«دوناتفيل» .. شاهد على نصف قرن من التحولات في ديربورن
ستيفن مارتن – «صدى الوطن»
للوهلة الأولى، يبدو محل «دوناتفيل» Donutville -الواقع قريباً من تقاطع فورد وتشايس بديربورن- مجرد مقهى عادي يقدم حلويات الدوناتس، لكنه في الحقيقة يمثّل شاهداً على التحولات الاجتماعية والثقافية والديموغرافية التي غيّرت وجه ديربورن على مدى نصف قرن.
فالمتجر الذي تأسس في 1966 كان ولايزال وجهة لالتقاء وتجمع الكثيرين من سكان مدينة ديربورن، من مختلف الإثنيات والأديان والأعراق، الذين يقصدون المكان للاستمتاع بالدوناتس والقهوة، وتزجية الوقت وتجاذب أطراف الحديث، أو حتى الخوض في نقاشات سياسية ودينية عميقة، بحسب ما قال صاحب المتجر مارك بورادا، الذي أضاف في حديث مع «صدى الوطن»: يمكنك سماع الزبائن وهم يتحدثون حول مختلف المواضيع التي تتراوح بين القضايا الوطنية الهامة مثل حادث إطلاق النار الجماعي الأخير في مدينة لاس فيغاس.. وصولاً إلى تعليقاتهم على برنامج المسابقات الفني «ذا فويس».
التأسيس
كان والد مارك، آل بورادا قد أسس المتجر -الذي يفتح أبوابه على مدار الـ24 ساعة- قبل 51 عاماً. يعمل شرطياً في دائرة ديربورن، وخلال قضائه وقت الاستراحة مع شرطي زميل له في متجر «دانكن دوناتس»، استلهم الاثنان الفكرة، وباشرا بتأسيس «دوناتفيل» في شرق ديربورن.
وبحسب بورادا الابن، فقد كانت السنة الأولى صعبة للغاية حتى كاد الشريكان يعلنان إفلاسهما، إذ كان شارع فورد مغلقاً بالكامل بسبب أعمال التوسعة، مما أثر بشكل سلبي على مبيعات المحل، وللحد من المصاريف اضطرت والدة مارك للعمل في المحل، رغم كونها حاملاً به.
أضاف «كان والدي يعمل 8 ساعات كشرطي، وبعدها كان عليه العمل لـ8 ساعات أخرى في المحل، ثم يخلد للنوم لـ8 ساعات».
عندما افتتح الشرطيان المحل لم يكن لديهما أدنى فكرة عن عملية تحضير وخبز الدوناتس، مما اضطر بورادا الأب للانضمام إلى ندوة تعليمية لدى «ماستر دونات» لمدة أسبوعين، في ولاية ويسكونسن، ليعود منها بخبرة مكنته من إنجاح متجره الذي حافظ على ازدهاره على الرغم من التحولات الكبرى التي شهدتها ديربورن على مدار العقود الخمسة الماضية، لاسيما مع تدفق عشرات آلاف العرب الأميركيين للسكن والعمل في المدينة.
الجميع يحبون الدوناتس
ورغم انتشار محلات الحلويات العربية في مدينة ديربورن، إلا أنها لم تؤثر سلباً على «دوناتفيل»، بحسب ما أكد مارك الذي يتردد على الأفران العربية المنتشرة في ديربورن ويتبضع منها، مشيراً إلى أنه يحب الكثير من منتجاتها، و«لكنك لا تجد الدوناتس هناك».
وقال «تقريباً 80 بالمئة أو ربما 85 بالمئة من زبائني هم من العرب الأميركيين.. الجميع يحبون الدوناتس».
أضاف «في رمضان وبعد الإفطار.. يزدحم المكان بالزبائن العرب، وفي تلك الليالي نبيع كل ما لدينا».
وقال «لقد عاصر محلنا عشرة رؤساء للولايات المتحدة.. والناس يختلفون ويغضبون من هذا الرئيس أو ذاك.. لكن «دونانفيل» لا يهتم بشيء إلا بالدوناتس».
كما مر على «دوناتفيل» أربعة رؤساء لبلدية ديربورن هم أورفيل هابرد وجون أورايلي الأب ومايكل غايدو وجون أورايلي الابن.
وأكد بورادا على أن المحل لم يواجه قط مصاعب منذ انطلاقته، وقال «إن دوناتفيل، عبر العقود بسلاسة كما تمر السكين الحارة في قالب الزبدة»، مضيفاً «لا نهتم بالسياسة أو بالدين.. مع أن هذا النوع من المناقشات يجري هنا.. دوناتفيل لا يتبنى أية مواقف سياسية أو دينية.. إنه يتكيف مع الأوضاع ومع التحولات الديموغرافية التي تحدث في المدينة».
ترعرع مارك الذي خلف والده في إدارة المتجر وتخرج من ثانوية «ديربورن هاي» عام 1985. وكان قد بدأ العمل في متجر والده منذ كان في الـ13 من عمره، وفي عام 2000 تولى مسؤولية إدارة «دوناتفيل» خلفاً لوالده (86 عاماً) الذي كان قد تقاعد من وظيفته كشرطي في 1974.
وأشار بورادا إلى أن والده استوحى فكرة تصميم المحل من سلسلة فنادق «جونسون أوتيلز» الشهيرة، وما يزال البناء الأصلي قائماً، ولكن العام الماضي تم تجديد السقف.
زبائن أوفياء
الدكتور ليون إزاغوليان، وهو أرمني الأصل، من زبائن المحل القدامى، قال إنه يتردد على «دوناتفيل» منذ 1975، مشيراً إلى أنه في السابق لم يكن للمحل، الكثير من الزبائن العرب الأميركيين حيث كان معظم الزبائن من البولنديين والإيطاليين، لكن خلال السنوات العشر الأخيرة أصبح «دوناتفيل» مكاناً مقصوداً ومشهوراً في أوساط الجالية العربية.
أضاف إزاغوليان الذي يقطن حالياً في مدينة ديربورن هايتس أنه كان في الـ17 من عمره عندما بدأ بارتياد «دوناتفيل» لقضاء بعض الوقت وقراءة الجرائد وتبادل الحديث مع الزبائن حول مختلف المواضيع السياسية، المحلية والعالمية، إضافة إلى الأخبار العامة في مجتمع المدينة، وقال «إن قضاة محكمة ديربورن ورؤساء البلدية اعتادوا المجيء إلى هذا المكان».
بدوره، قال العربي الأميركي صالح عبدالله إنه من زبائن المحل منذ 15 عاماً ووصف منتجاته بـ«العظيمة»، وقال «إن دوناتفيل من أحسن الأماكن لتقضية الوقت في المدينة».
وأكد العربي الأميركي نصري حسين أنه يتردد على المحل منذ 20 عاماً لمرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وعزا تردده على «دوناتفيل» لـ«النوعية الجيدة للحلويات»، وقال «إن هذا المكان غدا جزءاً من مجتمعنا.. إنه جزء من ديربورن».
ولفت بورادا إلى إن زيادة الإقبال على «دوناتفيل» تختلف من وقت لآخر، مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان لا يتمكن -بسبب زيادة الإقبال- من إنتاج ما يكفي من الدوناتس، وقال «يستغرق صنع الدوناتس 10 ساعات ولكنك تبيعها في 10 ثوان».
Leave a Reply