بلغت أزمة النزوح السوري في لبنان مستوى «التهديد الوجودي» الذي لم يعد يسمح بالمضي في ترف الخلاف بين قوى السلطة على وسائل المعالجة، بينما الأرقام الصادمة والمؤشرات السلبية آخذة في التفاقم، يوماً بعد يوم، إلى حد أن وزير الاقتصاد كشف عن أن كلفة النزوح على لبنان بلغت بين 2011 و2017 حوالي 18 مليار دولار.
والغريب، ألا تكون الحكومة قد عقدت لغاية الآن جلسة واحدة مخصصة لملف النازحين حصراً، على الرغم من خطورته التي يقر بها الجميع.
والحاجة الملحة إلى إيجاد حل، ولو متدرج، لهذه الازمة ليست فقط مصلحة لبنانية، بل هي أيضا مصلحة للنازحين السوريين الذي دفعوا ثمن الحرب على وطنهم مرتين. مرة عندما جرى اقتلاعهم من أرضهم، ومرة أخرى عندما أقاموا في مخيمات مكتظة وسط ظروف إنسانية ومعيشية صعبة.
بهذا المعنى، فان الإسراع في إنهاء معاناة النازحين يشكل ضرورة لبنانية وسورية على حد سواء، وبالتالي ليس صحيحاً أن الدفع في اتجاه عودتهم موجه ضدهم. العكس هو الصحيح تماماً، إذ أن استمرار وجودهم على هذا النحو في لبنان، يبقيهم ورقة سياسية تٌستخدم للضغط أو الابتزاز.
ومع تضخم ملف النازحين، يؤكد البعض أنه نبتت على ضفافه مظاهر فساد، سواء على مستوى سلوك بعض موظفي الأمم المتحدة في بيروت، أو على صعيد «تفقيس» جمعيات إنسانية وهمية يديرها منتفعون وتجار شعارات، أو لجهة تعمد عدد من السوريين انتحال صفة لاجئ بهدف الحصول على مساعدات.
«التيار الوطني الحر»
وتقول منسقة لجنة النازحين في «التيار الوطني الحر» علا بطرس لـ«صدى الوطن» أن هناك تقاعساً رسمياً في تحديد آليات ضبط اعداد النازحين وإعادتهم، مشيرة إلى أن الحكومة مدعوة لأن تؤدي واجباتها قبل أن تطالب المجتمع الدولي بمساعدتها، إذ لا توجد سياسة واضحة أو آلية محددة للتدرج في إعادة النازحين.
وتلفت الانتباه إلى انه لم تُسجل أية سابقة في التاريخ تفيد بان الأمم المتحدة ساهمت في عودة نازحين إلى دولة هُجروا منها.
وتنبه إلى أن الاقتصاد اللبناني ريعي وغير منتج، الأمر الذي يضاعف أعباء النزوح عليه، ملاحظة أن الدول المانحة تحاول التعويض عن النقص في تقديم المساعدات المالية بالدعوة إلى دمج النازحين في المجتمعات المضيفة وصولاً إلى تجنسيهم في نهاية المطاف، متوقفة عند تقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2016 والذي يطالب بوضع سياسات وطنية لدمج اللاجئين ودعم العودة الطوعية.
مستشار الحريري
في المقابل، يقول مستشار رئيس الحكومة لشؤون النازحين الدكتور نديم الملا لـ«صدى الوطن» إن إلقاء كل تبعات الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية على النازحين السوريين ليس منصفاً، إذ أصلاً، توجد أزمات بطالة وكهرباء ومياه وسير في لبنان، ثم أتى العدد الكبير من النازحين ليؤدي إلى تفاقمها.
ويوضح أن عدد النازحين المسجلين رسمياً في لوائح الأمم المتحدة هو مليون و300 ألف، قبل أن ينخفض مؤخراً إلى مليون و100 ألف، وهناك نسبة من منتحلي صفة النازح، إضافة إلى فئة من السوريين الذين كانوا موجودين قبل الأزمة كالعمال، وهذه الفئة وضعها سليم.
وينفي وجود فساد وهدر في هذا الملف، وإذا وُجدت بعض الحالات الاستثنائية التي لا تنطبق عليها المعايير المطلوبة فهي تظل ضمن المعدل الطبيعي قياساً إلى الحجم الضخم للنازحين، وليس صحيحاً أن هناك جمعيات انسانية وهمية تستغل أوضاع النازحين لتحقيق منافع خاصة، بل أن الجمعيات الأهلية التي تتعاون مع الأمم المتحدة لمساعدة النازحين تؤمن الكثير من فرص العمل للبنانيين.
ويشير الملا إلى أن المجتمع الدولي يساعد لبنان عبر الأمم المتحدة من خلال تقديم مساعدات إغاثية وإنسانية للنازحين وتخصيص المجتمعات المضيفة بمشاريع إنمائية وتحفيزية، لافتاً الانتباه إلى أن كل نازح مسجل حصل على بطاقة أو credit cart يجري تعبئتها شهرياً بمبلغ 27 دولاراً تُستخدم في 500 نقطة بيع معتمدة في لبنان، لشراء الاحتياجات اليومية (طعام، شراب).
وفي المجال التربوي، يفيد بأن النازحين يستخدمون 300 مدرسة رسمية من أصل 1300 موجودة في لبنان، وتنال وزارة التربية قرابة 380 دولاراً عن الطالب الواحد الذي يدرس في دوام قبل الظهر، و600 دولار عن الطالب الواحد الذي يدرس في دوام بعد الظهر، على أن توظف المبالغ في تطوير مرافق المدارس المستخدمة والمناهج التربوية.
ويلفت الملا الانتباه إلى أن هناك شروطاً يجب أن تُستوفى وفق مقتضيات القانون الدولي قبل المباشرة في إعادة النازحين، ومن بينها على سبيل المثال إلغاء القرارت المتخذة بمصادرة أملاك عدد من السوريين الذين صنفهم النظام في خانة الإرهابيين، وتأمين سلامة النازحين الذين يجب أن يحصلوا على ضمانات كافية بعدم سجنهم أو تجنيدهم إذا عادوا، مشدداً على عدم القبول بالعودة القسرية.
ويوضح أن الأمم المتحدة تسأل النازحين دوريا عما إذا كانوا يرغبون في العودة فتأتيها الاجابات بـ«نعم»، إنما حين يجري سؤالهم عما إذا كانوا يشعرون بأن هناك أماناً كافياً يسمح لهم بالعودة، تأتي الإجابات بـ«لا».
ويعتبر أن الحل الجذري لمشكلة النازحين يكمن في عقد مؤتمر دولي، يُفترض أن تحضره جميع الأطراف السورية المعنية والدول المضيفة برعاية دولية.
ويشير إلى أنه حتى ذلك الحين، ينبغي اعتماد تدابير لتخفيف أعباء هذه القضية، من نوع:
– تحديد السوريين الذين «يزعبرون» ويدّعون أنهم نازحون وصولاً إلى سحب بطاقة النزوح منهم وشطبهم من لائحة المساعدات الدولية وإلزامهم بالعودة.
– التشدد في تطبيق القوانين بحيث يُمنع النازح من مزاولة أي عمل محظور عليه بموجب قانون العمل اللبناني.
– تسجيل الولادات حتى لا تنشأ فئة من مكتومي القيد قد تطالب لاحقاً بالجنسية اللبنانية.
– تقديم التسهيلات لكل راغب في العودة الطوعية، خصوصاً بالنسبة إلى الموالين للنظام.
وينفي الملا أن يكون «تيار المستقبل» وحليفه السعودي يتعاطيان مع ملف النازحين باعتباره ورقة سياسية أو «احتياط استراتيجي» للضغط على دمشق و«حزب الله» ولتحقيق نوع من التوازن معهما.
Leave a Reply