من منكم سمِع أو ما زال يتذكر الجندي السوري البطل الشهيد يحيى الشغري؟ لمن لا يعرفه أنا سأعرفكم به. كان يحيى في معركة عام 2014 يقاتل سرباً من الجراد الوهَّابي الوحشي الظلامي فنفدت ذخيرته ثم وقع في الأسر هو ورفيقه فقتلوه أمام عينيه ولمَّا جاء دوره طلب منه الجلاد المجرم أن يقول إن دولة الدواعش باقية، فما كان منه إلاَّ أن أجاب بدون تردُّد ولا خوف «والله لنمحيها» وذلك قبل أن يُفرِغ السفاح رصاص حقده في صدر الشهيد الشغري.
هذه قصة واحدة من بين مئات قصص البطولة نستذكرها اليوم عشية الانتصار على الإرهاب التكفيري، الذي أنجزته سوريا عبر جنودها الأبطال الأشاوس حماة الديار وحلفائها في محور المقاومة من لبنان إلى العراق وحشده الشعبي وجيشه المباركين إلى اليمن العزيز الصابر الصامد إلى البحرين الشهيدة إلى إيران وروسيا الأبيتين.
لم يكن الشهيد يحيى يضرب بالرمل عندما تنبأ بزوال دولة الخرافة، وهذا ما أعلنه السيِّد حسن نصرالله بعد تحرير مدينة البوكمال، بل كان يستند إلى حقائق التاريخ وعزيمة أصحاب الحق ضد أشرس وأخطر وحوش كاسرة غزت بلادنا. الشهيد الشغري وغيره من أبطال سوريا والعراق ولبنان واليمن وشهداء البحرين والقطيف، كيوسف العظمة والسيد شرف الدين والثنائي حمزة وخنجر ومشيك وعبد الساتر وأهل بعلبك والهرمل وجبل الدروز وسلطان باشا الأطرش وسعيد فخر الدين وكل شهداء الحزب السوري القومي الإجتماعي، هم أبطال استقلالنا وعنوان كرامتنا لا غيرهم!
من هنا تكمن أهمية معركة البوكمال التي تضاهي معارك التاريخ الكبرى مثل حطين وستالينغراد ويجب أن تُدرَّس في المدارس لأنها أكملت عملية تصحيح التاريخ وأدت إلى زوال «دولة» الإرهاب الصهيو–وهابي والمتبقي منها مملكتهم وجامعتهم «العربية» ولكن مسيرة التصويب التاريخي ستبقى مستمرة حتى النصر النهائي. وبالرغم من أن ذاكرتنا قصيرة إجمالاً لكننا يجب أن لا ننسى أبد الدهر المجازر والمذابح التكفيرية التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من الشهداء وكلفت أكثر من 500 مليار دولار حتى الآن.
لا ندري ماذا حصل منذ سبع سنوات مع بدء عاصفة الخريف العربي، لتجتاح بلادنا في سوريا والعراق ولبنان قطعان الوهَّابية التكفيريَّة البغيضة لكن ربما هو القدر لكي نسحب الدم الوسخ من شرايين وطننا ونعيد صياغته من جديد ونجتث الشجرة الملعونة الخبيثة ونصنع الاستقلال الحقيقي، لا المزيَّف الذي لم يكتمل رغم رحيل المستعمِر.
وربما كان علينا أن ندفع هذه الجزية الضخمة من الدماء الزكية الطاهرة والأرواح الثمينة ضد شذاذ الآفاق، على مذبح الكرامة والسيادة والحرية والإرادة الحقيقية.
وبينما كانت أيدي محور المقاومة المباركة تنهي عصر الردَّة ودولة الخرافة في البوكمال، اجتمع مجلس وزراء جبَّانة الدول العربية لإدانة إطلاق صاروخ باليستي على مملكة بني سعود ووصف المقاومة بالإرهاب متجاهلين الحلف الجديد الصهيو–وهابي والمجازر البشرية السعودية ضد شعب اليمن وتدمير بلاده وحضارته وحتى المستشفيات والمساجد والمدارس كما تفعل إسرائيل في فلسطين.
لقد كنَّا نظن أن أنظمة العرب المعاقة تقرر ولا تفعل وكل ما يصدر عنها مجرَّد حبر على ورق. لكن هذا غير صحيح، فالقرارات الورقية بحق فلسطين وقضية العرب كانت للإلهاء الشعبي فقط أمَّا القرارات الحقيقية فكانت تتم وراء الكواليس وكانت مختلفة ومغايرة تماماً ومقصودة وربما منسقة مع العدو. فنحن لا نستبعد شيئاً بعد اليوم.
هذه القرارات الخفية كانت تتضمن ترويجاً للعجز العربي وتعزيزاً لأسطورة تفوق العدو في كل المجالات ممَّا منح الأنظمة الرجعيَّة عذراً بأنها حاولت ولكنها فشلت في غلبة العدو، إلى أن حطَّ عصر المقاومة والانتصارات وكشف عهر الأنظمة وهذا سبب حقد الذين يدعون أنهم عرب على المقاومة. هذا كله مخطَّط والقرارات الوحيدة التي كان يُسمَح لها بالتطبيق كانت تلك التي تصدر ضد العرب بعضهم البعض لا ضد إسرائيل، كإعلان الحرب على شعوب شريفة في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان!
اليوم نحن ننحني لجبهة الرفض ونعترف بأن كل الحق كان معها عندما كانت تقول إن تحرير فلسطين يمر عبر تدمير الأنظمة العربية المجرمة الخائنة المتواطئة مع العدو كما يفعل النظام السعودي اليوم علناً وعلى رؤوس الأشهاد حيث لم يعد يستتر بالمعاصي بوجود هكذا دول عربية خانعة. حتى الجزائر التي دفعت مليوني شهيد ضد الاستعمار، أضحت مُقعَدة كرئيسها من دون التفوه بواحدة!
وهكذا أصدرت جامعة العرب قراراتها «المتسعودة» التافهة التي ستتحطم على صخرة صمود لبنان ومقاومته، في وقت يحتفل فيه لبنان بعيد استقلاله مع طعم غريب جديد هذه المرَّة ملؤه الكرامة والوحدة الوطنية، ما خلا قلة مسعورة من الأذيال الزعاطيط، وذلك بسبب وجود العماد ميشال عون في قصر بعبدا.
لقد حقَّق موقف الرئيس عون وحركة الوزير جبران باسيل الدبلوماسية، ما عجزت عنه عهود سابقة منذ الاستقلال المزعوم وحتى اليوم عندما أظهر الجنرال المقاوِم صلابة وعنفوان الموقف اللبناني غير الخاضع للتهويل السعودي في قضية اعتقال رئيس حكومته سعد الحريري، وانقاذه من براثن السجن وربما القتل فتمكن من شحذ وعي اللبنانيين الوطني وأصبحوا ينشدون كلنا للوطن في كل أنحاء العالم. والمضحك أن عرب السعودية يريدون من المنتصر أن يسلِّم رأسه وسلاحه لهم وللعدو بعد عز وكرامة وانتصارات، لكن هيهات فحذاء مقاوم أشرف من كل عروشهم وكراسيهم.
ولذلك فإنَّ ما صدر عن السعودية بإجبار سعد الحريري على الاستقالة هو باطل وكذلك قرارات الجامعة العربية التي لم يعد لها نفع ويجب دفنها إلى الأبد حتى تزول ممالك وأنظمة القهر والتخلف. وسواء كان سعدو متأثراً بمتلازمة ستوكهولم التي تجعل المأسور يقع في ود خاطفه أو أن بني سعود احتفظو بزوجته وولديه كرهائن، لكن هذا لا يبرر عدم الإفصاح عن حقيقة ما حصل معه في السعودية من تنكيل وربما إساءة المعاملة لفظياً وجسدياً.
على الحريري أن يأخذ قراراً تاريخياً رغم وجود عائلته رهينة فيسعى لفك أسرها ولا يرهن البلد لآل سعود، وفي لبنان أطفال وعائلات مهددة إذا حل عدم الاستقرار، وأولاده ليسوا أفضل من أولاد لبنان وأطفال اليمن وسوريا والعراق والبحرين والعوامية في القطيف. ثم كيف تسمح له كرامته بأن يلتقي بن سلمان من جديد وهو نكَّل به وترك خزمتشيته ومخابراته يعاملونه بقساوة مفرطة وبالتهديد والوعيد والابتزاز والاستجواب المضني والاحتجاز؟ وكيف سيسمح الحريري لابن سلمان بتحقيق مخططه بتمرير استقالته التي أُجبِر عليها فيخرب بلده وعلاقته الجيدة مع الرئيس عون؟
لن تنفع محاولات الحريري إخفاء ما جرى له في مملكة بني سعود فلهفة لقاء عمته وأقاربه ومناصريه تكشف ذلك وهو في السعودية لم يكن بين «أهله الحقيقيين»، وما عليه إلا أن يحذر بعد اليوم من أصدقاءٍ وحلفائه ولكن طريقة تعامله مع الوضع حتى الآن –رغم تريثه بتقديم الاستقالة– لا تبشر بالخير (ولماذا نحفظ وجه بني سعود؟)، ومدحه لأنصاره فقط في لقائه شعبي واصفاً إياهم بـ«الأوفياء الوحيدين» وقد خرج من بينهم من طعنه بالظهر ومعظمهم كانوا مدهوشين إلى أن حرّكهم موقف الرئيسين (عون وبري) والسيد نصرالله، وتحاشيه شكر شعب لبنان والمقاومة الذي سانده حقاً، مصراً على دعوته «المتسعودة» للنأي بالنفس (والتي بحد ذاتها تلعي النفس) وطلبه بمنع كلمة اعتراض ضد بني سعود… كل هذا يوحي بأنه مازال رهينة سعودية!
Leave a Reply