واشنطن – محمد دلبح
ليست هي المرة الأولى التي يواجه فيها الفلسطينيون تهديدات وإجراءات انتقامية بسبب مواقف سياسية وسعيهم للحفاظ على حقوقهم الوطنية. إذ منذ عام 2011 وهم يواجهون تلك التهديدات الانتقامية من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وقد بدأ تلك الإجراءات الانتقامية، الكونغرس الأميركي الذي ينحاز غالبية أعضائه إلى الكيان الإسرائيلي حيث اشتملت تلك الإجراءات السابقة تأخير صرف المساعدات الأميركية ورفض الكيان الإسرائيلي بصورة مؤقتة نقل ما يجمعه من أموال الضرائب الجمركية نيابة عن السلطة والمستحقة لها.
وفيما لا تعتبر إجراءات الكونغرس بهذا الصدد ملزمة قانونياً للسلطة التنفيذية. فإنه بموجب بروتوكول باريس لعام 1994 المعقود بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي تقوم تل أبيب بجمع إيرادات ضريبية وجمركية مختلفة بالنيابة عن السلطة الفلسطينية. وتشكل هذه المبالغ (أكثر من مليار دولار سنوياً) جزءاً كبيراً من ميزانية السلطة الفلسطينية.
يعتقد خبراء أميركيون معنيون بتسوية الصراع العربي–الإسرائيلي أن التهديد الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قد لا يتم تنفيذها لأن مثل هذه الخطوة تتعارض مع المصالح الأميركية–الإسرائيلية بالحفاظ على مفاعيل اتفاقيات أوسلو وأن ما تستهدفه واشنطن من تهديدها هو مزيد من الضغط على سلطة الحكم الذاتي في رام الله التي تعاني من شحة الموارد المالية لتغطية نفقاتها.
وذكرت دراسة حديثة أصدرتها هيئة خدمات أبحاث الكونغرس أن الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي قد يترددان فى اتخاذ إجراءات جذرية أو دائمة لتقليص المساعدات للفلسطينيين لعدة أسباب، من بينها إمكانية تقويض السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة «فتح» لصالح حركة «حماس». وثانيها القلق إزاء هشاشة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية وتردد إسرائيل في التعامل مع الفوضى التي يمكن أن تنجم عن تقويض مؤسسات الحكم الذاتي الفلسطيني.
وأوردت الدراسة ما أعلنه المندوب الأميركي السابق لعملية السلام روبرت ويكسلر في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية الفرعية للشرق الأوسط في مجلس النواب الأميركي في 6 تموز (يوليو) 2016، أن أحداً ليس له مصلحة أكبر من إسرائيل في نجاح السلطة الفلسطينية، و«إذا تعطلت السلطة الفلسطينية، فمن المرجح أن يحدث أحد أمرين: حماس أو حتى العناصر الأكثر تطرفا ستسيطر على الوضع، أو أن تتدخل إسرائيل لتولي الأمر بمزيد من القوة، والنتيجة في الحالتين ستكون كارثة بالنسبة لإسرائيل».
أما ديفيد ماكوفسكي من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، وهو المؤسسة الفكرية للوبي اليهودي–الصهيوني في واشنطن، فقد أشار إلى أن «حجب التمويل –مع مرور الوقت– سيؤدي إلى انهيار التعاون الأمني وفي نهاية المطاف السلطة الفلسطينية، وخلق فراغ يمكن ملؤه بالتطرف»، كما اعتبر خبراء أخرون أمام اللجنة أن تقليص المساعدات –سواء للسلطة الفلسطينية على وجه التحديد أو للفلسطينيين عموماً– يمكن أن يزيد من التأثير السياسي للدول الأخرى المانحة على حساب الولايات المتحدة.
ويذكر أن أخر دفعة من المساعدات المالية الأميركية التي قدمت للسلطة الفلسطينية كانت في شهر شباط (فبراير) من العام الماضي.
وبلغ متوسط ما يقدمه صندوق الدعم الاقتصادي الأميركي للضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2008 وحتى الوقت الحاضر نحو 400 مليون دولار سنوياً، مع صرف الكثير من هذه المساعدات عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» لإدارة المشاريع المدعومة من خلال المنح والعقود. والباقي يُقدّم لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية.
كما بلغ متوسط المساعدات الأميركية العسكرية «غير القاتلة» لقوات الأمن الفلسطينية وقطاع العدالة الجنائية في الضفة الغربية نحو 100 مليون دولار. وتمشياً مع طلبات إدارة باراك أوباما لخفض المساعدات الأمنية الخارجية فقد تم خفض المساعدات الأميركية للسلطة وقوات أمنها منذ عام 2013 إلى 2017 بنحو 328 مليون دولار، وقوات الأمن الفلسطينية إلى 35 مليون دولار.
وإضافة إلى تهديد وقف المساعدة للسلطة فإن حكومة ترامب تهدد بوقف مساعدتها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حيث تعتبر الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة منفردة للوكالة إذ بلغ حجم المساعدات الأميركية منذ إنشاء الوكالة في عام 1950 نحو 5.8 مليار دولار. فيما بلغت المساهمة الأميركية لعام 2016، 395.5 مليون دولار (160 مليون دولار لميزانية الوكالة، و199.5 مليون دولار لصناديق الطوارئ والأنشطة الإضافية).
وتعاني «الأونروا» حالياً من انخفاض في مواردها المالية لعام 2017 حيث واجهت عجزاً بـ115 مليون دولار وكانت خفضت نفقاتها في عام 2016 بنحو 54 مليون دولار. وتنشئ «الأونروا» أيضاً صناديق خاصة لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة والأنشطة الإضافية للفلسطينيين، وهي نفسها تعاني من نقص التمويل المنتظم.
Leave a Reply