أيضاً أن يعترض البعض على التنسيق المشترك، فيما لبنان وقع قبل أيام قليلة على اتفاق لم يجف حبره بعد لاستجرار الكهرباء من سوريا، إضافة الى أن مجلس الوزراء الذي يضم معظم القوى السياسية وافق قبل فترة قصيرة على تعيين سفير جديد للبنان في سوريا، كما أن هناك سفيراً لدمشق في بيروت، وبالتالي فإن هناك علاقات دبلوماسية لا تزال قائمة بيننا.
ويعتبر بري أنه من الغرابة أن يتجاهل البعض كل هذه الحقائق ثم ينبري للاعتراض على زيارة بعض الوزراء الى سوريا، مشيراً الى أن هذا السلوك يعكس تخبطاً واضحاً لدى أصحابه. ويضيف مبتسماً: ألا يعلم هؤلاء أن “حزب الله” موجود في سوريا منذ ست سنوات وهو في الوقت ذاته ممثل في الحكومة؟
ويوضح بري أن سوريا تشكل عمقاً حيوياً للبنان على المستوى الاقتصادي، لافتاً الانتباه الى أن العديد من المحاصيل الزراعية اللبنانية يجري تصريفها في الأسواق السورية، ويكفي لمطلقي المواقف الخالية من الواقعية أن يتخيلوا ما الذي يمكن أن يحدث لو أن دمشق أقفلت حدودها مع لبنان.
ويروي بري كيف أن التوصل الى بناء علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا تطلب جهدا كبيراً، مستهجناً أن يستسهل من كانوا يصرون على إنشاء هذه العلاقات التفريط بها. ويتابع مستعيداً جزءاً من شريط الماضي: «عندما كنت وزيراً، التقيت الدكتور بشار الأسد بحضور عدد من الشخصيات السياسية اللبنانية. يومها طرحت ضرورة حصول تبادل دبلوماسي بين الدولتين ونبهت الى أن رفض دمشق لهذا الأمر سيفسر على أنه يخفي عدم اعترافها باستقلال لبنان. ولاحقا حصل هذا التبادل واستحدثت سفارتان في بيروت ودمشق».
وينفي بري الاتهام الذي وجهه اليه النائب السابق فارس سعيد بأنه طرح مسألة التنسيق مع سوريا بإيعاز ايراني، وذلك خلال وجوده في طهران للمشاركة في مراسم تنصيب الشيخ حسن روحاني رئيساً لولاية ثانية.
يضحك بري عندما يُنقل له كلام سعيد الذي أدلى به خلال مقابلة تلفزيونية، موضحاً أن مواقفه الداعية الى التنسيق والتعاون مع دمشق إنما أطلقها أمام الوفد الإعلامي المرافق له، خلال انتقاله في الطائرة الى إيران، وقبل أن يصل إليها.
ويشدد بري على أن ملف التنسيق بين لبنان وسوريا لم يبحثه مع أي من المسؤولين الإيرانيين الذين التقاهم، باعتبار أنه شأن لبناني داخلي، مؤكداً أن الأوضاع الإقليمية كانت مادة النقاش الأساسية خلال لقاءاته في طهران.
Leave a Reply