عفاف همايون – «صدى الوطن»
في منتصف شهر تمُّوز (يوليو) الماضي، بدأ رئيس «الطاولة المستديرة للتنوع والتعدد» ستيف سبرايتزر بتشكيل ائتلاف لمواجهة خطاب الكراهية الموجه ضد المسلمين، والذي يروّج له مدير قرية «كالكاسكا» جيف سيتنغ.
وكان سيتنغ قد عمد إلى التأليب ضد المسلمين والحض على كراهيتهم، وجاهر –متذرعاُ بحرية الرأي التي يكفلها التعديل الأول في الدستور الأميركي– بالدعوة إلى «موت جميع المسلمين» على صفحته على “فيسبوك”.
وضم التحالف الذي دعا إليه سبرايتزر جمعيات ومنظمات عديدة، بينها «الرابطة اليهودية لمكافحة التشهير» و«مجلس علاقات الجالية اليهودية» و«المجمع القيادي للأديان في متروبوليتان ديترويت» و«المنظمة النسائية للحلول الدينية من أجل الحوار والتواصل في مترو ديترويت» و«مؤتمر ولاية ميشيغن» و«الجمعية الوطنية لتقدم الملونين» و«الاتحاد الأميركي للحريات المدنية».
وكانت باكورة عمل التحالف هي المبادرة إلى الاتصال بمكتب حاكم ولاية ميشيغن ريك سنايدر لاستحصال بيان منه يدين تصريحات سيتنغ الحاقد.
ولما كان سنايدر خارج البلاد، فقد عاود «التحالف» الاتصال بمكتب الحاكم الذي عاد لتوه من زيارة للصين، ومنحه عشرة أيام للاستجابة لطلبات التحالف الحقوقي بإدانة تصريحات التعصب والكراهية.
وخلال المهلة، وقعت الحوادث العنصرية في مدينة تشارلوتسڤيل في ولاية فيرجينيا. وقد أصدر سنايدر بالفعل بياناً صحفياً في 14 آب (أغسطس) الماضي، جاء فيه «إن خطابات الكراهية والعنف غير مرحب بها في ميشيغن لأنهما لا يمثلان جوهر وحقيقة مواطني ميشيغن أو المستقبل الذي نريد أن نبنيه لأبنائنا».
لكن بيان سنايدر لم يتطرق –لا تصريحاً ولا تلميحاً– لتصريحات مدير قرية كالكاسكا جيف سيتنغ، مما دفع «التحالف» إلى مطالبة الحاكم –مرة أخرى– إلى التنديد بتصريحات سيتنغ الإسلاموفوبية، ورد مكتب الحاكم بأن شعر بأنه فعل ذلك في بيانه الصحفي.
وأصر رئيس التحالف سبرايتزر بأن بيان سنايدر لم يكن كافياً مشدداً بالقول «هذه مسألة حياة أو موت».
وعلى أثر ذلك، بادر التحالف بإبراق رسالة للحاكم يطالبه فيها بالتحرك الفوري من موقع الحياد إلى موقع التحالف مع أصحاب الحقوق الدستورية وحمايتهم من الأصوات المتعصبة ودعواتها التأليبية.
وجاء في الرسالة: «لقد قرأنا البيان الذي صدر في 15 آب (أغسطس) ونقدر لكم تأكيدكم على أن خطاب الكراهية غير مرحب به في ميشيغن، إلا أن الأجواء الحالية تستدعي منكم موقفاً أشد لهجة، لذلك نطالبكم بإدانة تصريحات مدير قرية كالكاسكا، سيتنغ، الداعية إلى موت المسلمين وغيرهم من الأقليات».
وأضافت الرسالة «إذا لم تقوموا بذلك، فقد يستشف من صمتكم بوجود خطأ بنيوي مع المسلمين وغيرهم من الأقليات، مما قد يؤدي إلى تأصيل الحقد ضدهم في النفوس وإضرام نيران الكراهية المستشرية لتوها في ولايتنا».
واستشهدت الرسالة بكلمات الكاتب الأميركي إيلي ويزيل، أحد الناجين من محرقة الهولوكست، تقول: «يجب علينا دائماً أن نأخذ موقفاً تجاه القضايا فالحياد يساعد الجلاد لا الضحية، والصمت يشجع الظالم لا المظلوم».
وأعرب سبرايتزر عن قلقه العميق من الأجواء في قرية كالكاسكا التي تضم ميليشيات للعنصريين البيض تستغل المكان لاستقطاب جماعات الكراهية والتعصب.
وشدد بالقول: «إن الشخص الذي يتبوأ أعلى منصب في الولاية حري به أنْ يعكس المواقف الأكثر أخلاقية، وإن السبب الوحيد الذي دعاني مع فريقي لتوجيه الرسالة له هو للفت الإنتباه وإيصال أصوات الأشخاص الذين يعانون من الكراهية والتمييز».
أضاف «أيضا أردنا إرسال رسالة تطمين إلى أولئك الذين يشعرون بالكراهية المصوبة نحوهم وهم مدركون انهم سيصابون بنتيجتها بالأذى، سواءً من الناحية العاطفية أو الجسدية في أية فترة ما، وأنَّ أحباءهم يمكن أن يتأذوا كذلك … يا لها من طريقة عيش رهيبة».
وأكد سبرايتزر أنه يريد إرسال رسالة إلى هؤلاء المواطنين لكي يعرفوا أن هناك من يحبهم، وكذلك لحث المتفرجين على اتخاذ موقف متضامن معهم، لا اللوذ بالصمت تجاه القضايا المماثلة لما يحصل في قرية كالكاسكا، كما أن الرسالة موجهة للناس الذين يحملون ضغائن وللجبناء أو البلطجية في الميدان ليعرفوا أن هناك عواقب لكلماتهم وأفعالهم، بحسب سبرايتزر.
من جانبها، قالت المديرة التنفيذية لـ«الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» كاري موس: «أعتقد أن هذه الرسالة تضع الحاكم تحت طائلة المسؤولية»، وأضافت «كان هناك توقع بأنه سيتحدث بلهجة قوية وحازمة عندما يحصل شيء من هذا القبيل، لذا نحن نأمل في قادم الأيام أن يرتقي إلى مستوى الحث، وإذا لم يفعل فسوف نستمر في ممارسة الضغط الشعبي حتَّى يصبح القدوة الحقيقية التي يمكن للولاية ان تفتخر بها».
وشددت «إنه لأمر مقلق جدَّاً لأي موظف رسمي منتخب في الولاية إصدار بيانات مهددة لجماعة معينة.. شارلوتسفيل كانت أكبر نقطة تحول من نوعها وبالنسبة للعديدين فإن دور الشرطة من حيث التنظيم السيِّء لهذه المظاهرة والسماح، على سبيل المثال، للمتظاهرين والمحتجين المعادين لهم أن يستخدموا نفس الشارع.. بالإضافة إلى ذلك، رد فعل الرئيس الأميركي على حادثة شارلوتسفيل، بما في ذلك استعداده وتقبله لإلقاء اللوم على أولئك الذين كانوا متواجدين هناك للتظاهر ضد التمييز وخطاب الكراهية، كان لا مبرر له».
ووصفت ترامب بأنه ذهب بعيداً في موقفه، كما أبدت قلقها من عدم شجب سنايدر لتصريحات سيتنغ مباشرة، وقالت: «أنا جدَّاً قلقة من أن الحاكم وموظفيه يعتقدون أن البيان كان كافياً، هذه لحظة فريدة من نوعها في تاريخ ميشيغن والمسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتق قادتنا لم يسبق لها مثيل».
والمعروف أن صفحة سيتنغ على «فيسبوك» متاحة للعموم، وتحمل مشاعر ومواقف سلبية عديدة ضد المسلمين؛ أيضاً، كانت هناك مشاركات على الصفحة وصفت علناً الرئيس السابق أوباما بأنه مسلم، شاهرة مشاعر الكراهية للمسلمين ولأوباما.
بدورها، وصفت المديرة الإقليمية لرابطة «مكافحة التشهير في ميشيغن» هايدي بوداي مواقف سيتنغ بأنها «فظيعة ومثيرة للقلق.. تحمل في طياتها هجوماً لفظياً على الجالية المسلمة، وقد شكلت الحافز الأكبر للتحالف للاتصال بالحاكم».
وأشارت إلى خطاب سيتنغ الداعي للكراهية بأنه «هو أحد أعراض المشكلة.. أما جذر المشكلة فهو أن الكراهية كفكرة قد أصبحت بطريقة أو بأخرى مقبولة في مجتمعنا، وكذلك التعبير عن كراهية المسلمين والمشاعر المعادية للسامية والداعمة للعنصرية قد أصبح مسموحاً التعبير عنها، وهذا ما نخوض المعركة ضده حقاً، وهذا ما نطالب الحاكم بالتصدي له كذلك».
وشددت بوداي على «أن التعدُّدية هي من جعلت الولايات المتحدة بلداً عظيماً»، وأن «الكراهية والتعصب هما نقيض قيمنا الديمقراطية الأساسية»، وقالت «إن ما حدث في شارلوتسفيل كان مخيفاً، لا سيما لدى الجالية اليهودية وكل الأقليات في البلاد».
العنصر الهام في رسالة التحالف هو أن الذين وقعوا عليها هم في حلف مع المسلمين، فسبرايتزر تعمد كتابة الرسالة كونه أدرك أن المسلمين بحاجة لمعرفة أنهم ليسوا وحيدين وأن كل فئات المجتمع تقف معهم.
وقالت رئيس «المجمع القيادي للأديان في متروبوليتان» رامان سينغ: «الحقوق المدنية لم تترسخ في الستينات إلا بعد أن سار الأميركيون البيض مع الأفارقة الأميركيين»، وأضاف سينغ –وهو أحد الموقعين على الرسالة– «عندما يقف الحلفاء مع الأقليات والمجتمعات المهمشة، تكبر حركة التغيير. هذه هي أوقات تململ وأوقات تاريخية نحياها ستكون نتيجتها تحديد من نحن وماذا نريد أن نكون. أعمالنا لها تأثير فعال. هذا وقت عصيب لكثير من الناس، ولكنه زمن الحساب. يجب أن ننظر الى أعماقنا وإلى عيوننا لتحديد من نكون».
وأكد سبرايتزر أن الرسالة الآن منشورة على الانترنت وأنها في متناول الجميع، مشيراُ إلى أنه لا توجد أي خطة استراتيجية أخرى في الوقت الراهن داخل المجموعة الائتلافية سوى الجلوس مع التحالف، ومنظمة «الجمعية الأميركية لتقدم الملونين»، وكذلك مع الجالية المسلمة بالأخص للنقاش والحوار وإعادة رص وتوحيد الصفوف بعد موسم الحج وعطلة عيد الأضحى المبارك.
والمعروف أن الرسالة تختم بهذه الكلمات: «هذا هو الوقت الحرج الذي يتطلب من كل واحد فينا أن يمارس القيادة بأخلاقية رفيعة. المزيد مطلوب منك، يا حاكم الولاية. نطالبك بإدانة خاصة للبيانات المذكورة وليس بموقف صامت في مواجهة العنف والتهديدات في مجتمعاتنا». وكما قال عضو مجلس الشيوخ أورين هاتش «ينبغي علينا تسمية الشر بإسمه. أخي لم يهب حياته للقتال ضد هتلر على أفكاره النازية، حتَّى تنمو هنا بين ظهرانينا وفي عُقر دارنا. المطلوب أكثر من ذلك».
للراغبين بالاطلاع على النص الكامل للرسالة، يمكن زيارة الموقع الإلكتروني: www.miroundtable.org
Leave a Reply