تجاهل وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم الأخير في القاهرة واجباتهم المهملة منذ عقود حيال الشعب الفلسطيني وقضيته المشروعة، وغضوا الطرف عن حرب اليمن التي تُرتكب فيها الفظائع إلى حد التجويع.. فاختصروا كل الأزمات والتحديات بإيران و«حزب الله».
إنها «فوبيا المقاومة» التي تسيطر على غالبية الأنظمة العربية، وتدفعها إلى نوع من «الهلوسة السياسية»، كما حصل في الاجتماع الأخير لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، وما رافقه من أدبيات.
لم يتردد بعض العرب ممن تورطوا بدعم التنظيمات التكفيرية، في اتهام حزب الله بأنه إرهابي، متجاهلين حقيقة أنه هو الذي يقاتل الإرهاب بوجهيه الإسرائيلي والتكفيري. لقد تحولت الجامعة العربية إلى نعامة تغطي رأسها برمال الصحراء، وتحركها الهواجس المتضخمة وربما المفتعلة، بهدف التغطية على فضيحة التطبيع مع العدو الإسرائيلي بذريعة مواجهة الخطر المشترك: إيران والحزب.
يتغافل المهرولون وراء التطبيع عن أن نفوذ طهران ما كان ليتمدد في بعض ساحات المنطقة، لو لم يكن هناك أصلاً فراغ عربي مزمن، على مستوى دعم القضية الفلسطينية وحركات المقاومة، وهو الفراغ الذي بادرت إيران إلى ملئه عبر وقوفها إلى جانب المتصدين للاحتلال، وبالتالي فإن أسهل وصفة لإحراج طهران وسحب البساط من تحت قدميها، تكمن في أن تستعيد الأنظمة المتخاذلة والمتواطئة عروبتها الحقيقية الداعمة للحقوق الفلسطينية المشروعة، وأن تكون في الموقع الصحيح المتضامن مع الضحية لا مع الجلاد.
وبرغم الجرعات العدائية التي تضمنها البيان الختامي لمؤتمر وزراء الخارجية العرب ضد «حزب الله»، إلا أنه يمكن القول أن المعركة الدبلوماسية الناعمة التي خاضها لبنان الرسمي، أدت إلى احتواء اندفاعة البيان الذي كان سيذهب في اتجاهات أكثر تشدداً، خصوصاً لناحية تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية أعمال «حزب الله»، مع ما يرتبه ذلك من تداعيات على الدولة، لو لم تنجح الاتصالات التي قادها الرئيس نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل مع عدد كبير من وزراء الخارجية العرب في لجم حصان التصعيد السعودي، ولو نسبياً..
موقف بري
وأثناء اللقاء بين بري وأمين جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي زار بيروت مؤخراً، شرح رئيس المجلس موقفه، قائلاً له: مقدمة البيان الختامي كانت جيدة، يا ليتكم توقفتم عندها ولم تكملوا.. وذكّره بالقرارات الصادرة عن الجامعة العربية والتي تؤكد حق المقاومة في التحرير وتدعم لبنان في مقاومة إسرائيل، مشيراً إلى أن البيان بعنوان الحكومة اللبنانية غير موفق على الاطلاق، إن لم أقل يُسيء في ظرف التموج الحكومي الحاصل.
مقاطعة باسيل
أما باسيل، فقد تشاور مع عون وبري في الخيارات المحتملة للتعاطي مع اجتماع وزراء الخارجية العرب، واستقر الرأي على مقاطعة باسيل للاجتماع، علما أن وزير الخارجية نفسه لم يكن متحمساً للمشاركة، خصوصاً بعد «استعادة» الرئيس سعد الحريري.
وكان باسيل سيحضر اجتماع وزراء الخارجية العرب، لو لم يتم الإفراج عن الحريري، وهو كان سيصعّد لهجته، وسيطرح على بساط البحث كل ملابسات الإقامة القسرية لرئيس الحكومة في الرياض، حتى وإن ترتب على ذلك صداماً مباشراً مع السعودية في الجلسة.
لكن عودة رئيس الحكومة إلى حريته رجحت كفة امتناع وزير الخارجية عن الحضور، وتكليف السفير أنطوان عزام بتمثيل لبنان.
وقد استند خيار الوزير بالمقاطعة إلى الاعتبارات الأساسية الآتية:
– تفادي وقوع اشتباك عنيف مع الدول الخليجية المتشنجة، بغية حصر اضرار توتر العلاقات معها، لاسيما المملكة العربية السعودية، مع العلم أن باسيل كان عازماً على التصدي لكل موقف موجه ضد لبنان وحكومته، كما تجزم أوساطه.
– رغبة لبنان الرسمي في تجنب الانزلاق إلى صراع المحاور الإقليمية، والحؤول دون إعطاء الرياض فرصة أو ذريعة لتعطيل محاولة ترميم التسوية الداخلية.
– تخفيف الحرج عن رئيس الحكومة المثقل بالضغوط السعودية، قبل وقت قصير من عودته إلى بيروت، والسعي إلى إيجاد بيئة مناسبة لاعادة انتاج التفاهم معه.
– غياب عدد كبير من وزراء الخارجية (قطر، عُمان، تونس، الجزائر، العراق..)، ما أدى إلى انخفاض في الوزن السياسي للاجتماع وتراجع حوافز المشاركة فيه..
تحت هذا السقف، بدأ الاخذ والرد في كواليس الدبلوماسية، من بيروت إلى القاهرة، في ظل محاولات سعودية لفرض بيان ختامي متشدد جداً، يتجاوز ما صدر. وكانت احدى الصيغ تلحظ بنداً يفيد بأن «حزب الله» لا يجب أن يشارك في الحكومة اللبنانية. لكن تفهم عدد كبير من وزراء الخارجية العرب لما طرحه بري وباسيل في الاتصالات الجانبية حال دون إقرار هذا البند الذي جرى استبداله بعبارة «حزب الله الشريك في الحكومة اللبنانية»..
أما الفقرات المتعلقة بالاتهامات الموجهة إلى «حزب الله» فقد بقيت في البيان، علماً بأن مضمونها ليس جديداً، وسبق للجامعة العربية على أكثر من مستوى وزاري أن اعتمدتها، فيما أكد الجانب اللبناني في اعتراضه الرسمي عليها، «ان الحزب يمثل شريحة واسعة من اللبنانيين، وله كتلة نيابية ووزارية وازنة، ووصفه بأنه إرهابي لا ينطبق مع المعاهدات الدولية والمعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب».
Leave a Reply