واشنطن – سعيد عريقات
تمكن اللوبي الإسرائيلي النافذ في العاصمة الأميركية واشنطن (آيباك) من دفع وتوسيع مشروع قانون يحظر مقاطعة إسرائيل اقتصادياً، تم طرحه في بداية الدورة التشريعية الحالية في الكونغرس الأميركي (بشقيه النواب والشيوخ/S.720 وH.R.1697) يوم 5 أيلول (سبتمبر) الماضي، في خطوة وصفها «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» ACLU بأنها انتهاكاً للتعديل الأول في الدستور الأميركي الذي يضمن «حرية التعبير».
ويدعي «آيباك» أن مشروع القانون هذا بات قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى إقراره، وأن يصبح سارياً وملزماً، بفضل جهود «آيباك» لمكافحة حملة «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات» BDS.
وتمكن اللوبي الإسرائيلي «آيباك» من حشد تحركات لـ«تجريم مقاطعة إسرائيل» ليس فقط على مستوى الكونغرس الأميركي، بل أيضا على مستويات مجالس النواب والشيوخ في الولايات الأميركية المختلفة (بما فيها ميشيغن)، وحتى على مستوى المجالس البلدية في المدن الأميركية المختلفة، خاصة في المناطق المنكوبة بسبب الاعاصير التي تعرضت لها الشهر الماضي مثل إعصار «هارفي»، الذي دمر مساحات واسعة في ولاية تكساس، وإعصار «إيرما» الذي دمر مساحات واسعة في ولاية فلوريدا، حيث ربط المشرعون المحليون الذين يعتمدون على دعم «أيباك» المالي والتنظيمي، جهود إعادة الإعمار بقضية مقاطعة إسرائيل.
وتدعي «اللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة» (آيباك) في أدبياتها، أن الحجج التي تفيد بأن التشريع ينتهك حقوق التعديل الأول في الدستور الأميركي «غير صحيحة، وأنه ليس في مشروع القانون (الذي تدفع لإقراره) ما يُقيد حرية التعبير المحمية دستورياً، كما أن الافراد والشركات (الأميركية) ستظل حرة تماماً في انتقاد إسرائيل أو مقاطعة ذلك بمحض إرادتهم»، علماً أن فعل ذلك (بحسب القانون المقترح) سيجلب غرامات طائلة وربما السجن.
وتبرر «آيباك» في لقاءاتها المختلفة التي تنظمها أو تشارك فيها على المستوى الوطني والمحلي الأميركي أنه «ليس في هذا القانون ما يقيد حرية التعبير المحمي دستورياً، وأن مشروع القانون لا ينظم إلا السلوك التجاري الذي يُقصد به الامتثال لبنود المقاطعة الأجنبية غير المأذون بها أو دعمها، والذي أيدته المحاكم الأميركية بشكل روتيني انسجاماً مع القوانين الفدرالية التي تقيد التجارة التي تتعارض مع مصالح السياسة الخارجية الأميركية».
وفي آخر دليل صارخ على «فعالية تحركات اللوبي الإسرائيلي» فقد بدأت مدينة ديكنسون بولاية تكساس (جنوب شرقي مدينة هيوستن) في مطالبة مقدمي طلبات المساعدة المالية من الأهالي لإعادة البناء في المناطق التي دمرها إعصار هارفي «التعهد خطياً بأنهم لن يشاركوا في مقاطعة إسرائيل»، كشرط للحصول على المساعدات، بحسب بيان «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» الذي حصل على نسخ تتضمن الاشتراطات المطلوبة والتي تعتبر انتهاكا لحقوق حرية التعبير.
حرية التعبير
وعلى الرغم من أن مشروع القانون لا يمس بمسألة حرية التعبير بصراحة، قال المدير القانوني لـ«الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» ACLU في ولاية تكساس أندريه سيغورا، إن «التعديل الأول يحمي حق الأميركيين في المقاطعة، ولا يحق للحكومة (المحلية أو للولاية أو الفدرالية) أن تشترط على ضحايا الإعصار ربط المساعدات العامة المقدمة لهم بالالتزام في الامتناع عن التعبير السياسي المحمي دستورياً، بقضية مثل مقاطعة إسرائيل».
وأضاف أن «شرط ديكنسون هو انتهاك فاضح للتعديل الأول في الدستور الأميركي، ويذكرنا بقسم الولاء في عصر ماكارثي (خمسينات القرن الماضي) الذي كان يتطلب من الأميركيين التنصل من العضوية في الحزب الشيوعي وغيرها من أشكال النشاط التي اعتبرت «تخريبية»، آنذاك».
ويقول الموقع الإلكتروني لمدينة ديكنسون انه «يقبل طلبات من الأفراد والشركات للحصول على منح من أموال تبرعت بها لإغاثة المتضررين من الأعاصير».
ويحدد طلب الحصول على المساعدة أنه «من خلال التوقيع عليه فلا بد من أن يوثق مقدم الطلب من أنه: (1) لا يقاطع إسرائيل، و(2) لن يقاطع إسرائيل خلال مدة هذه الاتفاقية».
وقالت بلدية ديكسون إن صندوق الإنعاش، الذي تموله أساساً البلدية، متاح فقط للمتقدمين الذين يتم التحقق من أنهم «لن يقاطعوا إسرائيل خلال فترة [هذا الاتفاق]». وقد أثار ذلك الشرط احتجاج وغضب سكان البلدة على إسرائيل إذ أن الكثير منهم لا يعرف ما هي الـ BDS وما علاقة مقاطعة إسرائيل بإنقاذهم من الوضع الصعب الذي يعيشونه من جراء إعصار «هارفي».
وكانت بلدة ديكنسون واحدة من أكثر المناطق تضرراً من إعصار هارفي حيث تضرر أكثر من 7300 منزل وتشرد حوالي ثمانية آلاف من السكان.
ويبدو أن بلدية ديكنسون تنفذ قانون ولاية تكساس الذي تم إصداره مؤخراً والذي «يتطلب من جميع المقاولين في الدولة أن يشهدوا بأنهم لا يشاركون في مقاطعة إسرائيل».
ويذكر أن عشرين ولاية أميركية أخرى قد سنت تشريعات مماثلة في هذا الصدد.
وفي الوقت الذي لا يتخذ فيه «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» موقفاً بشأن مقاطعة بلدان أجنبية، إلا أن المنظمة أيدت منذ فترة طويلة حق المشاركة في المقاطعات السياسية، وأعربت عن معارضتها للقوانين والمشاريع التي تنتهك حق المقاطعة.
وقضت المحكمة العليا منذ عقود بأن المقاطعات السياسية التي يحميها التعديل الأول، وقرارات أخرى تثبت أنه لا يحق للحكومة أن تشترط على الأفراد التوقيع على شهادات تتعلق بتعبيرهم السياسي من أجل الحصول على عمل أو عقود أو مزايا أخرى.
يشار إلى أن «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» رفع في 11 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري دعوى قضائية فدرالية في ولاية كانساس، نيابة عن مدرس رياضيات في المدرسة الثانوية، طلبت منه حكومة الولاية التوقيع على وثيقة بأنه لا ولن يقاطع إسرائيل إذا كان يرغب بالمشاركة في برنامج لتدريب المعلمين.
يشار إلى أن «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» وجه في تموز الماضي رسالة إلى أعضاء الكونغرس، حثهم فيها على أن يعارضوا مشروع القانون من شأنه أن يجرم تأييد المقاطعة للشركات التجارية في إسرائيل وتلك التي تعمل في المستوطنات والأراضي الفلسطينية المحتلة.
Leave a Reply