اليمن يكسر مملكة محمد بن سلمان
لم يشأ اليمنيون أن يمرّ اليوم الألف على العدوان السعودي على بلادهم، دون تذكير محمد بن سلمان بفشله، وذلك عبر إطلاق صاروخ باليستي جديد باتجاه الرياض، وذلك بعد أكثر من شهر على الصاروخ الذي أظهر هشاشة دفاعات السعودية مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
هذا التطوّر الميداني الجديد، يكتسب مع مرور ألف يوم على عاصفة الوهم البن سلمانية، طابعاً استراتيجياً بامتياز، فهو يظهر بوضوح، فشل العدوان السعودي في تحقيق أية منجزات ميدانية، سوى إراقة دماء اليمنيين ونشر المجاعة والأوبئة في صفوفهم، علاوة على إلحاق الدمار بالحجر، وبالإرث الحضاري لهذا البلد العريق.
رسائل عميقة
تبدو رسالة الصاروخ الباليستي الأخير بالغة الوضوح والحزم في آن، فآلاف الأطنان من الحديد والبارود لم تجعل العدوان السعودي قادراً على تحقيق أهداف ما سمّي بـ«عاصفة الحزم» –ولاحقاً «إعادة الأمل»– من خلال تغيير الوقائع الميدانية والسياسية لمصلحة الفريق الداخلي الموالي للسعودية، والمتمثل في حكومة عبد ربه منصور هادي وميليشياته، لا بل أنها جعلت الأمن القومي لنظام آل سعود مهدداً بالصواريخ التي باتت قادرة على الوصول إلى قصر اليمامة… وقبله مطار الملك خالد الدولي.
حتى الورقة الأخيرة التي حاولت السعودية من خلالها استعادة المبادرة، عبر شق الجبهة الداخلية للمعسكر اليمني المقاوم للعدوان، انقلبت فشلاً استراتيجياً مذلّاً لنظام آل سعود، بعدما نجح الحوثيون في إحراقها سريعاً، بإنهاء علي عبد الله صالح وتحييد الجناح الصغير الموالي له داخل المؤتمر الشعبي العام.
كارثة إنسانية
على هذا الأساس، لم تعد نتائج الحرب السعودية على اليمن في يومها الألف تقاس بالانتصارات بقدر ما باتت تقاس بالجرائم، بحسب إجماع كافة المنظمات الحقوقية الدولية، وحتى الحكومات الغربية التي بات بعضها محرجاً على ما وفره من دعم لنظام آل سعود.
تلك الحصيلة يمكن جردها في التقارير اليومية التي تزيد الضغوط الدولية على السعودية التي عجزت ترسانتها العسكرية عن تحقيق أهداف تلك الحملة الجوية التي كان مقدّراً لها أن تنتهي في غضون أسابيع!
فالمنظمات الدولية، بما في ذلك تلك التابعة للأمم المتحدة، لم تعد تتردد في اتهام السعودية بالتسبب في أوضاع إنسانية وصحية صعبة، جعلت نحو 80 بالمئة من سكان اليمن، البالغ عددهم حوالي 27 مليون نسمة، بحاجة إلى المساعدات، علاوة على التسبب في مقتل أكثر من 8750 شخصاً منذ آذار العام 2015، وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين بجروح، ناهيك عن النزوحات التي باتت تشمل مئات الآلاف، بينما يغرق البلد الفقير بأزمة غذائية وصحية كبرى.
ووفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة فقد بلغ إجمالي الوفيات في اليمن بسبب مرض الكوليرا 2230 حالة، في حين بلغ عدد وفيات وباء الديفتيريا أكثر من 300 حالة، كما تفشت الأمراض بسبب انعدام الأمصال الواقية.
كلفة باهظة
لكنّ لعنة الحرب السعودية لم تعد مقتصرة على ما ألحقته آلة العدوان من قتل ودمار، فالسحر بدأ في الانقلاب على ساحره، وهو ما يمكن رصده من خلال الأرقام الكارثية التي أعلنتها الحكومة السعودية، قبل أيام، والتي تعكس دخول المملكة النفطية في مستنقع تأبى عنجهيتها القبلية أن يُخرجها منه حل سياسي عادل، برغم الكلفة الباهظة مالياً وبشرياً للعدوان الذي دمر اليمن وتسبب في ما تسبب، باستنزاف الاقتصاد السعودي وزيادة الصعوبات أمام انخفاض صادرات النفط، وهو ما انعكس في تفاقم العجز في الموازنة العامة.
كل ذلك يمكن قراءته في المؤشرات الاقتصادية التي كشف النقاب عنها وزير المال السعودي محمد بن عبد الله الجدعان الذي أشار إلى أن العجز في الميزانية السعودية خلال الربع الثالث من العام الحالي بلغ 7.48 مليار ريال، في حين بلغ الدين العام بنهاية الربع الثالث من السنة المالية الحالية 8,375 مليار ريال سعودي.
يضاف إلى ما سبق، ان ما كان يسمّى بـ«التفهّم» الدولي للحرب على الحوثيين، يتلاشى يوماً بعد يوم، حتى أن السعودية يكاد لم يعد لديها من حليف دولي سوى الولايات المتحدة، ومن حليف إقليمي سوى الإمارات.
حافة الهاوية
لا شك أن الهزائم الاستراتيجية التي تكبدّتها السعودية في اليمن، بالتوازي مع هزائم استراتيجية أخرى في سوريا والعراق ولبنان، قد تقودها إلى سياسة حافة الهاوية، عبر دفع التوتر الشرق أوسطي مع إيران إلى نقطة خطيرة.
وبالنسبة إلى الحليف الإقليمي الوحيد الباقي في «عاصفة الحزم» –إذا ما استثنينا الدول الأخرى في ما يسمى «التحالف العربي» التي يقتصر دورها على تقديم المرتزقة– فإنّ الإمارات تبدو قاب قوسين أو أدنى من الخروج من المستنقع السعودي في اليمن، وذلك وفق رؤية براغماتية، تنظر إلى الواقع الميداني الجديد الذي جعل صواريخ الحوثيين قادرة على الوصول إلى الرياض وأبوظبي، وتتحسب لسيناريو كارثي يتمثل في أن تكون دبي عاصمة المال والاقتصاد هدفاً لصواريخ مقبلة.
ولذلك، فإنّ كثراً من المحللين يتوقعون انسحاباً تدريجياً للإمارات من هذا المأزق، في خطوة قد لا تجرأ عليها السعودية، لاعتبارات عدّة، أبرزها على الإطلاق الخشية من تداعيات الاعتراف الرسمي بهزيمة الحرب التي فُصّلت على قياس تولي محمد بن سلمان عرش مملكة هرمة، تتصاعد فيها التناقضات على نحو غير مسبوق.
الرهان على ترامب
ربما لم تعد تملك السعودية من أوراق سوى الرهان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يسعى بطريقة أو بأخرى إلى تصفية حساباته مع الديموقراطيين، من خلال التصويب على ايران، كجزء من التصويب على حقبة باراك أوباما التي شهدت توقيع الاتفاق النووي.
ومع ذلك، فإنّ جنون ترامب يبقى مضبوطاً بالاعتبارات الداخلية التي تتراوح بين تحفّظ وزارة الدفاع الأميركية حتى عن توجيه أصابع الاتهام إلى ايران، بشأن إطلاق الصاروخ على قصر اليمامة، على عكس ما قامت به إزاء الصاروخ الأول الذي استهدف مطار الملك خالد في تشرين الثاني الماضي، وأيضاً على عكس التصريحات النارية للمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي التي تقمّصت دور كولن باول، خلال الجلسة الشهيرة لمجلس الامن قبل غزو العراق، ولكن هذه المرّة بعرض «بقايا» لصاروخ إيراني، بدلاً من أنبوبة «مواد كيميائية».
وبطبيعة الحال، فإنّ تحفّظ البنتاغون لا يعكس نزعة سلمية حلّت على صقور المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية، بقدر ما هو تعبير واضح عن فهم رسالة الصاروخين الحوثيين على الرياض، ومفادها أنه في أية مواجهة محتملة مع ايران، فإن القواعد العسكرية الأميركية في الخليج ستكون في مرمى الصواريخ، وهي مخاطرة لا يمكن لترامب أو غيره من مسؤولي الإدارة الاميركية، الدفع باتجاهها، خصوصاً في ظل اقتراب انتخابات الكونغرس.
شجرة الوهم
كل ما تقدّم يجعل السؤال الأساسي بعد مرور ألف يوم على الهزيمة السعودية في اليمن: هل ستنزل السعودية عن شجرة الوهم بقبول تسوية سلمية عادلة لإنهاء الحرب؟ أم أنها ستواصل مصارعة طواحين الهواء، على الطريقة الكرتونية التي يهواها محمد بن سلمان الذي قادته هلوساته إلى انتاج فيلم كارتون دعائي –يبدو أقرب إلى الكوميديا السوداء– لاقتحام القوات السعودية طهران، واعتقالها الجنرال قاسم سليماني، في سيناريو يصعب تخيله لا في أفلام هوليوود… ولا حتى في السينما الهندية!
Leave a Reply