أعيش في أميركا منذ ما قبل هجمات نيويورك الإرهابية بكم سنة، ومن ثم فإن الكثيرين من الأصدقاء والمعارف المقيمين في وطني الأم لبنان يحسبون أني أعيش في نعيم مقيم، بل وأن لي حصة من المنح الفدرالية وأموال دافعي الضرائب، أتصرف بها على مزاجي في الفخفخة والمضاربة.
بالتأكيد إن عملي وعمل عائلتي في هذا البلد منحني مستوىً معيشياً لم أكن أحلم به لأولادي بالمقارنة عما كان في لبنان. ولكنني مثل كل العمال في العالم، لا أملك ترف اتخاذ قرار بترك العمل والاستمتاع بـ«التقاعد» قريباً وسأبقى أعمل حتى أبلغ من العمر عتيا أو حتى يصلني إنذار: مع السلامة، لسنا بحاجة لخدماتكِ بعد الآن!
وتحسباً لمثل تلك المفاجآت غير السارة، استطعت الحصول على عدة شهادات في حسن السلوك إلى جانب خبرة عملية بطريقة لكل حادث حديث، فلو طُردت من هذا العمل، يبقى عندي أملٌ في إيجاد عمل آخر، يعني باختصار لو مدَّ الله في عمري، سأبقى أعمل حتى أسمع في الأخبار أن لبنان قدَّم قرضاً لليابان!
بالمقابل أنا «نِفسيى و«منى عيني» أن أتقاعد وأنال حريتي، كي أتصرف بوقتي كيفما أشاء.
جمعت كتباً كثيرة وخزنتها وأتمنى لو أملك الوقت لقراءتها. والأعمال الإنسانية أتمنى أن أقوم بها، مثل التطوع لمساعدة المسنين والاستماع لشكاواهم، أو الالتقاء بالشباب وزيارة الأحبة أينما كانوا، أو زيارة الوطن الأم بعد سنين عديدة من الغياب والإغتراب.
حسدت الأميركية جين ماري دويل، عمرها الآن 55 سنة، وقد تركت المدرسة في سن 17 عاماً لتعمل في أحد المطاعم السريعة ولكنها سرعان ما قالت لنفسها Enough is Enough «خلص يعني خلص» العمر مش بعزقة. فما حاجتها للعمل والحكومة الأميركية تعطيها حوالي 750 دولار شهرياً، وقد سبق للسيدة دويل أن ظهرت في برامج تلفزيونية لتجيب على التساؤلات حول بقائها عاطلة عن العمل لنحو 41 سنة؟ وطبعاً كان ردُّها منطقياً: العمل مرهق ويبدِّد القوى ويسبب الضغط النفسي والحوادث على الطرقات، ولا يعمل سوى الأغبياء.
عن جد هذا رد مقنع على مقاس العديد من العربان هنا. والعجيب في الموضوع أنها تتقاضى أجراً عن كل مشاركة إعلامية، والذي يزيد في التعجب أن السيدة دويل كسولة على مستوى حتى الاحترام. كيف؟ عندها مدير أعمال، يتسوق لها ويوصل إليها وجبات الطعام الجاهزة، ويحجز لها تذاكر الطائرات ويحمل جزدانها ويجيب على رسائل معجبيها.
وهناك في كندا المجاورة جمعية للكسالى تشجِّع أعضاءها على تقليد الدببة، خاصة القطبية التي تنام في الشتاء حوالي ستة أشهر، وتصحو على أقل من مهلها، وتذهب إلى حيث تتوافر أسماك السلمون فتصطادها بجهد بسيط.
لا تتعجب أيها القارئ العزيز وأرجو المعذرة إذا أبديت إعجابي بإنسانة تعيش على المساعدات الاجتماعية، فأنا أعمل بالناب والظفر ودائماً ما أقع في كمين الضرائب والتأمينات بمسميات عجيبة ودفعات شهرية لا تنتهي، ثمن الهواء والماء والطرقات غير الحسنة، إضافة إلى داء الغربة المزمن الذي سببه وطنٌ لا يريدني أن أرجع إليه يوماً!
Leave a Reply