لعل الحدث الأخطر الذي يتداعى اليوم في العالم العربي المبتلى بأخسّ أنظمة عربية يحكمها قطَّاع طرق، ليس اختطاف بن سلمان لرئيس حكومة لبنان واحتجاز حريته ونقله كسلعة من مكان إلى مكان وعرضه كبضاعة للبيع في سوق بنت جبيل مثلاً، بل في جمود الشارع العربي أو القوى الوطنية والأحزاب المسماة تقدمية إزاء التواطؤ السعودي الوقح والعلني وفي وضح النهار مع العدو الإسرائيلي، الذي مازال رسمياً عدواً محتلاً لفلسطين والأراضي العربية الأخرى!
فبنو سعود، الذين هم إجمالاً جبناء ويتعاملون بالتورية والسرية عادةً ويحاربون بسلاح غيرهم، لم يفكروا مجرَّد تفكير بأن ينفوا الأخبار التي فاضت في العالم عن حلفهم المصيري المشترَك مع عدو العرب والمسلمين والمسيحيين، وهم في حياتهم على أي حال لم يقدموا شيئاً لقضية العرب الأولى، بل لم يروا سبباً في كشف حقيقة توسلهم لتل أبيب وعرضهم عليها المليارات ووضع خطط عسكرية مشتركة معها لضرب مواقع المقاومة في لبنان. ولم يجد آل سعود أنفسهم مضطرين لكي ينكروا حتى زيارة بن سلمان السرية إلى تل أبيب للتخطيط معاً ضد محور المقاومة، أو دحض ما كشفته «الأخبار» عن المذكرة السرية لعادل الجبير لولي نعمته حول التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل. تصوروا لو حدث ربع هذا التآمر في زمن الزعيم عبد الناصر، الذي راجت من جديد فيديوهات خطبه على السوشال ميديا و«الواتساب» متحدثةً عن «ثورة اليمن هي ثورتنا» و«هيستيريا ملك السعودية» ورأي عبد الناصر بعرشي السعودية والأُردن، فماذا سيكون موقفه اليوم؟
ففي عصر شراء الذمم والنفوس والأقلام والضمائر من قبل بني سعود وأخواتهم، لم تعد عبارة «التحالف الاستراتيجي» بين الرياض وتل أبيب تعني شيئاً للمواطن العربي الذي سُلِبَ إرادته وأضحى مشغولاً بلقمة عيشه! حتى من قبل من هم مُفترَض أنهم أصحاب القضية مثل محمود عبَّاس، حيث طلب منه بنو سعود الساخطون على الوحدة مع «حماس» أن يتخلى أكثر لإسرائيل عن حقوق فلسطين عن طريق القبول بخطة كوشنر، صهر ترامب، للسلام (أو الاستسلام، بالحقيقة) حتى تنتهي القضية ويتفرغ بن سلمان ومعلِّمه للمعركة ضد إيران، وعباس على كل حال «من دون دف بيرقص» أمام التنازلات! من يصدق أن قيادة الشعب الفلسطيني باتت اليوم تقتصر على تجار مثل عبَّاس ومشعل وآخر عميل علني للموساد؟
بل أكثر من ذلك، بينما الشارع العربي يغط في النوم كان بن سلمان ينوي القيام بضرب بنك أهداف للمقاومة في لبنان وتحريك المخيمات الفلسطينية ومخيمات اللاجئين السوريِّين لزعزعة الإستقرار ومحاربة إيران في لبنان والتعويض عن خسائره في سوريا والعراق واليمن والبحرين. وللأسف لم تسارع لنجدة لبنان إلا مصر وربَّما الكويت وأوروبا عامةً وبالأخص فرنسا التي نستبشر خيراً بوجود ماكرون على سُدَّة الاليزيه فيها لأنه بدأ بإلغاء تبعية فرنسا لبني سعود الذي اختطه سلفه «الملطوش» هولاند، متأملين أن يكمِّل استقلاليته بالإفراج عن الأسير اللبناني الحر جورج عبدالله.
بعض السياسيين استهجنوا كمية الكيد السعودي والحقد والإنتقام الهمجي ضد المقاومة مبررين ذلك بسبب تدخلها في سوريا والعراق ودعم الحوثيين ولكن المهم السؤال الذي طرحه اللواء جميل السيِّد هو أنَّه في عام 1982 لم يكن الحزب المقاوِم موجوداً بعد وفي غزو عام 2006 لم يكن يتدخل في سوريا. ولكن تآمر بني سعود السري كان هو نفسه اليوم، ممَّا يعني أن الحقد مذهبي تكفيري صهيوني وضد فكرة المقاومة كفكرة لأنها تعري نظام بني سعود وهم يحقدون على لبنان المقاوِم اليوم كما حقدوا على عبد الناصر بالأمس!
ويبدو من الصفقة الفرنسية–السعودية لإنزال بن سلمان عن المئذنة (أو الميدنة) والإفراج عن الحريري بشروط، قد تمت بسبب موقف لبنان القوي وبعد اقتناع الوهابيين بأن تل أبيب لن تخوض حرباً مفتوحة لأجلهم، عدا عن خطورة العدوان الوهَّابي الصهيوني على الكيانين المصطنعين نفسيهما في حال وقعت الواقعة، وبعد أن «أُعلِمَتْ» الرياض بوجود بنك أهداف مقابل للمقاومة في السعودية عدا عن قدرات الحشد الشعبي العظيم وهو الأقرب للحدود مع بني سعود. هذه الخيانة السعودية يجب أن تستتبع خطة موازية لمحور المقاومة ضد محور الشر الجديد! وقد فهمت مملكة «الدواعش» أن الصاروخ البالسيتي اليمني الذي زلزل كيانها وأطار صوابها، ما هو إلا قطرة ورسالة صغيرة فقط!
وإذا تحققت الصفقة الباريسية مع بن سلمان فهي تتطلب من سعدو مسؤوليات وواجبات مفروضة عليه، أولها إعلان امتنانه للرئيسين عون وبري والسيد حسن نصرالله والوزير باسيل الذين قد يكونون أنقذوه من الإعدام بعد «مجزرة الأمراء» والحديث عن تورطه مع بعضهم للإنقلاب على بن سلمان، وذلك بسبب موقفهم الرافض لاعتقاله وعدم قبول استقالته بهذا الشكل المهين في حين، كما قيل على ذمة الراوي، أن الذي سلَّمه هو أشرف ريفي وسمير جعجع. فإذا لم ينتقم الحريري من بني سعود بأن يقطع معهم لأن ليس لديه ما يخسره بعد أن جردوه من ماله واغتالوه معنوياً من خلال إهانته وتكبيله مخفوراً والتشنيع به وهدر كرامة وطنه لبنان. فإذا أصر على الإستقالة كما يدَّعي عقابه وبقي «متسعوِداً»، فسيكون بلا كرامة ولا حافظاً للجميل، وكما قال الشاعر الشابي ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحُفَر!
Leave a Reply