الملوك في لبنان ليسوا ملوك طوائف وميليشيات فقط، هناك «ملك العصير» و«ملك الفلافل» و«ملك الجلاب» و«ملك البطاطا» و«ملك البطيخ».. والممالك في لبنان تقاس بالبلوكات مثل «مملكة بيروت الغربية» و«مملكة الشرقية» و«مملكة الضاحية» و«مملكة حي السلُّم» ولا بأس بذكر حكاية مملكة «شبعا» الجنوبية.
ولتنشيط ذاكرة القارئ الجغرافية، شبعا قرية صغيرة تقع على مثلث الحدود اللبنانية السورية الفلسطينية، وعلى ارتفاع 1450 متراً عن سطح البحر، يسكن بها راعي غنم دخل التاريخ من أوسع أبوابه، عندما قرَّر أن يعلنها مملكة مستقلَّة ذات سيادة.
كان بالقرية بركة صغيرة قال إنها تصلح كمنفذ بحري، وكان هناك مرج واسع فقال: «نعملها مطار»، ثم وقف بطريقة الملوك أمام الرعيَّة مخاطباً: «لا بد أن نثير القضيّة على الصديع العالي» (يقصد أعلى الصعد) مكملاً كلامه «لتوصيلها للبروران» (يقصد البرلمان). ثم أنشد: ديغول خبِّر دولتك باريس، مربط خيلنا ومختارنا عبد الصمد. فصارت حكايته مثلاً وصارت مملكته نكتة يتداولها شباب وشيب الضيعة!
على رأس مملكة جنوب لبنان الآن، الملك نبيه برِّي بلا منازع. تطالعك صوره بالحجم «الأكسترا لارج» في كل شوارع وزقاق في المدن والقرى، هذا عدا الشعارات والمقولات التي تصلِّي وتغنِّي لمجده العالي. أحد الصحافيين الظرفاء قال مرة: إن زعيماً عربياً أخبره ذات يوم بعجزه عن إيجاد شعارات جديدة حتى «يطعمها» إلى شعبه. لكن من أين لدولته كل هذه الشعارات لإطعام جمهور بات يسبح بحمده والذي كما قال أحدهم: لولا الهاء في آخر إسمه لطوَّبوه «نبيّاً».
لا أحد ينكر ذكاء وفطنة الرئيس نبيه برِّي. ولكن كيف يرضى أن تعلَّق صوره على كل شارع وحارة ودار؟ في زمن غابر، كانت الصور العملاقة للرئيس الراحل حافظ الأسد مكتوبٌ تحتها «قائدنا إلى الأبد الرئيس حافظ الأسد». لم يجرؤ أحد أن يسأل حينها: كيف يكون قائداً إلى الأبد، ألا ينتهي عمره مثل سائر البشر؟
لفت انتباهي وابتسامتي أيضاً خبرٌ في مجلة لبنانية عن حفلة غنائية حضرها في «كازينو بيسين عاليه»، ذلك المصيف الجميل أيام المد الثوري والزمن الناصري و«نفط العرب للعرب»، العديد من كبار القوم وزعماء ذلك الوقت، وغنَّت المطربة نجاح سلام أغنية يقول مطلعها: عبد الناصر شو بدُّو؟ بدُّو الوحدة العربية، ومستر آيدن شو بدُّو؟ بدُّو صرماية تهدُّو! ومستر «آيدن» –للقارئ العارف– هو رئيس وزراء بريطانيا الذي شاركت بلاده مع فرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.
ولكن ما الذي يريده الملك نبيه برِّي؟
مبروك للأستاذ عيد جلوسه الخامس والعشرين ومبروك لرعايا مملكته في مشارق الأرض ومغاربها، فالحفلات على قدم وساق، وبهذه المناسبة، نستذكر قول أحدهم: قيل لي إن فلاناً أصيب بالمرض، فقلت شفاه الله. وقيل أصيب بالغرور، فقلت رحمه الله.
Leave a Reply