في 17 آب (أغسطس) الجاري، داهمت دورية مشتركة من عناصر شرطة ولاية ميشيغن وعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) عيادة الطبيب العربي الأميركي محمد ديراني في ديربورن، وذلك استجابة لشكاوى السكان المتضررين من مراجعي العيادة الواقعة قريباً من تقاطع شارعي وورن ويانغر.
وقامت العناصر الأمنية بالقبض على ديراني ومديرة عيادته زهرة الواجد (28 عاماً) حيث امتثلا في اليوم التالي (الجمعة 28 أغسطس) أمام قاضي المحكمة الـ19 في ديربورن جين هانت. ووجهت لكلا الموقوفين أربع تهم بصرف وتقديم عقاقير مخدرة خاضعة للرقابة الحكومية، من الممكن أن تودي بكل منهما إلى السجن لمدة تصل إلى 20 عاماً مع غرامة بربع مليون دولار لكل منهما.
ووفقاً لرئيس شرطة ديربورن رونالد حداد، فقد تم إطلاق سراح ديراني بعد دفع الغرامة البالغة قيمتها 250 ألف دولار، ومصادرة جواز سفره، وتزويده بسوار إلكتروني لتحديد مكانه، وذلك لحين موعد محاكمته الذي حدد في 1 أيلول (سبتمبر) القادم.
وأشار حداد إلى أن التحقيقات التي بدأت في تموز (يوليو) الماضي وانتهت بمداهمة العيادة الطبية ماتزال مستمرة لمعرفة مزوديها بالعقاقير المخدرة.
وكانت «دائرة التنظيم وشؤون التراخيص في ميشيغن» (لارا) قد وضعت ديراني –وهو من سكان وست بلومفيلد– في رأس قائمة الأطباء صارفي العقاقير الخاضعة للرقابة في عامي 2015 و2016، حيث صرف ما متوسطه 43 عقاراً مخدراً في اليوم بين كانون الثاني (يناير) 2015 وآب (أغسطس) 2017، إضافة لنصف مليون حبة دواء مخدرة منذ كانون الثاني (يناير)، هذا العام.
وكشف المحققون أن حوالي نصف المواد الأفيونية قد انتهى بها المطاف إلى الشارع وأن الأوكسيدون (وهو عقار مخدر للغاية) كان الأكثر تداولاً في الوصفات الطبية التي صرفها ديراني الذي صرف أيضاً –وفقاً للمحققين– عقاقير مخدرة قاتلة. وقد علقت «لارا» رخصة المزاولة الطبية لديراني.
مكافحة الإدمان.. ودور المجتمع
وباء المواد الأفيونية ليس جديداً على مدينة ديربورن ولا يقتصر عليها دون غيرها من المدن الأميركية بحسب ما تشير الدراسات المختصة على الصعيد الوطني، ولكن هذا الأمر لا يقلل من خطورة هذا الوباء، بحسب المحامي حسن عبد الله الذي أفاد لـ«صدى الوطن» بأن «الطبيعة المحافظة لديربورن قد تشي بأن المدينة محصنة ضد وباء الأفيونيات ولكنها في الحقيقة لا تختلف عن المدن الأخرى».
عبد الله، هو واحد من خمسة أسسوا منظمة «سايف» SAFE لمكافحة تعاطي المخدرات والإدمان عليها، أضاف «الحقيقة هي أن هذه القضية تزداد سوءاً.. أعتقد أن هذا هو الحال الذي وصلنا إليه».
وقد وافق الدكتور إد جوني –الأخصائي النفسي في مكافحة الإدمان من «جامعة ميشيغن»– على ما قاله عبدالله، وأضاف «ما حدث في ديربورن هو انعكاس لما يحدث في جميع أنحاء البلاد.. إنني سعيد لأن وكالات إنفاذ القانون قد أخذت هذه القضية على محمل الجد، وقامت بما يجب القيام به».
وأشار إلى العوامل العديدة التي تلعب دوراً في إدمان الأفراد على المواد الأفيونية، مثل التكوين البيولوجي والبيئة الاجتماعية والصحة النفسية، وقال «الإدمان حالة طبية خطيرة يتغير فيها سلوك الفرد إلى درجة تدفعه للبحث قسراً عن نوع معين من العقاقير كما هو الوضع في الحالات الأفيونية».
وشدد على أنه من المهم أن نفهم أن الإدمان ليس «شعوراً أخلاقياً»، وقال: «هذا المرض هو حالة طبية خطيرة جداً، والمصابون به يحتاجون إلى علاج طبي.. لقد قمت بهذا العمل لمدة 7 سنوات ولم ألتق بأي شخص يرغب أن يكون مدمناً». وأضاف «الأفراد الذين يعانون من الإدمان بحاجة لمعرفة أنهم ليسوا وحدهم وأنه يمكنهم أن يتماثلوا للشفاء».
وبالنسبة للدور المجتمعي، أشار جوني إلى أن هذه الحادثة هي نقطة ارتكاز جيدة لأن العديد من المنظمات العربية الأميركية والمراكز الدينية تنشط من أجل تعميق الوعي حول هذه الآفة وتركز على معالجتها أكثر من ذي قبل، مؤكداً «أننا مازلنا بحاجة لبذل مزيد من الجهود في هذا المضمار»، وقال «إن المجتمع يجب ألا يفصل بين الإدمان والصحة النفسية… إنهما مترابطان»، وعبر عن اعتقاده الراسخ بأن «زيادة الوعي بين أبناء الجالية ومعرفتهم بأن بعض الأطباء يهتمون بالمال أكثر من صحة الناس» هو ما أدى إلى اعتقال ديراني.
سوق سوداء للمواد المخدرة
كما أكد على أن منظمة «سايف» تحث إخصائيي الرعاية الطبية على فهم تأثير الأدوية على المرضى وتحضهم على توعية مرضاهم بتأثيراتها، لافتاً إلى أن «سايف» تعقد فعاليات شهرية تتمحور حول مواضيع تتعلق بالصحة العقلية وإساءة استخدام المواد المخدرة، كما أنها تنظم دورات نصف شهرية مصممة خصيصاً للعائلات والأصدقاء الذين يعانون من إدمان أحبائهم على تعاطي المواد المخدرة.
وترشد «سايف» الأفراد الذين يريدون العلاج من الإدمان أو يعرفون أشخاصاً يريدون العلاج إلى مراكز متخصصة، كما توفر برنامجاً تدريبياً لعناصر شرطة ديربورن للتعامل مع حالات الجرعات الزائدة، مؤكداً أنه «خلال الأشهر السبعة الماضية –وعبر تطبيق هذا البرنامج– تم إنقاذ حياة خمسة أشخاص».
وشدد على حاجة المجتمع لمواصلة العمل بشكل تعاطفي لحل هذه القضايا الحرجة.
وأفاد حداد لـ«صدى الوطن» بأن شرطة مدينة ديربورن كانت قد احتجزت خلال السنة الماضية أكثر من 200 شخص كانت بحوزتهم مخدرات غير مشروعة، مشيراً إلى الشرطة «تعثر في كثير من الأحيان على عقاقير بحوزة الموقوفين الذين لا يملكون وصفات طبية”، وقال “لدينا سوق سوداء كبيرة.. هنا».
وأضاف «إن إصلاح المشكلة يبدأ بتوعية أفراد المجتمع في سن مبكرة وتثقيفهم حول خطورة المخدرات»، مؤكداً «هذا ما تعمل عليه مدينة ديربورن بكل فعالياتها ومكوناتها».
تحسين نوعية الحياة
واحد من سكان ديربورن طلب عدم الكشف عن هويته، أفاد لـ«صدى الوطن» أنه يعيش بالقرب من العيادة التي تمت مداهمتها، قال إنه واظب على تقديم الشكاوى لشرطة ديربورن منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، مضيفاً بأن دائرة الشرطة طلبت منه الاستمرار بالاتصال بهم، وبالتالي فإن القضية قد نشأت نتيجة تراكم اتصالاته واتصالات الآخرين من أمثاله.
وأضاف «كان مراجعو العيادة يصطفون في طوابير من الساعة 10 صباحا وحتى الـ11 مساء، وكانوا يفدون إلى المكان في الـ9 صباحاً»، مشيراً إلى أنهم كانوا يقضون حاجتهم في حديقة منزله لعدم وجود دورات مياه في المنطقة.
وأشار إلى أنه حث جيرانه للاتصال بالشرطة والتقدم بالشكوى ضد العيادة وصاحبها، كما أنه قام بالتقاط صور وفيديوهات تصور قذارة المكان والزبائن الذين يتبادلون المخدرات، ليقدمها كأدلة للشرطة.
ولفت إلى أن قائد شرطة ديربورن طلب من المشتكين أن يتحلوا بالصبر «لأن هنالك شيء قادم»، وقال «تبين أنه لم يكن يكذب».
ووصف المنطقة بعد إغلاق العيادة بأنها أكثر نظافة وهدوءاً عما كانت عليه في السابق، حيث تمت إزالة الكثير من المخلفات والقمامة وزجاجات البيرة والخمور التي كانت تملأ المكان.
حداد، أكد أن الشرطة كانت على علم بأن العيادة كانت سبباً في تدهور نوعية الحياة في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن عملية تنظيف كبيرة للحي كانت قد بدأت قبل يومين من المداهمة واستمرت لثلاثة أيام بعدها، وقال «لقد بدأنا بحملة جدية لتنظيف تلك المنطقة وقد استعنا بعمال المحكمة الـ19 للعمل كمتطوعين في جمع القمامة، كما قامت دائرة الإطفاء بتركيب أجهزة الإنذار من الحرائق في بعض البيوت»، وأضاف «قامت الشرطة بزيارة 38 محلاً تجارياً و1221 مسكناً».
كما تم إصدار 61 إخطاراً بإزالة الخردة والقمامة والقاذورات نُفذ 42 منها، إضافة إلى 181 إشعار بجز العشب وإزالة النباتات الضارة وقد تمت الاستجابة لـ149 منها.
وأكد حداد «حين تقود سيارتك اليوم في تلك المنطقة فسوف ترى حياً نظيفاً»، كما أن المنطقة أصبحت أكثر هدوءاً وأقل ضجيجاً على عكس ما كانت عليه في السابق. وكان متصفح الكتروني من ديربورن قد علق على الخبر الذي نشرته «صدى الوطن» حول مداهمة عيادة الطبيب محمد ديراني، الأسبوع الماضي، حيث كتب تعليقاً قال فيه «كل صباح أمر من هناك، كنت أعتقد أنه يوم الجمعة السوداء»، في إشارة إلى الازدحام والضوضاء التي يسببها مراجعو العيادة.
Leave a Reply