«أول دخولو شمعة عطولو» هي حال دونالد ترامب في إطلالته الأولى على العالم من خلال منبر الأمم المتَّحدة، حيث كان الظن أنَّه بعد أكثر من ثمانية أشهر من التخبيص» و«التعفيص» في البيت الأبيض سينتهز ترامب الفرصة لكي يُثبِتْ أنَّه رجل دولة بكل معنى الكلمة لا رئيس تلفزيون الواقع كما كانت حاله خلال الأشهر المنصرمة!
لكن حسب رأي خبراء السياسة الأميركية ومنهم موظفون سابقون في سلك الخارجية والبنتاغون، ترامب خيَّب الآمال مرة أخرى وبعثر مصداقية رئيس أميركا الُمعيَّن -هكذا زوراً «قائداً للعالم الحر»، هذا العالم الذي يجب أنْ يوصف بالأحرى بـ«الكر» لا «الحر» بسبب تبعيته العمياء للسياسات الأميركية. ولعل أفضل توصيف لخطاب ترامب جاء على لسان محسن رضائي، رئيس تشخيص مصلحة النظام في إيران عندما قال إنَّ نتنياهو الذي التقى بترامب قبل إلقاء خطابه هو الذي كتبه له. ولكن بعيداً عن الخطاب و«الجعدنة» الترامبية، لنرى من هي الدولة المارقة هنا!
فإيران عادت الى العالم بإطلالة قوية من بوابة الاتفاق النووي الذي استغرق عشر سنوات من التفاوض لإنجازه والذي يتمسك به الأوروبيون على أساس أنَّه افضل الموجود، وأي إلغاء له من جانب أميركي واحد لن يُلزِم أوروبا بذلك ممَّا سيتسبب بشرخ كبير بين حلفاء «الناتو»، خصوصاً وأنَّ دولاً لها ثقلها مثل ألمانيا وفرنسا بدأت تغرد خارج السرب الأميركي ولو لم تستعد استقلاليتها الكاملة بعد كما فعل الزعيم الفرنسي الأسبق شارل ديغول. بالإضافة إلى ذلك، فإن نسف الاتفاق من قبل ترامب سيعرِّض مصداقية أميركا للخطر ويجعلها دولة لا يُعتَدُّ بالتزاماتها وتعهداتها.
ثم إنَّ إيران حالياً تُحارب الإرهاب التكفيري وتنتصر عليه وتقيم علاقات مع دول مارقة مثل تركيا وقطر للجمها من التمادي في دعم الإرهاب وطهران أنقذت الدوحة من الحصار والتجويع والا لكانت نشبت الحرب الطاحنة، وحتَّى مملكة بني سعود رغم حلفها مع تل أبيب أذعنت لضرورة إقامة علاقات مع طهران بينما ترامب نفسه كاد يشعل الحرب بين قطر والسعودية باستغلالهما معاً وهما غافلتان، بل ربَّما صاحيتان، عن هذا الاستغلال. وفي المقابل ساءت علاقات ادارة ترامب مع الكثير من الحلفاء بينما عززت إيران من علاقاتها مع دول «البريكس» والدول الأخرى المهمة في العالم وأصبحت قوةً إقليمية وازنة. كما أنَّ ترامب يقف في سوريا والعراق ضد القضاء الكامل على الإرهاب الوهَّابي وهذا هو موقف تل أبيب بالضبط، والسبب الحقيقي يعود إلى إنشاء منظومة ردع حديدية تزعزع استقرار إسرائيل.
فالمناورة العسكرية الإسرائيلية الكبري التي قامت بها تل أبيب يبدو حسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية نفسها أنها كانت مليئةً بالثغرات ولم تحل مشكلة كيفية الانتصار على المقاومة في أية حربٍ مقبلة. حتَّى طائرة إستطلاع من دون طيار حلقت فوق اجواء الجولان السوري المحتل لم يتمكن صاروخ «باتريوت» من إسقاطها ممَّا استدعى إرسال طائرة حربية لأجل ذلك.
أمَّا الجزء الخطير الآخر في خطاب ترامب فهو دعوته إلى توطين اللاجئين في الدول المتواجدين فيها حالياً وهذا أيضاً حض إسرائيلي محض لأن التوطين هو أبو الأزمات في الشرق الأوسط واللاجئون هم قنابل موقوته تنتظر التفجير، وأي توتر ونزاع داخلي يفيد كيان العدو ويلهي الفرقاء عن التركيز على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولأراضٍ سورية ولبنانية. ولكن إذا كان التوطين مصلحة إسرائيلية فما هي المصلحة الأميركية في إبقاء فتيل التوتر مشتعلاً في الشرق الأوسط والذي قد يزعزع الاستقرار ويعرِّض مصالح أميركا للخطر؟! إنها سياسة الصهر كوشنر وعصابة المحافظين الجدد والباقين منهم في الإدارة، التي ترى مصلحة إسرائيل أولاً وآخراً! وعلى الأقل مخطَّط التوطين في لبنان كان أحد أسباب الحرب الأهلية! قد تكمن مصلحة ترامب من وراء التوطين اعادة ابتزاز دول الخليج العربي بعد أن أنفق 400 مليار دولار أو سينفقها على إعادة بناء ما دمرته الطبيعة، والأموال الحرام الطائلة التي جمعها من سلمان السعودي لم يكن فيها خير وبركة على ما يبدو..
ولكن إذا كان قلب ترامب على اللاجئين فلماذا منعهم من التوطن في الولايات المتَّحدة ويسعى جاهداً للقيام بحظر سفر إسلامي؟! ولماذا لا يوطن 11 مليون شخص غير قانوني متواجدين في الولايات المتَّحدة!
كل هذا ولم نتحدث عن عدم وجود سياسة دبلوماسية ثابته غير استفزازية تجاه كوريا الشمالية وتهور ترامب الذي قد يفجِّر حرباً نووية معها لا تبقي ولا تذر!
دونالد ترامب هو آخر من يحق له الحديث عن الدول المارقة!
Leave a Reply