تمر العلاقة بين رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في أسوأ مراحلها، منذ أن نشأ تحالف سياسي بين الرجلين في أعقاب خروج جعجع من السجن وتولي الحريري زمام قيادة «المستقبل» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ولعل الإشارة الأبلغ إلى حجم التوتر المستجد هو أن رئيس «القوات» لم يلتق بعد، بالحريري منذ عودته من إقامته القسرية في السعودية، من دون أن تنجح المساعي المبذولة حتى الآن في إعادة ترميم الجسور المتفسخة وتأمين حصول اللقاء الذي يبدو أنه بات صعباً في اللحظة الراهنة، مع رفض جعجع زيارة رئيس الحكومة في بيت الوسط، وإصراره على أن يزوره الحريري في معراب، إذا أراد أن يطوي صفحة الخلاف.
وبينما يتهم المقربون من الحريري رئيس «القوات» بانه أساء إلى علاقة رئيس الحكومة مع الرياض بفعل لجوئه إلى «النميمة السياسية» عليه في الديوان الملكي، وبأنه كان من أشد المحرضين على استقالة الحريري من حكومته، ينكر جعجع هذه الاتهامات، معتبراً أن السعودية ليست بحاجة إلى من يرشدها على كيفية التعامل مع الحريري الذي تعرفه جيداً وأنها لا تنتظر مشورة أحد في لبنان لتقرر سياستها حيال رئيس الحكومة.
ويستغرب المحيطون بجعجع أن يلوم الحريري رئيس «القوات» على مواقفه خلال وجود رئيس الحكومة في الرياض، ومسارعته إلى المطالبة بقبول استقالته ومعالجة أسبابها، «بينما ينفي الحريري نفسه أن يكون قد استقال تحت الضغط أو قد تم احتجازه في السعودية»، الأمر الذي يلغي، وفق «القواتيين»، أي مبرر للعتب على قائدهم.
ويشير المقربون من جعجع إلى أن الحريري لم يتراجع عن استقالته إلا بعدما صدر عن مجلس الوزراء بيان يؤكد تقيد كل مكونات الحكومة بخيار النأي بالنفس، ما يؤكد صحة خيار جعجع الذي دعا منذ اللحظة الأولى إلى معالجة دوافع استقالة الحريري بدل التلهي بالسيناريوهات البوليسية التي واكبت وجود رئيس الحكومة في المملكة، تبعا لما تؤكده أوساط معراب.
وقد أبلغ جعجع المعنيين في «تيار المستقبل» بانه ليس معنياً بتاتاً بأن يقدم إيضاحات أو تفسيرات حول ما فعله وقاله خلال الفترة التي سبقت وتخللت استقالة الحريري من السعودية، وأن على رئيس «المستقبل» أن يفتش بنفسه ولوحده عن الإجابات على التساؤلات التي تشغل باله، وانه إذا عثر عليها واقتنع بها ثم أراد بعد ذلك أن يلتقي جعجع، فالطريق إلى معراب معروفة.
ولا تكتفي معراب بإنكار كل الاتهامات الموجهة اليها، بل هي ترى انها لم تعد معنية أصلا بهواجس التيار الأزرق ووساوسه، وبالتالي ليست بصدد طرح أي مبادرة أو بذل جهد استثنائي لإرضاء الحريري وتطييب خاطره، معتبرة أن الكرة موجودة في ملعبه، على قاعدة أنه هو الذي صنع المشكلة، وبالتالي هو المسؤول عن معالجتها، وعليه أن يتدبر أمره.
التيار–القوات
أما على خط «القوات اللبنانية»–«التيار الوطني الحر»، فإن «القوات» تجاهر صراحة بأن «التيار» ساهم بشكل مباشر في تأليب الحريري عليها، وإن قيادته بادرت إلى صبّ الزيت على نار ظنون «المستقبل» بأن جعجع أدى دوراً مشبوهاً في تحريض الرياض على رئيس الحكومة.
وتنتقد «القوات» ما تسميها «المقاربات التسطيحية» التي يعتمدها التيار البرتقالي في معرض مقاربته للملفات الحيوية التي كانت تعرض على طاولة مجلس الوزراء، متهمة إياه بأنه يسلك هذا المنحى لاستمالة الرأي العام ودغدغة عواطفه.
وعليه، لا توجد مؤشرات إلى إمكان عقد لقاء قريب بين جعجع وباسيل لمراجعة مسار تطبيق اتفاق المصالحة الذي مهد لموافقة جعجع على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بل أن كل طرف يجري مراجعة منفصلة لتجربته مع الآخر، انطلاقاً من حساباته ومصالحه على مقربة من الانتخابات النيابية، الأمر الذي يؤشر إلى أن الهوة القائمة باقية.. وتتمدد.
وتؤكد أوساط معراب أن علاقة «التيار»–«القوات» باردة ومأزومة في هذه المرحلة، إلا أنها تلفت الانتباه في الوقت ذاته إلى أن جهداً يبذل لئلا يتدحرج التشنج والتوتر في اتجاه الاشتباك والقطيعة.
وأمام التباعد بين جعجع من جهة والحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل من جهة اخرى، بدت «القوات» شبه معزولة داخل بيئة حلفائها المفترضين، في حين كان العديد من خصومها السياسيين يرفضون خيار عزلها!
لا يخفي أحد المسؤولين القواتيين مرارته حيال سلوك بعض الحلفاء والأصدقاء، مشيداً في المقابل بموقف الرئيس نبيه بري الذي «نختلف معه في بعض الملفات الداخلية لكن لا يسعنا إلا أن نبدي تقديرنا لرفضه منذ اللحظة الأولى محاولة عزل حزبنا عبر السعي إلى إخراجنا من الحكومة».
Leave a Reply