35 عاماً على المجزرة الرهيبة: لائحة اتهام للمجتمع الدولي
في 16 أيلول (سبتمبر) 1982، وإبان الغزو الإسرائيلي للبنان، اقتحمت ميليشيا «الكتائب اللبنانية»، المسيحية اليمينية، مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين في بيروت الغربية، وأعملت القتل والذبح بآلاف المدنيين الفلسطينيين، من النساء والأطفال وكبار السن.
كنت –حينها– قد بلغت الـ19 من عمري. وبالصدفة وبالحظ، تمكنت من البقاء على قيد الحياة، بعد أن فقدت أمي وخمس أخوات أصغر مني، إضافة إلى عائلة خالي وزوجته وأبنائهما الثمانية.
كان الغزو الإسرائيلي للبنان قد بدأ في 6 حزيران (يونيو) 1982، وبعد الدمار الكبير، وافقت منظمة التحرير الفلسطينية –التي كانت تدافع عن المخيمات منذ نشأتها– على مغادرة لبنان في آب (أغسطس) بضمانات أميركية تتعهد بحماية الفلسطينيين المدنيين. وفي 14 أيلول اغتيل الرئيس المنتخب في لبنان وزعيم «الكتائب» بشير الجميّل، وشرع الجيش الإسرائيلي باقتحام واحتلال بيروت الغربية، وقامت قواته بمحاصرة المخيمات لمنع اللاجئين من المغادرة، والسماح باقتحام عناصر «الكتائب» المدفوعين بمشاعر الانتقام من الفلسطينيين لصبرا وشاتيلا، حتى امتلأت أزقة المخيمين بمئات الجثث ورائحة الموت، دون أي اعتبار لأبسط القيم الأخلاقية أو الإنسانية.
استمرت المجزرة لمدة يومين، وبانتهاء حمام الدم، تكفلت جرافات الدولة العبرية بحفر مقابر جماعية للقتلى، لمواراة الجريمة البشعة. وفي عام 1983، حمّلت «لجنة كاهان» للتحقيق في إسرائيل، وزير الدفاع أرييل شارون «المسؤولية الشخصية» عن مذابح المخيمين، وقررت أن مذابح صبرا وشاتيلا كانت نتيجة مباشرة لانتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة التي تنصلت ومعها المجتمع الدولي من فرض أيّة عقوباتٍ على الدولة العبرية.
إن هذه الذكرى المأساوية تذكِّرنا –من جديد– بأن المجتمع الدولي لا يزال يفشل في مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها للقانون الدولي ونكران الدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية للشعب الفلسطيني. وبعد مرور 35 عاماً على المجزرة ، يواصل كيان الاحتلال إساءة استخدام الحقوق الفلسطينية والسماح لوكلائه باستخدام العنف كما حدث مع «الكتائب» في الماضي، أو كما يحدث اليوم بالسماح للمستوطنين غير القانونيين بشن الهجمات المتكررة على الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم، وكذلك ترهيبهم وقتل عائلات بأكملها منهم، كما حدث في الهجوم المتعمد الذي وقع في العام الماضي على منزلٍ فلسطيني قتل فيه الأم والأب وطفلهما البالغ من العمر 18 شهراً.
في الواقع، وكما وثّقت منظمة «بي–تسليم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فـ«الجيش (الإسرائيلي) يخدم المستوطنين بالسماح للمهاجمين منهم بالسير ببساطة وتسهيل مهمتهم». وعندما يقومون بعدوانهم، من المرجح أن يدعم الجنود الإسرائيليون المستوطنين، مما يسمح لهم بمواصلة مهاجمة الفلسطينيين، بدلاً من حماية المدنيين الأبرياء.
ولا يزال الجيش الإسرائيلي يفلت من العقاب بالرغم من ارتكابه لجرائم حرب، وذلك ما يتضح من الهجمات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة الصغير المحاصر منذ أكثر من عقد، ما أدى إلى مقتل آلاف الفلسطينيين الأبرياء، بسبب استخدام «القوة غير المتناسبة والعشوائية».
لا يزال القتل مستمراً بسبب تجرد دولة الاحتلال من الإنسانية، وهو السبب نفسه الذي سمح لها بالتغطية على ميليشيات «الكتائب» الانتقامية والسماح لها بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا، وهو السبب نفسه –أيضاً– الذي سمح لها باحتلال شعب آخر منذ حوالي سبعة عقود وإنزال الموت والتشريد والدمار به على مر السنين.
إن عدم الاكتراث بمصير الفلسطينيين لا ينحصر فقط في إسرائيل التي دأبت منذ ما قبل نشأتها على نزع الملكيات من أصحاب الأرض الحقيقيين مروراً بأكثر من نصف قرن من الاحتلال المدعوم بمساعدات عسكرية أميركية غير مشروعة ودعم دبلوماسي. وقد لاحظت الهيئات الدولية مثل مجلس الأمن الدولي مراراً وتكراراً انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، ولكنها لم تحرك ساكناً. واليوم يعيش جيل رابع من الفلسطينيين في مخيمات اللجوء الفقيرة من لبنان، في صبرا وشاتيلا، حيث معظم البيوت والمنازل تتكون من غرفتين صغيرتين جداً: واحدة تنام فيها الأسرة كاملة، وأخرى للمعيشة تفتقر لأبسط الشروط الصحية والخدمية، حيث تعاني المخيمات الفلسطينية من أوضاع سيئة للغاية، كالازدحام الشديد وعدم توفر شبكات المياه والصرف الصحي، مما يؤدي لتفشي الأمراض والتلوث في كل مكان.
إن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قد طال انتظارهم للعودة من المنفى إلى وطنهم الذي طردتهم منه إسرائيل، هؤلاء الذين لا يسمح لهم بالرجوع إلى بيوتهم ومنازلهم لأنهم ليسوا يهوداً. إن المجتمع الدولي ملزمٌ بمعالجة ذلك بمسؤوليته الأخلاقية تجاه ضحايا مجزرتي صبرا وشاتيلا، من خلال العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المستمرة لحقوق الفلسطينيين، فحياة أفراد أسرتي والآخرين الذين نتذكرهم في هذه الذكرى الخامسة والثلاثين ليس من الممكن ولا من المعقول أن تكون قد فقدت عبثاً..
نبيل محمد
نائب رئيس «اللجنة الأميركية العربية
لمكافحة التمييز» (أي دي سي)
Leave a Reply