في ختام اجتماع مشحون بالعواطف والدموع استمر لأكثر من ثماني ساعات، أقرت الحكومة الطلابية في «جامعة ميشيغن» بمدينة آناربر منتصف الشهر الجاري، قراراً طال انتظاره بوقف استثمارات الجامعة مع الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
وحظي المقترح بأغلبية أصوات المجلس الطلابي بعد طرحه على التصويت السري حوالي الساعة الثالثة بعد منتصف ليل 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، حيث نجحت منظمة «طلاب متحالفون من أجل الحرية والمساواة» (سايف) بالحصول على العدد الكافي من الأصوات المؤيدة لمقترح وقف الاستثمار مع الشركات المتورطة بانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة، ومن ضمنها شركات «بوينغ»، و«هيويت–باكارد»، و«يونايتد تكنولوجيز».
ووصف داعمو القرار، الحدث، بأنه «لحظة تاريخية» في «جامعة ميشيغن»، بعد سنوات طويلة من النضال والمحاولات المتواصلة لاستصدار قرار مماثل، دون النجاح بالحصول على موافقة المجلس الطلابي.
وكان الاجتماع الحاشد قد افتتح عند الساعة ٧:٤٥ مساء الثلاثاء الماضي وتخلله العديد من المداخلات والمراجعات والبيانات المتعارضة، ليتم في نهايته إقرار المقترح بأغلبية 23 صوتاً مقابل 17، وامتناع خمسة أعضاء عن التصويت، وسط حضور كثيف للطلاب والناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية.
مخاوف طلابية
خلال فترة الاستماع إلى التعليقات، حذر طالب في كلية القانون من أنه «إذا تم تمرير القرار، فسيكون من المستحيل عملياً أن تتمكن الجامعة من القيام بالأعمال التجارية داخل مدينة آناربر أو خارجها»، بسبب عدم قانونية مقاطعة إسرائيل في ولاية ميشيغن.
من ناحيتها، أبدت الطالبة العربية الأميركية نادين جواد، نائبة رئيس الحكومة الطلابية، أسفها حيال «اعتقاد بعض المعارضين بأن القرار سوف يطالهم شخصياً كأفراد»، مشيرة إلى أنها كانت داعمة لمقترح المقاطعة الاستثمارية لإسرائيل منذ دخولها إلى الجامعة، مؤكدة أنها تعرضت خلال السنوات الماضية للتمييز بسبب موقفها، كما حصل مع طلاب آخرين تعرضوا لـ«ردود فعل انتقامية» بسبب دعمهم لهذا المقترح.
وأكدت جواد أنها كانت دائماً تخشى التعبير عن رأيها بسبب خشيتها من إدراج اسمها ضمن «القائمة السوداء» التي تصنف كل من يدعم قرار المقاطعة بأنه «إرهابي».
وفي مداخلة له، قال عضو الحكومة الطلابية في «جامعة ميشيغن–ديربورن» آري سبلمان، إنه «لا يمانع انتقاد إسرائيل»، و«لكن من غير المقبول الانتقاص من روابطه الدينية معها».
وأضاف أن قرار المجلس الطلابي في «جامعة ديربورن» العام الماضي بوقف الاستثمارات، جعله خائفاً من التعبير العلني عن دعمه لإسرائيل، باعتبار أنه «العضو اليهودي الوحيد» في مجلس طلاب جامعة ديربورن.
الرئيسة المشاركة في منظمة «سايف» الطلابية، الفلسطينية أندريا ساهوري، أشارت إلى أنه طلب منها أن تجري حواراً حول هذه القضية، مؤكدة أن منظمة «سايف» قد دأبت على تنظيم فعاليات تثقيفية في هذا الشأن، في كل فصل دراسي، وأضافت أنه «يوجد أعضاء يهود في مجموعتنا» مؤكدة بأن منظمتها «تحارب معاداة السامية».
وقد حاز القرار على دعم واسع من الطلاب العرب والسود.
تصويت سري
في القسم الأخير من الاجتماع، تحلّق واضعو نص القرار حول الميكروفون وأجابوا على أسئلة الجمهور.
وبعد نقاش مطوّل، تم التصويت على المقترح بشكل سري لضمان سلامة أعضاء «الحكومة الطلابية المركزية» (سي أس جي) وعدم تعرضهم لردود فعل انتقامية.
وأشار أحد المتحدثين إلى «قائمة سوداء» أنشأتها منظمة «كناري ميشن»، وهي منظمة تشهّر بالداعمين لقرار سحب الاستثمارات، أو حركة مقاطعة إسرائيل (BDS).
وخلال الأسبوع الذي سبق جلسة التصويت قامت منظمة «كناري ميشن» بالتشهير بالطلاب الناشطين في دعم المقاطعة الاستثمارية عبر نشر أسمائهم وصورهم على موقع المنظمة الالكتروني وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالرغم من أن التصويت قد تم عبر بطاقات الاقتراع السرية، غير أن صحيفة «ميشيغن دايلي» –وهي يومية طلابية تصدر عن «جامعة ميشيغن»– لم تنقطع عن تصوير جلسة التصويت وبث أحداثها مباشرة عبر الانترنت، بذريعة حقها بالتسجيل.
علماً بأن الصحيفة كانت في السنوات السابقة توقف بث وقائع التصويت، احتراماً لسرية الاقتراع.
وعند إعلان نتائج التصويت التي انتهت بتمرير القرار، ضجت القاعة بالهتاف والتصفيق الملتهب، فيما انهمرت دموع بعض الطلاب تأثراً.
ماذا بعد؟
وبانتظار عودة الطلاب من عطلة «عيد الشكر»، فإن الجدل حول القرار الجديد سوف يستمر، في حال تمنعت إدارة الجامعة عن تنفيذه.
وبناء على القرار، ستتقدم «الحكومة الطلابية المركزية» (سي أس جي) بالطلب رسمياً من مجلس حكام الجامعة بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ القرار.
وتقتضي السياسة الاستثمارية للجامعة، أن يقوم أعضاء مجلس الجامعة بتعيين لجان مختصة للتحقيق في الآثار الأخلاقية والمعنوية لاستثمارت الجامعة، والتي يجب أن تستوفي ثلاثة شروط:
– الأول، أن يكون قرار المقاطعة معبراً عن موقف واسع ومتسق ومستمر للمجتمع الجامعي.
– الثاني، أن يكون هناك سبب للاعتقاد بأن الاستثمارات –موضع التساؤل– قد تتعارض مع مهمة الجامعة وقيمها.
– الثالث، أن يكون هناك سبب للاعتقاد بأن المؤسسة أو الكيان أو الشركة (قيد المقاطعة) مسؤولة بشكل خاص عن المشاكل المشار إليها.
وفي مقال نشره موقع «أم لايف» الإخباري، الأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم «جامعة ميشيغن» ريك فيتزجيرالد إنه لا يرى تغييراً قادماً في النهج الذي سلكته الجامعة في الماضي للتحقيق في أخلاقيات استثمارات الجامعة، وأضاف «لا نتوقع تغييراً في النهج ولا تشكيل لجنة».
وأثار إصدار القرار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي لاسيما في أوساط المجتمع اليهودي بمدينة آناربر، حيث كتب الحاخام جوشوا آرونسون –وهو من خريجي «جامعة ميشيغن» داعياً إلى مقاطعة الجامعة بالقول: «أشعر بالحرج لكوني من خريجي الجامعة. إنه عار مطلق. أيها اليهود توقفوا عن الحضور، توقفوا عن العطاء، توقفوا عن المشاهدة، توقفوا عن اللبس، توقفوا عن الشراء».
Leave a Reply