شهدت مدينة ديربورن خلال الأسبوع الماضي إقامة تجمعين تضامنيين مع ضحايا العنف في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا، رفضاً للكراهية والعنصرية التي تنادي بتفوق العرق الأبيض، وتأكيداً على تماسك مجتمع ديربورن المتنوع بمختلف أطيافه.
التجمع الأول أقيم الأحد الماضي ١٣ آب (أغسطس)، حيث احتشد نحو ١٠٠ شخص أمام «مكتبة هنري فورد المئوية» بمدينة ديربورن، تلبية لدعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أقل من ١٢ ساعة على الاعتداء الإرهابي الذي أدى إلى مقتل متظاهرة وإصابة ١٩ آخرين (تفاصيل ص ١٥). فيما أقيم التجمع الثاني تحت عنوان «تضميد الجراح» في حرم جامعة «ميشيغن-ديربورن» الأربعاء ١٦ آب، بدعوى طلابية وبمشاركة أكثر من ٢٠٠ شخص، تقدمتهم النائبة الديمقراطية في الكونغرس الأميركي ديبي دينغل وزوجها عميد الكونغرس المتقاعد جون دينغل، إلى جانب النائب الديمقراطي عن ديربورن في مجلس ميشيغن التشريعي عبدالله حمود ورئيس بلدية ديربورن جون أورايلي، بالإضافة إلى رجال دين مسلمين ومسيحيين ولفيف من المرشَّحين للانتخابات البلدية في ديربورن.
وقد تخلل الوقفتين إضاءة شموع والوقوف دقيقة صمت إضافة إلى رفع لافتات مناهضة للعنصرية وتضامنية مع ضحايا تشارلوتسفيل من قبيل: «تفوق العنصر الأبيض هو الإرهاب»، و«تذكروا هيذر هير»، و«لا لـ KKK»، و«لا للفاشيين في أميركا» و«احب إخوانك وأخواتك»، كما صدحت حناجر المشاركين بهتافات أخرى منددة بالكراهية والعنصرية.
ديربورن ضد الكراهية
ماري كاي كوبيشيك، كانت واحدة من منظمي تظاهرة 13 آب في منتزه «قدامى المحاربين» أمام مكتبة هنري فورد المئوية على شارع ميشيغن أفنيو، بمساعدة آخرين ممن شعروا مثلها بالغضب والإحباط الشديدين بسبب هجوم تشارلوتسفيل.
وقد انضمت النائبة الأميركية دينغل إلى المتظاهرين حيث ألقت كلمة شددت فيها على أهمية الوحدة والتضامن بين مختلف مكونات الشعب الأميركي وقالت «علينا أن نتذكر أن نجاحنا هو بوحدتنا وسقوطنا يكون بسبب تفرّقنا».
وأضافت «الناس بحاجة إلى استغلال مثل هذه اللحظة ليأخذوا وقتهم ويتعرفوا على بعضهم البعض، وينصتوا لبعضهم البعض، وأن نفهم أن كل واحد منا قد يكون مختلفاً عن الآخر من حيث التجارب والخلفيات المتنوعة» مستشهدة بأقوال داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ.
وأكدت دينغل على أهمية نبذ الخطاب السلبي الذي «يجب أن يتوقف» و«لنكن سباقين في خلق نمط جديد لما نريد أن نكون عليه في أميركا عبر إيجاد ما يوحدنا كمجتمعات»، وأضافت «تذكروا أن المجتمع هو أساس الديمقراطية، وأن المجتمع المتنوع هو ما يجعلنا أغنياء في هذا البلد».
من ناحيتها، قالت القس فران هايز من كنيسة ليتلفيلد المشيخية إن «التفوق العرقي للبيض والعنصرية هما من الخطايا التي تبعدنا عن المجتمع والوطن الذي نصبو إليه».
أما أورايلي فقد أكد على أن «ليس هناك مكان للعنف في أميركا»، واصفاً الوقفة التضامنية بأنها «مثال على ما هو المفترض به أن يحدث»، في إشارة إلى سلمية التظاهر وحرية التعير عن الرأي، لافتاً إلى أن البلدية أتاحت المنتزه المقابل لمكتبة هنري فورد كمنطقة للتعبير السلمي، وأضاف «لقد أنشأنا مكاناً هنا يُسمَح فيه بأي وقت، لأي شخص لديه ما يقوله، أن يأتي بسلام ويدلي برأيه… فهذا حقنا… يمكننا أن نختلف، ويمكننا أن نخوض نقاشات حول القضايا، لكن لا يجوز أن نؤذي بعضنا البعض أو نقتل بعضنا البعض».
وكان لافتاً في تظاهرة الأحد -التي نظمت على عجل- غياب عنصر الشباب مقابل مشاركة متوسطي العمر والمسنين، وذلك لعدم اتساع الوقت لدعوة أوسع نطاقاً حسبما أفاد المنظمون لـ«صدى الوطن».
إلا أن الشباب المتحمس في «جامعة ميشيغن-ديربورن» لم يدع المأساة تمر دون أن يكون له موقف واضح من الأحداث، فجاء تنظيم التظاهرة الثانية يوم الأربعاء بمشاركة لافتة من الشباب، دون أن يغيب عنها السياسيون أيضاً.
الطالبة نائبة رئيس الحكومة الطلابية، سارة القراغولي، صرحت لـ«صدى الوطن»، أنها شعرت بنوع من الشلل مع توارد الأخبار المؤلمة من فرجينيا، وبعد استيعاب خطورة الحدث، بدأ الطلاب يتداولون مساء الاثنين سبل التحرك للرد على ما حصل، فتواصلت القراغولي مع مجموعة من الأصدقاء والزملاء في الحكومة الطلابية. «قلت لهم إن علينا أن نفعل شيئاً عبر موقعنا في الحرم الجامعي… نحن لا يمكننا الجلوس بصمت ومشاهدة الامور تمر أمامنا دون أن نحرك ساكناً».
فبادرت وزملاؤها، مشهدية عاصي الرئيسة السابقة لرابطة طلاب القانون، وأمين صندوق منظمة «برايد» جوردان يونكر، والطالبة نور علي، إلى تنظيم التظاهرة السلمية عبر الدعوة إلى المشاركة فيها بواسطة الفيسبوك، ليشارك أكثر من ٢٠٠ شخص في التجمع الذي تخللته إضاءة شموع وكلمات خطابية رفضاً للكراهية والعنصرية.
النائبة ديبي دينغل وزوجها كانا من بين الحضور أيضاً. وأعلن عميد الكونغرس المتقاعد جون دينغل (91 عاماً) في كلمته «اليوم، كما أحيي فيه أصدقائي، أحيي كل إخواني المهاجرين»، مضيفاً أن «لي الشرف ان اكون مع المسؤولين المنتخبين، والطلاب والمواطنين في هذه الوقفة وفي هذه المدينة وفي هذا البلد، نحن نؤمن بشيء؛ نحن نقف من أجل الحفاظ على حقوق كافة الأميركيين وحمايتها».
أورايلي والقس هايز أيضاً تحدثا في الوقفة الاحتجاجية التي انضم إليها الشيخ محمد علي إلهي، مرشد «دار الحكمة الإسلامية» في ديربورن هايتس.
وقد دان إلهي تصريحات الرئيس دونالد ترامب بشأن أحداث تشارلوتسفيل قائلاً «إن هذه أمة يجب أن تُقاد باحترام ووحدة. هذه هي توقعاتنا». واستدرك «نأمل بطريقة أو بأخرى أن يصل ترامب إلى الحقائق ويبدي استعداداً أكبر لإظهار مقوِّمات القيادة اللازمة التي تحتاج اليها أسرة هيذر وغيرها من الضحايا… انهم يستحقون كل احترام وحماية.. والأجدر بالرئيس أن يكون أول من يستجيب لندائهم».
النائب حمود، الذي غاب عن تظاهرة الأحد بداعي السفر حضر إلى جامعة ميشيغن وقال للمتظاهرين «تمنيت لو أنني في ديربورن عندما شاهدت ما كان يحدث في تشارلوتسفيل». وأضاف «عندما أفكر بديربورن أفكر كيف تتجاور مساجدنا مع كنائسنا. أفكر دوماً بمدارسنا حيث أطفالنا يكبرون فيها ويشبون من دون التفكير باختلاف بعضهم عن البعض الآخر من ناحية الدين والعرق أو اللون والعقيدة، ولكنهم يفكرون في التعايش والاحترام المتبادل».
وانتقد حمود، الرئيس ترامب مؤكداً أنه خذل المواطنين الأميركيين. وخلص إلى القول «كانت لدينا مجموعة من المتطرفين، من القوميين البيض الذين يشعرون بالجرأة اليوم بسبب القيادة في واشنطن العاصمة، التي لم تتمكَّن من إدانة المتطرفين بالاسم. لقد خذلَنا كأمة بوصفها دولة تحترم جميع الناس».
المستشارة في جامعة ميشيغن دانيال ليتل والناشط عامر زهر أيضا تحدثا في هذا المناسبة. في الختام تقدمت ديبي دينغل بالشكر الجزيل الى جيل المستقبل وأعربت عن فخرها به منهية خطابها بالقول «أرجو الا تشهد الأجيال المقبلة بعضاً من هذه الكراهية التي شهدناها مؤخَّراً. اننا سنواجه معاً الكراهية وسنفوز».
Leave a Reply