بقلم: كمال العبدلي
في خضمّ مرحلة التشتّت العربي التي عشناها خلال السنوات القريبة المنصرمة وما تركتها من ظلالٍ ثقيلة في النفوس وما خلّفت من آثار الإحباط بحيث طالت الجسمَ الثقافي والشعري منه على الخصوص، راح المثقف العربي ينتظر لحظة العدالة المؤاتية التي لابدّ وأن تطغى على المشهد العربيّ العام، وكان انتظار ما تتمخّض عنه محادثات السلام ثقيلاً على أمل أن تنفرج الحياة العربية عن تخلّفها وظلاميّتها، فإذا بالصدمة المُفاجئة تأتي من صوب قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب والمحتل، ممّا أحدث هزّةً في النفوس، فانبرى المثقف العربي مدافعاً عن عروبة القدس ورافضاً لكل محاولة تتجه بعكس هذا الإتّجاه، كما أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة على المستوى العالمي، فانبعثت من كلّ حدبٍ وصوب حملات الاحتجاج والاستنكار لهذا القرار الجائر.
عروبة القدس
ثبّتَ الأستاذ الدكتور سيّد فرج راشد في كتابه «القدس عربية إسلامية» (٢٠٠٠) أنّ أوّل ذكرٍ للقدس جاء في تلّ العمارنة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد بإسم «أوروسالم» ومن المحتمل أنّ صيغةَ هذا الإسم آرامية تتركّب من مقطعَين، الأول «أور» بمعنى مدينة، والثاني «سالم» بمعنى السلام، وبذلك فهي تعني «مدينة السلام»، وبعد تأسيس داود لمملكته حوالي العام 1000 قبل الميلاد اتّخذها عاصمةً لتلك المملكة وأطلق عليها إسم «مدينة داود» مثلما وردَ في سِفرَي صموئيل الثاني والإخبار الأوّل، وكان اليهود قد وجدوا صعوبةً في كتابة اسمها «أوروسالم» باللغة العبرية فوردت في أسفار العهد القديم ستّ مرّات تحت إسم «بروشاليم» ووردت 656 مرّة بدون ياء.
ويتّضح أنّ إسم «أورشليم» الذي أصبحت المدينة تُعرَف به بعد ذلك هو إسم عربي كنعاني وليس إسماً عبرياً كما يتبادر إلى الذهن، ثم نجدها ترِد بإسم «أورسليمو» في نقوش الامبراطور الآشوري «سنحاريب» حوالي 70 قبل الميلاد، وفي عهد الإسكندر الأكبر سمّاها اليونان «هيروسوليما» ثمّ صار اسمها «إيليا كابيتولينا» في عصر الإمبراطور الروماني «هدريان»، والكابيتول هو إسم معبد «خوبيتر الكبير».
وظلّت القدس تُعرَف بإسم «إيليا» أو «إيلياء» حتى أوائل الفتح الإسلامي، وسُمّيت كذلك أيضاً في العهدة العمرية، أمّا إسم القدس فهو مُحرَّف من اليونانية عن النُطقِ الآرامي «قديشتا» وذلك يعود لوجود أماكن مُقدّسة للعبادة فيها.
وينقسم تأريخُ القدس إلى عدّة عصور وفقاً لِما مرّ عليها من غُزاة وفاتحين، بدءاً من الفترة الكنعانية ومملكة داود وسليمان مروراً بانقسام المملكة والسبي البابلي والعصرَين اليوناني والروماني ثمّ العهدة العمرية والحروب الصليبية والدولة العثمانية انتهاءً بوعد بلفور 1917 وقرار التقسيم 1947 ثمّ حرب فلسطين 1948.
ومن هذه الخلاصة التأريخية نستنتج بما لا يقبل الدحض أنّ القدسَ عربيّة وإسلامية، وتعقيباً على القرار الترامبي أنقل هنا ماورد على لسان وكيل شيخ الأزهر من إدانة لهذا القرار غير العادل:
إذا كانت بريطانيا قد أرادت أن تتخلص من اليهود منذ مائة عام فأصدر بلفور وعده بالإلقاء بهم فى بلادنا فإن الأجيال الجديدة من أبناء الأمة لن تسمح أبداً باستحواذ الكيان الغاصب للأرض على القدس، تلك المدينة العربية الإسلامية المقدسة التي جعلها الله مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وتتعلق بها أفئدة المسلمين والمسيحيين، ولذلك لن يكون لقرار الرئيس الأميركي قيمة على المدى القصير والبعيد، فلم تكن القدس ملكية خاصة له لكي يمنحها للصهاينة ويتفاخر بذلك ويحمل قراره الباطل ويعلنه أمام الكاميرات في استهانة واضحة بمشاعر المسلمين، فضلاً عن المسيحيين الذين يتعلقون بكنائسهم التاريخية فى القدس.
وقال وكيل الأزهر: القدس إسلامية عربية طوال تاريخها وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولن ترهبنا قوة هنا أو هناك، ولا تملك أي قوة فى العالم أن تغير هوية المدينة، فهي مدينة محتلة ولا يجوز لقوة أياً كانت أن تتصرف فيها حتى ولو صمت على ذلك الغرب الذي يتشدق بالحريات وبحقوق الشعوب في العيش بسلام وأمان على أرضها.
وناشد الوكيل قادة وزعماء الأمة بالوقوف صفاً واحداً ضد قرار مصادرة القدس ورفضه والعمل على إبطاله.. مؤكداً أن هذا القرار الظالم ما كان له أن يصدر لو كانت الدول الإسلامية والعربية متضامنة ومتحالفة قوية، ولكن صاحب القرار استغل حالة الخلاف والصراع ليصدر قراراً عنصرياً يؤكد عدم عدالة بلاده وأنها ليست شريكاً نزيها فى عملية السلام».
Leave a Reply