أثارت الأحداث المزعجة والمأساوية في شارلوتسفيل –الأسبوع الماضي– جدلاً قديماً قدم أميركا ذاتها. فقد شهدت أمتنا مجموعة متنافرة من المتعصبين الذين ذهبوا إلى تلك المدينة، زاعمين «إنقاذ» تماثيل «أبطال الكونفدرالية». وبعضهم كان مسلحاً، وكثير منهم رددوا شعارات نازية حول التطهير العرقي، وتعريفهم لـ«الأميركية الحقيقية». وواجههم خصومهم الذين ردوا بتأكيد ما وصفوه بـ«قيم التنوع والتسامح الأميركية». ومع تطور المواجهة إلى أحداث عنف مرعبة، نتساءل: ماذا يعني ذلك كله بشأن هويتنا كأمة وكشعب؟
وبمفهوم واقعي، وعلى رغم صعوبة التصريح بذلك، إلا أن كلا الجانبين يمثلان طرفين أساسيين في قصتنا الأميركية. فلطالما كانت الفكرتان المتمايزتان عن أميركا حاضرتين معنا. وإحداهما تمثل المتعصبين الذين يعانون من رهاب الأجانب. وتلك هي أميركا التي ولدت في الخطيئة الأصلية من الإبادة الجماعية للسكان الأصليين والعبودية. وقد كانت هي «الولايات الكونفدرالية الأميركية»، التي حملت معها «مذهب المصير الحتمي» التوسعي، وإخضاع الشعوب المكسيكية وسرقة أراضيها، وقانون الإقصاء الآسيوي، وإرهاب جماعة «كي. كي. كي» وكابوس المكارثية، وإقصاء الإيرلنديين والإيطاليين وغيرهم من المشاركة الكاملة في الحياة الأميركية، وقد حدث ذلك كله، وهو جزء من التاريخ الأميركي لا يمكن إنكاره.
غير أنه كانت هناك دوماً أميركا أخرى عبر العصور تمثلت في وعد بقانون الحريات، وهؤلاء الذين وهبوا حياتهم لإنهاء العبودية، والجهود التي لم تكل ولم تمل من قبل المدافعين عن حقوق المرأة والعمال والحقوق المدنية لنيل المساواة والفرص للجميع. وانعكست أيضاً في حكمة أبراهام لينكولن، وفرانكلين روزفلت، والقيادة الملهمة لمارتن لوثر كينغ، وتلك الكلمات البسيطة المحفورة على تمثال الحرية. وذلك أيضاً جزء من التاريخ الأميركي، ويجب علينا أن لا ننساه.
وفي كل العصور، ظلت هاتان الفكرتان محصورتين في صراع مستمر، ومن المهم ألا ننسى أنهما كانتا دائماً معنا. وإذا نسي الأميركيون الجانب المظلم من قصة الولايات المتحدة، والحاجة الدائمة لمواجهته، فعندئذ يمكن أن يصبحوا ضحية له عندما يطل برأسه مهدداً. وكذلك، إذا نسوا القصة التي سطرها عظماؤهم، فمن الممكن أن يقعوا فريسة لليأس، وفقدان الأمل الذي يمكن أن يبزغ مشعاً بنوره في عالم مظلم.
وعلى رغم أننا نخوض تلك المواجهة منذ نشأة أمتنا، إلا أن الأمر الفريد بشأن التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة بوضوح في الوقت الراهن هو موقف البيت الأبيض الفاتر والمثير للقلق من أحداث العنف في تشارلوتسفيل.
غير أن الأنباء السارة تكمن في أن الإدارة الأميركية ليست هي من سيسطر الفصل الأخير من تلك القصة، فالمسيرات الحاشدة وإضاءات الشموع التي تشجب التعصب وعدم التسامح تجري في أنحاء المدن الأميركية. وفي كل يوم، تصدر إعلانات جديدة عن إزالة تماثيل ترمز للعبودية من قبل المسؤولين في المدن والولايات.
وقد انضمت الطوائف الدينية إلى شجب التعصب والكراهية، وأعرب الرؤساء الأميركيون السابقون الأحياء كافة، وكذلك عدد كبير من «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» عن رفضهم للعنصرية والكراهية.
والحقيقة أننا نتجه نحو الأفضل، لكن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها، وستواجهنا صعوبات كثيرة، وقد بات المؤكد أنه سيتجه الإنصات إلى أصوات العقلاء.
وعلى رغم ذلك، علينا أن نتذكر أننا سنواجه دوماً التحديات ذاتها التي لطالما كابدتها أمتنا. وهذا الصراع الدائم بين الأميركيتين لن ينتهي، ولكن ينبغي ألا نفقد الأمل أبداً في أنه بمقدورنا هزيمة جانبنا المظلم، كما أن علينا أن ندرك أن قوى التعصب والإقصاء ستكون دائماً موجودة لتتحدانا، فهو صراع لن ينتهي!
Leave a Reply