أعترف بأن لدي حساسية مفرطة تجاه بعض الدعاة ورجال الدين الذين يتصرفون وكأنهم نزلوا من السماء ليكونوا أوصياء على عباد الله، وخاصة أولئك الذين يستغلون المناسبات الدينية للظهور على شتى الوسائل الإعلامية لإعطاء الدروس والمواعظ تحت الأضواء الكاشفة.
خذوا أمثلة على ذلك. قبل التوجه لأداء فريضة الحج، يأتي موسم الدعايات والدعوات التي تحض على حضور الندوات والمحاضرات لمعرفة ما هو محظور وما هو مسموح خلال أداء تلك الفريضة، وما هي الأوامر والنواهي.. التي تجعل الإنسان مكبلاً خائفاً من الوقوع في أخطاء بسيطة، ومتوتراً دائماً في أداء المناسك التي وضعها السادة المشرعون وهم جالسون في مكاتبهم المكيفة، وكراسيهم المريحة، ووجوههم المستبشرة أمام كاميرات التصوير، ومؤخراً شاشات «الفيسبوك»
أتمنى من جنابك أيها القارىء الكريم قراءة هذا الدعاء معي، لنعرف ما هو الحج وما الغاية منه:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم من تعبّأ وتهيّأ وأعدّ واستعدّ لوفادة إلى مخلوق، رجاء رفده وطلب نائله، أليك يا ربّ تعبيتي واستعدادي رجاء عفوك وطلب نائلك، فلا تخيّب رجائي يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل، فإني لم آتك ثقة بعمل صالحٍ عملته ولا لوفادة مخلوق رجوته، أتيتك مقراً على نفسي بالإساءة والظلم معترفاً بأن لا حجة لي ولا عذر، أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين فلم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الذنب أن عدت عليهم بالرحمة. فيا من رحمته واسعة وعفوه عظيم، يا عظيم لا يردّ غضبك إلّا حلمك ولا ينجِّي من سخطك إلّا التضرع إليك، فهب لي يا إلهي فرجاً بالقدرة التي تحيي بها ميت البلاد وأذقني برد عفوك وطعم عافيتك يا قدير، وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة، وإنما يعجل من يخاف الفوت وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علواً كبيراً. اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك للنعم التي مننت بها عليّ وتقويت بها على معاصيك. آمين
ببساطة هذا هو الحج؛ التوجه الكلّي لله عزّ وجل بطلب العفو والمغفرة والتوبة عما مضى، والنيّة الصادقة للعمل الصالح.
يا رب يعيد أيام العيد
كان القرويون القدماء يرددون أن الصخرة الكبيرة قد تسندها حصاة صغيرة. وأنه لا توجد في هذا العالم الواسع أفراح كبيرة، بل ما زال هذا العالم يقيم أوده على أفراح خاطفة، لأن مواثيق الدنيا لا تعطي كل التمنيات في حياة الإنسان القصيرة، لهذا كانت الأعياد مناسبات لأفراح عابرة في أيام سريعة في المجتمع القروي البسيط. وكما في مسرحيات الرحابنة «الضيعة ما بتسوا بلا عيد». العيد فرحة موسمية للتواصل والتلاقي وللمصالحة بين المتخاصمين وتبادل المشاعر الحارة الصادقة مع الجيران والأصدقاء وإرساء دعائم المحبة وتأصيل روح الأخوة بين المقربين والتغلب على الخلافات العائلية التي مهما كبرت تظل صغيرة وتافهة في خضم حياة صعبة وشاقة على الجميع.
الأعياد للأولاد، كما غنّت فيروز. لم تعد كذلك يا سيّدتي. الآن الأعياد «للكبار الأغنياء»، حيث غدت مناسبات للتنافس والتباهي والاستهلاك والمبالغة في الحفلات والهدايا للإستعراض والتفاخر وقياس مواثيق الحياة بمسطرة المادة والربح والخسارة.
ربما لا زال الكثيرون في هذا العالم، أولاداً ينتظرون العيد ويحلمون بثوب جديد وحذاء جديد ووجبة طعام ساخنة، ويطمعون أن يعيشوا تحت سقف بيت وليس خيمة. أما هنا فالأولاد ينتظرون المزيد من الثياب والأحذية والأطعمة والهدايا بلا مبالاة. صدق المسيح العظيم حين قال: «النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجوعانة كل مرّ حلو».
لا أريد بكلماتي هذه إفساد فرحة عيد الأضحى المبارك، ولكل المحتفلين أقول لهم، كما غنّت فيروز:
يا ربّ تزيد
خيرك وتعيد
ع الدنيا كِلّا
أيام العيد
وللنفوس الحزينة المتألمة أقول: عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
Leave a Reply