ممارسات تصب الزيت على نار الإسلاموفوبيا
ديربورن – «صدى الوطن»
تضمنت مسيرة نظمت بمدينة ديربورن في تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، إحياء لذكرى أربعينية الإمام الحسين، مشاهد نافرة أثارت الكثير من الجدل والاستياء في أوساط الجالية في ديربورن، ما دفع بعض الناشطين إلى أخذ زمام المبادرة لضبط الفوضى في ممارسة بعض الشعائر الدينية والتي تسهم بتقديم صورة مغلوطة عن المجتمعين العربي والإسلامي في المدينة التي لا يفتأ الإعلام الأميركي عن تقديمها كمدينة تحكمها الشريعة الإسلامية.
وكان الموكب الحسيني الذي جاء تحت عنوان «مسيرة ضد داعش» في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قد تخلله عرض تمثيلي لأحد فصول موقعة كربلاء، حيث قامت مجموعة من الشبان والشابات بتمثيل مشهد يحاكي معاناة السبايا الذين اقتيدوا أسرى بعد واقعة الطف سنة 61 هجرية من الكوفة إلى دمشق، حيث تقاطرت على شارع وورن في ديربورن، مجموعة من الفتيات الملفعات بالسواد والمقيدات بالأغلال، يسوقوهن حراس وجنود ينزلون بهن شتى أنواع الإهانة والإذلال.
مشهد استفزازي
مشهد السبي أثار حفيظة بعض متصفحي وسائل التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا مشهد المحاكاة مسيئاً ومهيناً لعقيدتهم الدينية ووصفوه «بالمثير للإحراج»، فيما دافع البعض عنه تحت عنوان الحرية الدينية.
وكتب أيب دكوش –وهو محام من سكان ديربورن سابقاً ويقيم حالياً في تكساس– تعليقاً جاء فيه: «على المرء أن يأخذ بعين الاعتبار المناخ السياسي عند تنظيم مثل هذه المسيرة.. كيف لكم أن تتجاهلوا ظاهرة الإسلاموفوبيا وبروباغندا الجناح اليميني»، وأضاف متسائلاً: «من موّل هذا النشاط؟».
وعلّق مو راي–زاك قائلاً «هذه الصورة البشعة للنساء وقد سحبن كالعبيد والحبال تلتف حول أعناقهن.. ليس لها أية علاقة بالإسلام.. هذه اللقطات هي نوع من صور الكراهية التي سوف تستخدمها قناة «فوكس نيوز» لتقول للجمهور الأميركي: ألا ترون كيف يتصرف المسلمون؟».
ومنذ اللحظات الأولى لنشر مقاطع مصورة من تلك المسيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، بادرت «صدى الوطن» إلى التحذير من عواقب هذا النوع من الممارسات التي تسيء لمدينة ديربورن التي يتصيد الحاقدون أخطاء أبنائها، ويسارعون إلى تأكيد الصور النمطية السلبية عن سكانها العرب والمسلمين.
وفي هذا السياق، تواصل ناشر الصحيفة، الزميل أسامة السبلاني، مع مجموعة من أئمة المساجد والمراكز الدينية الذين تداعوا إلى عقد اجتماع في «المجمع الإسلامي الثقافي»، الثلاثاء الماضي، لبحث السبل الكفيلة بتفادي هذا النوع من الممارسات «غير المبررة»، وإيجاد وسائل بديلة لممارسة الطقوس والمعتقدات الدينية، بشكل يضمن حرية العبادة للمواطنين، ويمكنهم –في الوقت نفسه– من تفويت الفرصة على المتربصين والكارهين، وكذلك على السذّج الذين لا يعرفون شيئاً عن الإسلام سوى ما تبثه وسائل الإعلام الأميركية.
من المسؤول؟
وأكد السبلاني على أن «مشهد السبي» يسيء إلى ديربورن ويقدم للحاقدين عليها فرصة ذهبية لتأكيد دعواهم أمام جمهورهم، مشدداً على أن «الشارع ليس هو المكان الأنسب لمثل هذه الفعاليات»، وقال «إذا لا بد من تقديم هكذا عروض تمثيلية فليتم تقديمها على المسارح، وبطريقة مدروسة ومحترمة تمكن من إيصال الرسائل التاريخية بالشكل الصحيح والملائم».
وأضاف «مثل هذه المظاهر لا تثير استغراب الأميركيين وحدهم، بل إنها باتت تنفر أبناءنا من العرب الأميركيين الذين تراهم يغادرون المدينة بأعداد كبيرة إلى مدن أخرى». وشدد بالقول: «لسنا ضد ممارسة الشعائر الدينية وتنظيم المظاهرات، ولكن مثل هذه الفعاليات لم تعد تجدي نفعاً»، مشيراً إلى أن الدراسات الأخيرة تؤكد أن التظاهر لم يعد هو الوسيلة الأنجع لإيصال الأصوات والتعبير عن المواقف.. وبالتالي يتوجب علينا إيجاد وسائل بديلة أكثر كفاءة بدلاً من النزول إلى الشارع بغوغائية».
وعزا السبلاني النزف الذي تشهده ديربورن في السنوات الأخيرة إلى كثرة الممارسات غير المسؤولة في مجتمع الجالية العربية والإسلامية، وقلة خبرة القائمين على بعض المؤسسات الاجتماعية والدينية، مما كان له أكبر الأثر في تراجع المستوى التجاري في المدينة «التي كانت في السنوات السابقة تستقطب العرب من الولايات البعيدة.. أما اليوم فأبناؤها الذين ولدوا فيها لم يعودوا يطيقون الإقامة فيها». وأضاف «إنني أحمّل رجال الدين المسؤولية الأولى عما يحدث، وإن كان بغير قصد منهم.. لقد بدأ الناس ينفضّون عن مؤسساتكم وإذا استمر الأمر على هذا الحال فالنتيجة ستكون كارثيةعلى الجميع.. عليكم التحضير بشكل جيد في السنة القادمة، لأن هذه السلوكيات تهدد كياننا ومؤسساتنا وتضعنا في عين العاصفة»، مطالباً بإعادة النظر في جدوى التنظيم المسيرات العاشورائية في الشوارع والأماكن العامة.
تفادي الشبهات
من جانبه، أثنى إمام «المجمع الإسلامي الثقافي» المرجع عبد اللطيف بري على مبادرة السبلاني للتصدي لهذi الظواهر المستجدة، وغيرته على مصالح الجالية العربية في مدينة ديربورن، وقال «مثل هذا الموقف ليس غريباً عنكم، وإننا نتفق معكم على أنه لا بد من تدارك هذه الأخطاء في المستقبل من أجل حماية المدينة من الشبهات».
من جانبه، أكد إمام «مركز كربلاء» الشيخ هشام الحسيني على أن «مسيرة أربعين الإمام الحسين» الأخيرة التي شارك بتنظيمها كانت تدعو لمناصرة السلام والتنديد بالتعصب والإرهاب الذي ينتشر في بلدان الشرق الأوسط.
وقال «لقد رفعنا في المسيرة أكثر من 20 لافتة تندد بداعش.. كما استبدلنا الأعلام السود التقليدية بالأعلام الملونة لتفادي سوء الفهم الذي قد يتولد لدى البعض الذين يعتقدون أنها أعلام خاصة بالتنظيم الإرهابي».
أضاف «لقد نجحنا في السابق من استبدال «التطبير» بالتبرع بالدماء، وهذا العام تلقينا رسالة شكر وثناء من سبعة مرضى استفادوا من الدماء التي تبرع بها بعض أبناء جاليتنا في عاشوراء».
وتنصل الحسيني من مسؤولية تنظيم «مشهد السبي» المثير للاستفزاز، مؤكداً أنه لم يكن من ضمن برنامج المسيرة، وقال «لا نعرف من هم القائمون عليه.. لقد غافلونا واندسوا بيننا.. نحن لا نقبل مثل هذه التجاوزات وسوف نجتثها من جذورها في المستقبل».
وأردف أنه «في حال عادوا إلى ممارسة مثل تلك السلوكيات فسوف نقاضيهم».
ترويج خرافات؟
في السياق ذاته، وصف إمام مؤسسة «إرشاد» الشيخ طالب السنجري مشهد السبي التمثيلي في مسيرة أربعين الإمام الحسين بـ«العملية الاستفزازية المسيئة للإسلام والمسلمين»، ووصفت الواقعة بـ«التاريخية التي انتهت في وقتها والتي لا حاجة لإعادة التذكير بتفاصيلها».
وأشار في حديث مع «صدى الوطن»، إلى حرمة تلك الممارسات، مستشهداً بكتاب السيد محسن الأمين العاملي الذي حمل عنوان «التنزيه في حرمة التطبير والزنجيل والشبيه (التمثيل)»، مؤكداً أن هذه الممارسات تسيء إلى صورتي الحسين وزينب عليهما السلام، وقال «أنا كشيعي لا يمكنني أن أهضمها أو أستسيغها أو أتفاعل معها».
وحمّل السنجري المشايخ مسؤولية ترويج ما أسماها بـ«الخرافات»، وقال «هؤلاء دورهم هو التشجيع على الخرافة وتسويقها وأنا شخصياً لا أرتجي منهم شيئاً وإذا كان جمهور الشيعة واعياً فسوف ينفض عنهم».
كما أعرب الناشط وسام شرف الدين عن استغرابه عما جاء في المسيرة، وقال «إذا كان هدف المشهد التمثيلي إعلامياً فما هو نوع الصورة التي يُراد إيصالها في هذا الوقت الذي لا تتلاءم فيه إلا مع صورة داعش».
وأشار إلى مشهد تمثيلي مشابه جرى عرضه في العاصمة البريطانية لندن للتنديد بأعمال داعش الإرهابية، وقال «إن 99 بالمئة من متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي تشاركوا مقاطع مصورة من العرض معتقدين أنه واقعي». وأضاف «شبكة الانترنت تعتاش على مظاهر كهذه.. وهؤلاء يقدمون مواد دعائية مجانية لأعداء الإسلام».
مشهد خارج السياق
ووصف مشهد السبي في مسيرة أربعين الإمام الحسين بـ«الغذاء الكامل الدسم للحاقدين على المسلمين».
وأشارت الناشطة سهيلة أمين إلى أنها اشتركت في المسيرة الحسينية التي نظمت بديربورن في 1 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مع مشاركين منظَمين بشكل جيد ولديهم رسالة واضحة. ولكنها أعربت عن استيائها وصدمتها الشديدة من «مشهد السبي» في مسيرة الأربعين يوم 12 نوفمبر. وقالت «إنه من المهم أن نفخر بإيماننا وألا نخجل من مشاركة حقيقتنا مع الآخرين.. لكن بوجود الإسلاموفوبيا علينا أن نكون أكثر وعياً بكيفية تقديم هذه الرسالة وتوضيحها للآخرين».
وشجبت ما قامت به المجموعة المسؤولة عن العرض التمثيلي، كما حثت المسلمين على التركيز على العدالة الاجتماعية في إرث الإمام الحسين بدلاً من عرض «جزء مجتزأ من القصة.. وخارج السياق»، على حد تعبيرها.
Leave a Reply