في هذه الأيام المباركة، أواخر شهر ذي الحجة، آخر شهر في السنة الهجرية، تمنياتي لمن وفقهم الله بأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، وأقول لهم: حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً.
وأداء فريضة الحج، هو مكرمة للإنسان من الله سبحانه وتعالى، يدعوه لزيارة بيته العتيق من كل فج عميق، ليتطهر من دنس الذنوب ولوثة الآثام، ولتوقن بأنك أيها الإنسان «إنك كادح كدحاً إلى ربك فملاقيه»، فتوقف أيها الإنسان لأيام معدودات واسأل نفسك ما معنى وجودك في هذه الدنيا، بين هذه الجموع العديدة الغفيرة، عندما يتساوى الجميع في لباس أبيض، ملبين دعوة الله القادر ليتساووا أمامه، لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. والتقوى هي العمل الصالح بإخلاص من أجل نيل مغفرة الله سبحانه وتعالى، بأن يحب ويتمنى الإنسان لأخيه، ما يتمناه لنفسه.
ورغم مشقة السفر وإتمام المناسك في أيام قليلة ومعدودة في السنة، إلا أن الحاج يسكنه السلام والطمأنينة خلالها، والشعور بأنه نال كرامة من ربه الكريم الذي دعاه لزيارته، وأعانه على ذلك، فيشكر الله ويبكي بين يديه طلباً لمغفرته على ما قدمت يداه في أيامه السابقة، وبما أن الله رب كريم وغفور وسعت رحمته السماء والأرض، فلا شك سوف ينال الحاج العفو والمغفرة، حين يتوب توبة نصوحاً ويبكي ندماً ويرجع إلى أهله مسروراً.
الدين يسر، كما بشّر الرسول محمد (ص) حين كان يستفتيه ويسأله سائل، إلا يسّر له السبيل قائلاً: افعل ولا حرج. وهذا دليل قاطع على سماحة الإسلام وأن الدين يسر لا عسر. وكان يردد دائماً عليه الصلاة والسلام: بشّر ولا تنفّر. لكن هل التزم مشايخ الدين بذلك؟ معظمهم سيماهم التشدد والتزمت والحديث الجامد عن الجوانب المنفرة وإهمال الجوانب المشجعة للإنسان المسلم لأداء الفرائض خشوعاً لقدرة الله ودفء محبته وبرد عفوه ونوره سبحانه وتعالى في وحشته.
في مقابل المنافع الروحية لأداء فريضة الحج، هنالك أهداف أسمى من ذلك، لو أنه أحسن استغلالها لتبلورت مهمات مفيدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بأن يكون كل مسلم من الحجيج سفيراً للإسلام، بتطبيق مبادئه وتعاليمه السمحة حين يرجع إلى بلده وأهله.. ولكن للأسف كما قال العبد الصالح: ما أكثر العجيج وأقل الحجيج!خصوصاً في وقتنا الحاضر عند الغالبية هي كسب لقب «حاج»، ويا ويلك وسواد ليلك، إذا أخطأت وناديت أحداًباسمه أو كنيته دون لقب حاج، «شو أنا حاجج من بيت أبوك»، كذلك القسمة الضيزى في مراتب الحج حالياً، فقد غدت درجات ومراتب وتفاخراً وتباهياً فيما بين الذاهبين إلى مكة.. هذا لم يحدث في الزمن الماضي، حيث كان الحج واحداً للجميع.
اليوم هناك حج القرعة وحج السياحة والحج العادي والحج المميز والحج الفاخر والحج السريع وهنالك تمييز أيضاً في الإقامة بالفنادق أو البيوت العادية، والفنادق تتفاوت درجاتها من نجمة إلى سبعة نجوم.. هذا عدا الدرجات الفاخرة على الطائرات، كل ذلك جعل فريضة الحج منالاً صعباً للمؤمن البسيط الذي «يمشي الحيط الحيط ويقول يا رب الستر»، أما غني الصدفة، «الذي جمع مالاً وعدده» فالفتاوى جاهزة لتحليل ماله بالطواف حول البيت العتيق.. ولأكثر من مرة.
أعود وأكرر: حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً.. لكل من أتى الله بقلب سليم، وكل عام هجري وأنتم بخير!
Leave a Reply