خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت موعد الانتخابات البلدية العامة أُشيعت اتهامات علنية لـ«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) تصفها بالفساد من دون تقديم أية وثائق أو أدلة تؤكد تلك المزاعم، العارية عن الصحة جملة وتفصيلاً.
وبغض النظر عن المعنى القانوني لهذا المصطلح، فإن القاموس يعرّف معنى «الفساد» بأنه ذنب ارتكاب ممارسات غير شريفة، مثل الرشوة، ونقص النزاهة، والتصرف بأساليب ملتوية، وإذا ما دققنا النظر، وأجرينا مقارنة موضوعية بين تاريخ «أيباك» وسلوكيات منتقديها في هذا الموسم الانتخابي، لعرفنا ببساطة من هم الفاسدون، ومن هم الذين يكرسون جهودهم وأوقاتهم لخدمة المجتمع وضمان مستقبل زاهر لأبنائه.
لقد تأسست «أيباك» قبل 20 عاماً من قبل ناشطين عرب أميركيين في ديربورن كانوا محبطين من الواقع السياسي في المدينة وغياب العمل الجماعي العربي، ولكنهم امتلكوا عزيمة العمل وإرادة التغيير، فبادروا إلى تشكيل لجنة سياسية مستقلة، مطابقة للقوانين والضوابط الصارمة التي تحكم تمويل الحملات الانتخابية وجمع التبرعات لدعم المرشحين.
وعبر العقدين الماضيين، تمسكت «أيباك» باحترام القوانين الانتخابية محافظةً على هويتها واستقلاليتها السياسية، ومقدمة كل البيانات والوثائق المطلوبة لبيان إيراداتها ومصاريفها المالية، بحسب ما تقتضي القوانين، وفي الوقت المحدد. وجميع تلك البيانات محفوظة ومتوفرة على الانترنت، ويمكن لأي شخص الاطلاع عليها ومراجعتها، عبر الرابط الالكتروني لـ«هيئة الانتخابات الفدرالية والمحلية».
لم تحاول «أيباك» مطلقاً التحايل على القوانين ولم تعمد أبداً إلى إخفاء هويات مانحيها من خلال تقديم وثائق متأخرة أو غير مكتملة. ولعلم القراء، فإنه يتم احتساب كل سنت يدخل إلى حساب اللجنة أو يخرج منها، كما يتم الاحتفاظ بجميع النشرات، ومساهمات المرشحين، واعتماد هذه النزاهة والحرفية هو السبب الأساس في استمرار عمل اللجنة خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى انضباط أعضائها وتصميمهم على إدماج العرب الأميركيين في الحياة العامة، لضمان حقوقهم ومستقبل أبنائهم.
في 2014، تأسست لجنة سياسية جديدة في ديربورن، حملت اسم «اللجنة العربية والإسلامية للعمل السياسي» (أمباك)، وقد قام رئيسها مؤخراً –مراراً وتكراراً– باتهام «أيباك» بالفساد. ومن حقنا التساؤل في هذا السياق، أنه إذا كانت «أيباك» منظمة فاسدة، فلماذا اختار مؤسسو «أمباك» اسماً شبيهاً ووظيفة شبيهة بمنظمة فاسدة كما يدعون؟ يقول المثل الدارج: «التقليد هو شكل من أشكال الإطراء»، وهذا يعني أن اتهامات «أيباك» بالفساد تدل على فشلهم بتحقيق ولو جزء قليل من النجاح الذي حققته.
وكما هو الحال مع «أيباك»، فعلى «أمباك» تقديم بياناتها المالية للسلطات المختصة، ولكن لسوء الحظ، لا يمكن لأحد التحقق من طبيعة التمويل الذي تتلقاه «أمباك» لأنها وبكل بساطة لا تتقدم بتلك البيانات. في الواقع هم يتقدمون –في كل مرة– بـ«وايفر» (طلب إعفاء)، ما يعني أن ميزانيتهم من التمويل والإنفاق لا تزيد عن ألف دولار، وهذا الادعاء تكذبه الوقائع.
في السنوات الثلاث الأخيرة، ادعى مسؤولو «أمباك» أنهم لم يتلقوا، ولم يصرفوا، الحد الأدنى من الأموال التي توجب عليهم تقديم بيانات رسمية للسلطات المختصة، وإذا كان الأمر كذلك فعلاً، فيجب عليهم، ومن باب النزاهة التي يدعونها، أن يطلعوا الناس على مصادر تمويلهم، وأين يصرفون تلك الأموال، ولكنهم لا يفعلون أي شيء من ذلك، لأنهم منشغلون طوال الوقت، بتلفيق الأكاذيب والافتراءات ضد «أيباك»، بدل التواصل والحوار معها، طالما أن «أيباك» و«أمباك» منظمتان شقيقتان تهدفان إلى تعزيز دور العرب الأميركيين في المدن التي يشكلون فيها كثافة وازنة.
لم تقتصر الافتراءات على أيباك هذه المرة على «أمباك» وحدها، فالمرشحة لمنصب «سيتي كليرك» ديربورن نفيلة حيدر، لم تفوت فرصة خلال حملتها الانتخابية وإلا واستغلتها لتشويه سمعة «أيباك» باتهامها بالفساد، وكأنها لم تسمع بالمثل القائل «الذي بيته من زجاج عليه أن لا يرمي الناس بالحجارة»!
ومن المفارقة أن نفيلة التي منيت بخسارة ساحقة الثلاثاء الماضي أمام جورج ديراني. كان عليها –كما على اللجان السياسية– أن تقدم بيانات تمويل حملتها، وهذا إجراء لا بد أن تعرفه باعتبار أنها مرشحة لمنصب يتولى مسؤولية حفظ هذه البيانات في الانتخابات المحلية، عدا عن أن نفيلة سبق لها وأن ترشحت لمناصب أخرى من دون جدوى، ورغم ذلك فشلت في تقديم البيانات المطلوبة منها.
إضاقة لذلك، تظهر البيانات الرسمية (التي حصلت «صدى الوطن» على نسخ منها من الجهات المختصة) أنه تم حتى الآن تغريمها بمبلغ ألف دولار لعدم تقديم بياناتها في الوقت المحدد. ليس هذا فقط، بل إنها ادعت أنها لم تتلقَ سنتاً واحداً منذ الانتخابات التمهيدية في آب (أغسطس) الماضي، رغم إقامة العديد من الفعاليات لجمع التبرعات لحملتها الانتخابية التي أُنفق عليها بسخاء. ولعلها أرادات في ادعائها هذا أن تتهرب من الغرامات الإضافية، متبعة ألاعيب مرشدها السياسي وزوجها الجديد، حسين بري الذي فرضت عليه غرامات بعدة آلاف من الدولارات لعدم تقديمه البيانات المطلوبة للكشف عن مصادر تمويل حملاته الانتخابية على مر السنين الماضية!
إن هذه التصرفات تدل في أحسن الأحوال على انعدام النزاهة، وهذه صفة غير مقبولة في شخص يطمح بتولي منصب رسمي ونيل ثقة الناس. وكان الأحرى بنفيلة أن تقدم بيانات حقيقية وتدفع فواتير حملتها بدلاً من التهجم على «أيباك» والافتراء عليها من دون وجه حق.
وبعد الحديث عن النزاهة والفساد، لا بد أن نأتي إلى المحاسبة، ولكن للأسف، يبدو أن الحقائق لم تعد كافية في المعترك السياسي هذه الأيام، والسبيل الوحيد لإعادة الاعتبار إلى الحقيقة، هو في تبنّي الناخبين محاسبة من يمنحونهم أصواتهم وثقتهم، بدلاً من الانجرار وراء الإشاعات والأقاويل التي «ليس عليها جمرك»، والاستناد إلى الوقائع والأدلة في اتخاذ قرارتهم ومواقفهم.
Leave a Reply