ما زالت أميركا مذهولة من وقع المجزرة في لاس فيغاس والتي أسفرت عن ٥٩ قتيلاً وأكثر من 500 جريح فيما اعتُبرت أكبر جريمة قتل عن طريق إطلاق نار عشوائي في تاريخ الولايات المتَّحدة.
ونحن كعرب أميركيين ندين هذه المذبحة الوحشيَّة ضد مواطنينا لأننا خبِرنا وعلمنا علم اليقين تأثير ومدى هذه الجريمة المروِّعة بعد ظهور السفَّاحين التكفيريِّين وقبلهم ممارسات دولة الاحتلال في فلسطين، وكذلك نعرف الأثر السيء الذي تتركه العنصرية والانحياز حتَّى في الموت.
بدايةً نحمد الله ونشكره لأن القاتل ستيفن بادوك (البدّوق) لم يكن عربياً أو مسلماً، ولو حاول تنظيم «داعش» الشيطاني تبني العملية في محاولة يائسة أخيرة من قبله لكي يسجِّل آخر موقف دموي له وهو يندثر على أيدي أبطال سوريا والعراق وكل أعضاء محور المقاومة. فالإعلام الأميركي الرئيسي لم يخطر بباله أنْ يصف القاتل بما هو فعلاً: إرهابي وصناعة محلية، بل أقصى وصف له كان أنَّه «ذئب منفرد» أي أنَّه قام بفعلته الشنيعة لوحده من دون مساعدة من أحد، ولم يوصمه الإعلام ولو مرة واحدة بالإرهابي «لأن التحقيق ما زال مستمرَّاً ولا يُعرف ما إذا كانت الجريمة تندرج في إطار الإرهاب المحلي». بل أنَّ بعض المحللين الاعلاميين كانوا يشيرون اليه باسم العائلة ولم ينسوا أن يسبقوها بمستر! أكثر من ذلك، نقلوا عن الإرهابي كل الصفات الحميدة والجيدة مثل أنَّه كان هادئاً ويعمل محاسباً ولم يؤذِ أحداً في حياته ولم يقم حتَّى بمخالفة سير واحدة لدرجة أننا كدنا نشفق على هذا الجزَّار!
هذا الصبر الإعلامي الأميركي بالتأكيد لا ينطبق على العرب والمسلمين طبعاً، فلو افترضنا ان «البدوق» فيه «شرش» واحد عربي أو مسلم، لكانت قامت دنيا وسائل الإعلام ولم تقعد، ولكانت وصفته هو ودينه وملته وعشيرته والذين خلفوه بأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان! فصفة الإرهاب محجوزة فقط حصرياً للعرب والمسلمين لا غيرهم وتنطبق عليهم قبل التحقيق وأثناءه وحتى بعده!
هذه معاناة حقيقية برسم العرب الأميركيين ومؤسساتهم فماذا انتم فاعلون يا عرب؟ بل ماذا فعلت منظماتنا لكي تنتهز هذه الفرصة و«تربي» الإعلام الذي نكاد نوافق ترامب على وصفه بالمزيَّف، وتثقف الرأي العام في هذا البلد بأنَّ الإرهاب لا هوية له ولا دين ولا وجه ولا قومية ولا حتَّى حافز؟ فالإرهاب يشبه تيم ماكڤاي، جزار أوكلاهوما سيتي، كما يشبه أسامة بن لا دين وتوابعه ومشتقاته!
ولكن لكي يستمع إلينا الرأي العام الأميركي كان علينا أولاً الخروج من الشرنقة بإدانة هذا الإرهاب الفظيع كمواطنين يهمنا ما يحصل في بلدنا الذي تبنيناه بإرادتنا وحضننا برحابة صدره كل هذه المدة، ثم نقدم ما نستطيع من مساعدات وتبرع بالدم والمال للعائلات المنكوبة بل حتَّى اقامة مسيرات (نعم مسيرات ضد كل أنواع الإرهاب) وإضاءة شموع عن أرواح الضحايا البريئة وبعد ذلك يحق لنا الدخول في نقاش الانحياز الفاضح والعنصرية الفتنوية عبر تعاطي وسائل الاعلام مع هذه الأحداث عندما يكون الفاعل أحد الضالين من إرهابيي التكفيريِّين أو غيرهم من الأميركيين! فماذا قدم العرب الأميركيون، وما خطة المؤسسات والمراكز لتنوير العالم بموقفنا من الجريمة؟
ربَّما لم تتطرق للموضوع إلا «صدى الوطن» بحكم وظيفتها ودورها وأسباب وجودها، ولكن من غيرها افيدونا أفادكم المولى؟
أليس من المعيب على أنفسنا ومؤسساتنا أن يبقى في أميركا من السياسيين والمتاجرين بالدين والنّاس من يفكر أنَّ ديربورن تُحيا فيها الشريعة الإسلامية، وأنْ يُترَك رئيس بلديتها ليدافع (بلا حماسة) عن عدم وجود تطبيق للشريعة في المدينة وذلك عبر شبكة «سي أن أن»؟! كل هذا وعندنا ما شاء الله من أعضاء مجلس بلدي وتربوي وسياسيين طامحين لتبوُّء المواقع السياسية ولكن من دون معالجة هذا الموضوع الحساس بجرأة وبصدق وطرح إشكالية تقاعس الإدارة البلدية عن تمثيل المواطنين جميعهم تمثيلاً حقيقياً من حيث الوظائف والمواقف، ولربما المواقف هي أشد أنباءً من المواقع.
لقد أصبحت ديربورن مكسر عصا لكل حاقد موتور من المروجين للتجول بالسلاح العلني إلى حارقي القرآن الكريم الى المقتنعين جدياً بصحة ادعائهم بوجود «دواعش» مجرمين يعيشون بين ظهرانينا وبأنَّ الشريعة تُطبَّق في ديربورن، إلى بعض المشرِّعين في ولاية ميشيغن الذين تبرعوا بسن قوانين تتمحور حول منع الشريعة ولو بمسميات أخرى فضفاضة، فلماذا كل هذا التصويب على ديربورن وبالأخص جاليتها الأفعل والأنشط والتي أعطت هذه المدينة ونهضتها من روحها ومالها؟ ولماذا نهجر المدينة التي بنيناها لبنةً لبنةً وننتقل إلى الضواحي الاخرى وهي أصبحتْ بالعرف والواقع عاصمة العرب الأميركيين؟! هل لو كانت الجالية موحدة وقوية ولا تحجز نفسها في دائرة ضيقة، كان يحصل هذا الاستلشاق بنا؟ لو كنَّا فعلاً أقوياء لهبَّ كل من في الإدارة البلدية متطوعاً من تلقاء نفسه للدفاع عن المدينة وعن الإسهام العربي الأميركي فيها بفخر وإباء لكننا للأسف لسنا يداً واحدة ولهذا السبب لا يتحدَّث مرشَّح واحد عن تهافت المغرضين والحاقدين على ديربورن وبدافع بلا خوف ولا هوادة عن جاليتها العربية!
هل سيساهم هذا الكلام في إحداث التغيير المطلوب؟ ربَّما لا، لكننا لن نعدم ذلك أو نلغي فسحة التفاؤل والأمل وهما يبزغان مع الجيل الجديد الصاعد الذي نتمنى أن يستلم زمام الأمور بنفسه ويمسح عجز الجيل القديم!
Leave a Reply