ديربورن – «صدى الوطن»
على ضوء تقرير نشرته «صدى الوطن» (العدد ١٦٦٠) حول استياء الجالية من تنظيم مسيرات دينية في الشوارع والأماكن العامة بديربورن، والتي غالباً ما يتم استخدامها لاتهام المدينة بالتشدد الديني وتطبيق الشريعة الإسلامية، انبرى عدد من الشيوخ والنشطاء للدفاع عن حق أبناء الجالية في إقامة مثل هذه المسيرات، وتحديداً إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين وأربعينه كل عام.
بل يؤكد هؤلاء أن «مشهد السبي» الذي شهدته مسيرة الأربعين الأخيرة في ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وأثار حفيظة الكثيرين من سكان المدينة، يقع تحت حرية التعبير وحق ممارسة الشعائر الدينية التي ينص عليها الدستور الأميركي، متمسكين بمواصلة إقامة المواكب الحسينية والمسيرات العاشورائية في ديربورن.
وكان الشيخ هشام الحسيني، قد نفى مسؤوليته عن «مشهد السبي» مؤكداً أن من قاموا به اندسّوا في مسيرة أربعينية الحسين التي كانت تحت عنوان «مسيرة ضد داعش».
والعرض التمثيلي يستذكر أحد فصول مأساة كربلاء، حيث قامت مجموعة من الرجال والنساء والأطفال بتمثيل مشهد السبايا الذين اقتيدوا أسارى بعد واقعة الطف سنة 61 هجرية من الكوفة إلى دمشق، إذ تقاطرت مجموعة من النساء الملفعات بالسواد والمقيدات بالأغلال، يسوقوهن حراس وجنود ينزلون بهن شتى أنواع الإهانة والإذلال والضرب أمام المارة في ديربورن.
مشهد تمثيلي واضح
وكانت «صدى الوطن» قد حذرت من الآثار السلبية المحتملة لمثل هذه الطقوس الدينية، ودعت إلى إعادة النظر في تنظيم الفعاليات الإسلامية بديربورن، حماية للمدينة من تصيد الحاقدين والمتعصبين ضد الإسلام، وتحصينها من التهم التي لا يفتأ الإعلام الأميركي عن ترويجها، بأنها مدينة تحكمها الشريعة الإسلامية، كما لا يتوانى البعض عن تسميتها بـ«ديربورنستان».
وفي الوقت الذي أثار فيه «مشهد السبي» حفيظة البعض ممن اعتبروه مسيئاً ومهيناً لعقيدتهم الدينية، ووصفوه بـ«غير المناسب» و«المثير للإحراج»، دافع عنه البعض الآخر تحت عناوين الحرية الدينية، وضرورة إحياء ذكرى استشهاد حفيد النبي، الإمام الحسين.
وقلّل الشيخ صفاء الخطيب من شأن التحذيرات التي أوردها تقرير «صدى الوطن» من استغلال مشاهد المسيرات والسبي لتشويه صورة ديربورن وعموم الجالية، ووصفها بأنها «مجرد ادعاءات لا ترقى إلى مستوى الحقيقة»، معتبراً إعادة تمثيل مشهد السبي «حالة إيجابية يجب دعمها».
كما أبدى تبرمه مما أسماه «محاولة بعض أفراد جاليتنا إبداء آرائهم نيابة عن الأميركيين، وهذا من حيث المبدأ غير صحيح».
الخطيب -وهو مساعد الإمام في «مركز الإمام جعفر» بديترويت- أشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تمثيل «مشهد السبي» في ديربورن، وقال «كما نُقل لي، فهذه هي المرة الثالثة التي يجري فيها تمثيل مشهد السبي.. ولم نسمع أن أحداً من المتربصين بالمدينة قد استغل ذلك لتشويه صورة الإسلام كما يزعمون.. هؤلاء يطلقون الكلام جزافاً بدون أي دليل».
واستبعد أن «يسيء أي عاقل فهم ذلك المشهد، لأنه من الواضح تماماً أنه مشهد تمثيلي، فالحراس لم يكونوا يضربون النساء المقيدات، إضافة إلى أن الشرطة كانت مرافقة لتلك المسيرة، وهي طبعاً لن تكتفي بالتفرج على أشخاص يهينون النساء ويذلونهن، لو كان الأمر حقيقياً».
خلافات فقهية
وأقر بضرورة التواصل بين المراكز الإسلامية والتشاور بين مسؤوليها والقائمين عليها حول إدارة وتنظيم بعض الفعاليات، وقال «إننا نفعل ذلك بالحدود الممكنة ونحاول قدر الإمكان التقرب من بعضنا البعض.. لكن الاتفاق حول مجمل القضايا دونه خرط القتاد.. فمشاكل المجتمع الشيعي كثيرة لأنه ليس لدينا قيادة موحدة.. كما أن تعدد المرجعيات يفرض تعدد المواقف والآراء حول مجمل المسائل».
من جانبه، أكد الشيخ فلاح العطار على وجود خلاف فقهي ضمن المذهب الشيعي حول بعض الطقوس والشعائر المرافقة لإحياء ذكرى عاشوراء، مثل التطبير والضرب بالسلاسل والتشابيه والصور (التمثيل)، وأشار إلى وجود تيارين كبيرين داخل المذهب، أحدهما يحلل تلك الممارسات وآخر يحرمها، وقال «أنا لست فقيهاً ولا مرجعاً.. وأنا مع التيار الذي يحللها وهو التيار الذي يشكل الأغلبية الساحقة من الفقهاء والمجتهدين الذين يؤكدون على ضرورة إقامة تلك الشعائر لتقريب صور مأساة أهل البيت إلى أذهان الناس».
وشدد العطار -وهو إمام صلاة الجمعة في «المركز الحسيني بمدينة لوس أنجليس»- على أن «مشهد السبي» قد أسيء فهمه من قبل من اعتقدوا أنه يمثل إساءة للإسلام، وقال «الحقيقية أن المشهد يسيء لأعداء الإسلام، وغاية تمثيل المشهد هو إثارة الاستهجان والبغضاء ضد من سبوا ذرية النبي، وهم يزيد والأمويون، فكيف يقال إنه يسيء للإسلام؟».
وأضاف «إنه -المشهد- يمثل طهارة ورقي الإسلام، ويصور قباحة داعش والأمويين.. وهؤلاء هم أعداء الإسلام».
وشدد على أن الأميركيين أكثر وعياً وقابلية على فهم فحوى المشهد التمثيلي، وساق عدة أمثلة متعددة من «تجربته الدينية في مختلف الولايات المتحدة، مثل كاليفورنيا ويوتا وتكساس»، وقال «في عدة مناسبات كان صحفيون وإعلاميون أميركيون يحضرون فعالياتنا في شهر محرم، وقد خرجوا دائماً بانطباع جيد ونقلوا إلى قرائهم ومشاهديهم الصورة الصحيحة عما شاهدوه وخبروه لدينا».
مقبول شرعياً وثقافياً
وفي نفس السياق، برّر رضا فرادي «مشهد السبي» انطلاقاً من شيوع الفنون التمثيلية لدى جميع الشعوب والثقافات، معززاً رأيه بعدم وجود فتوى بتحريم التمثيل في المذهب الشيعي.
فرادي -وهو عراقي يعيش في ديربورن منذ 17 عاماً- أضاف «لقد مر شهران على مسيرة أربعينية الإمام الحسين ولم نرَ شيئاً مما حذروا منه، لم نر مؤسسات إعلامية أو أفراداً قاموا بنشر مقاطع من فيديو مشهد السبي لتشويه صورة ديربورن كما يدعون». أضاف «تلك الدعاوى.. هي مجرد تفلسف وكلام فارغ».
كما استبعد أن يثير مشهد السبي أية نعرات طائفية، وقال «الحسين ليس للمسلمين فقط، ليس للشيعة أو للسنة، وإنما هو (رمز) للعالم بأجمعه».
وعزا الدكتور ضياء الموسوي استهجان البعض لمشاهد السبي إلى جهلهم بوقائع التاريخ وقصور معارفهم الشرعية، خاصة متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي التي تمتلئ بآراء سخيفة وسطحية «ولا يجوز أن يُبنى عليها موقف»، بحسب الاختصاصي في تكنولوجيا الحواسيب، والذي أضاف: «التمثيل مقبول شرعياً واجتماعياً وثقافياً، وهو منتشر لدى جميع الأمم والشعوب، ويقوم الشيعة -مثل غيرهم- بأداء بعض التمثيليات في المناسبات العاشورائية، ولم يحدث أبداً أن أُسيء فهمها».
الموسوي الذي نشأ بالقرب من حوزة قم في إيران، أكد أن «الأميركيين ليسوا حمقى وليسوا أغبياء حتى يتناقلوا ذلك المشهد على أنه حقيقة»، وقال «من خلال تدريسي في العديد من الجامعات الأميركية.. لمست أن معظم الناس منفتحون على التعلم والتعرف على الثقافات والحضارات والأديان الأخرى». وأضاف «يقولون إن الناس بدأوا يهجرون ديربورن إلى المدن الأخرى.. اذكروا لنا اسماً واحدا من أولئك الذين تركوا المدينة بسبب المسيرات العاشورائية».
كما استجهن دعوة بعض المراكز الدينية الشيعية إلى إعادة النظر في تنظيم الفعاليات العاشورائية، وقال «صحيح هنالك اختلاف فقهي حول العديد من القضايا والمسائل داخل المذهب الشيعي الذي يتبع أفراده مرجعيات مختلفة، لكن الاختلافات بين المراكز الدينية في منطقة ديترويت أساسها المنافسة على استقطاب الناس».
الموسوي، وهو إيراني أميركي، عراقي الأصل، أكد أنّ التلطي و«الاختباء خلف الإسلاموفوبيا لا يحل المشكلة وإنما يزيدها تعقيداً، والقول بأن هذا الوقت ليس مناسباً لأداء مثل هذه الشعائر ليس صحيحاً»، وتساءل «متى إذن هو الوقت المناسب؟».
وختم مشدداً «بالنسبة للتمثيل، فمعظم مراجع الشيعة يدعمونه بمن فيهم الإمام الخامنئي، وهو أحسن وسيلة لرواية التاريخ وإعادة التذكير بمأساة أهل البيت».
Leave a Reply