مدير الـ«أف بي آي» في ديترويت إلى التقاعد .. ومدعٍ عام فدرالي جديد لشرق ميشيغن
غالباً ما تسارع الوكالات الأمنية ووسائل الإعلام الأميركية إلى وصف الهجومات التي يرتكبها مسلمون في الولايات المتحدة بـ«الأعمال الإرهابية»، في حين يتم الإحجام عن توصيف هجمات المعتدين من الخلفيات الأخرى بالمثل.
وتتفاقم آثار ظاهرة «ازدواجية المعايير» هذه، حين يكون الضحايا من العرب والمسلمين الذين باتوا أكثر عرضة لجرائم الكراهية خلال السنوات الأخيرة، إذ أشار تقرير صادر عن «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي) في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى تصاعد وتيرة استهداف المسلمين بزيادة 67 بالمئة منذ 2014، حيث شهد العام 2015 ثاني أعلى الجرائم المسجلة ضدهم، وفي 2016 أُبلغ عن 400 جريمة كراهية في ولاية ميشيغن وحدها.
هذه القضية الحساسة كانت مدار بحث مستفيض في اجتماع منتدى «بريدجز» الدوري الذي عقد الأربعاء، 10 كانون الثاني (يناير) الجاري، في «مبنى تدريب عناصر الشرطة والإطفاء» بمدينة تروي، حيث تمت مناقشة الأسس والاعتبارات التي تحكم قرارات الوكالات الأمنية والمؤسسات القضائية في وصم جريمة ما بأنها عمل إرهابي أو جريمة كراهية أو مجرد إطلاق نار عشوائي.
ويضم منتدى «بريدجز» ممثلين عن الجاليات العربية والإسلامية ومسؤولين فدراليين، لمناقشة القضايا الشائكة وتعزيز التعاون والتفاهم بين السلطات الفدرالية والمجتمع المحلي.
و«بريدجز» (معناها بالعربية: الجسور)، هو اختصار للعبارة الإنكليزية: «بناء الاحترام في المجموعات المتنوعة لتعزيز الحساسية». وقد أُسس المنتدى بمنطقة ديترويت في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، في مسعى من الوكالات الفدرالية وقادة المجتمع المحلي في منطقة ديترويت لاحتواء ردود الفعل السلبية ضد الجاليات العربية والإسلامية وإيجاد قنوات للتواصل الدوري بين الطرفين، حيث تقام لقاءات «بريدجز» التي تضم مسؤولين فدراليين رفيعين وحقوقيين عرباً ومسلمين أميركيين كل ثلاثة أشهر.
تعريف الإرهاب
وخلال الاجتماع الأخير، أكد المسؤول في مكتب «أف بي آي»–ديترويت، تيموثي ووترز، أن الوكالة الأمنية تميز بين حوادث «القتل الجماعي» و«الإرهاب المحلي» و«الإرهاب الخارجي»، محدداً الأخيرة بالأعمال التي ينفذها أفراد يعملون على نشر إيديولوجيا إرهابية تحض على العنف، مضيفاً أن وزراة الخارجية الأميركية قد صنفت 75 منظمة أجنبية كمنظمات إرهابية، وهي تشكل القائمة التي يستخدمها الـ«أف بي آي» كأساس في تحقيقاته.
وأشار إلى أنه لكي تتم محاكمة فرد بتهمة الإرهاب فيجب أن تستوفي جريمته ثلاثة معايير، وهي: أن تكون دوافعه ذات أهداف سياسية أو اجتماعية، وأن يمارس تهديدات بالعنف وقوة السلاح، وأن يقترف جريمة فدرالية.
وبشكل مشابه، عرّف ووترز «الإرهاب المحلي» بالعمل الذي يُرتكب لترهيب المدنيين وإخضاعهم وقهرهم، أو تعطيل عمل الحكومة الأميركية، وقال «هنالك مجموعات من المتعصبين البيض في ميشيغن ولكن أنشطتهم ليست مدفوعة بالأهداف الآنفة الذكر»، مؤكداً أنها ليست جماعات إرهابية لأن «دوافع أعضائها تتمحور حول جمع الأموال، ولا تستوفي الشروط التي توجب وصف نشاطاتهم بالإرهابية».
وكشف ووترز أن تحقيق الـ«أف بي آي» حول إحدى تلك المجموعات في وسط ميشيغن أسفر عن أن الأموال التي تم جمعها لم تستخدم لنشر «أجندة» تلك المجموعة، وإنما انتهت في الحساب البنكي لقائدها.
وفيما يخص حادث القتل الجماعي في ملهى للمثليين بمدينة أورلاندو بولاية فلوريدا، في حزيران (يونيو) الماضي، والذي ذهب ضحيته 49 شخصاً، أفاد ووترز أن «أف بي آي» بذل جهوداً كبيرة بغية عدم توصيفه بالإرهابي، و«لكن وسائل الإعلام الوطنية سارعت منذ الساعات الأولى إلى وصفه بذلك».
ورداً على سؤال فيما إذا كان الإرهاب وصفاً ملائما للأعمال العنفية التي يقوم بها أفراد بوحي من أفكار ومبادئ مجموعات متعصبة بيضاء، أجاب «بالطبع»، ولكنه استدرك قائلاً «الفرق أننا لا نرى مجموعات إرهابية تروج للعنف بشكل علني لأن أفرادها يعرفون أننا سنقوم بملاحقتهم».
وأكد أن «العديد من الجماعات المحلية بذلت جهوداً كبيرة للابتعاد عن شبهة الأنشطة الإرهابية، مع أن أفرادها يجتمعون ويشتركون في التدريبات القتالية، لكن التحقيقات أثبتت أنهم لم يخططوا لارتكاب جرائم».
من جانبه، أكد مدير مكتب «أف بي آي» في ديترويت ديفيد جيليوس، على ضرورة أخذ الحيطة والحذر عندما يتعلق الأمر بـ«مواجهة الإرهاب الداخلي» مضيفاً «هذا الأمر يتطلب مراجعات قانونية قبل فتح التحقيقات ويقوم مكتبنا بالتشاور مع مكتب المدعي العام الفدرالي كل ستة أشهر للتأكيد على أن عملنا يجري ضمن الحدود الدستورية»، مشدداً «هنالك سقف عال للتحقيقات من هذا النوع».
كما أكد المدير المساعد للادعاء العام الفدرالي بشرق ميشيغن، كيفن مولكاهي، على أهمية «تقييم دوافع الجناة» لتوصيف الجرائم التي يرتكبونها، مستشهداً بحادث القتل الجماعي في لاس فيغاس، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والذي رغم فظاعته، لم يتم وصم منفذه بالإرهابي، لأن «القاتل لم يستوحِ دوافعه من إيديولوجيا واضحة».
وأشار مولكاهي إلى أن مكتب الادعاء «يولي اهتماماً خاصاً لجرائم الكراهية».
وفي سياق آخر، تحدثت المتخصصة بالتواصل المجتمعي في الـ«أف بي آي»، بشرى علوية، مشيرة إلى أن بعض الكلمات والتعابير الحساسة في الإسلام، مثل «الجهاد»، ومعاني وسياقات استخدام عبارة «الله أكبر»، والتي لا تنطوي على أية مواقف سلبية وعدائية ضد الآخرين، بحسب قولها.
جوائز
وفي نهاية الاجتماع، قدّم جيليوس «جائزة القيادة المجتمعية» باسم الـ«أف بي آي» لـ«النادي اللبناني الأميركي» LAHC، وهي المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لمنظمة محلية، وقال جيليوس في معرض تقديمه للجائزة التي كانت تمنح لأفراد منذ إطلاقها عام 1990: «إن النادي اللبناني الأميركي «كان خياراً واضحاً» فقد كان «المنظمة الوحيدة التي انخرطت بالعمل معها منذ الشهر الأول لتولي منصبي مديراً لمكتب التحقيقات الفدرالي بديترويت، وقد اشتركت معهم بتقديم وجبات الديك الرومي في أعياد الشكر وفي توزيع حقائب القرطاسية في بداية الفصول الدراسية».
وأشار إلى أن ممثلاً عن النادي سيذهب مع 50 حائزاً على الجائزة، من 50 ولاية، إلى العاصمة واشنطن لاستلام الجائزة رسمياً من مدير الـ«أف بي آي» كريستوفر راي، في 20 نيسان (أبريل) القادم.
وأعرب المدير التنفيذي للنادي وسيم محفوظ عن شكره للـ«أف بي آي» لمنحه الجائزة، وقال «شراكتنا شرف وامتياز لنا»، وخاطب جيليوس قائلاً «إننا نقدر ثقتكم بنا».
رئيس جديد لـ«بريدجز»
وفي السياق ذاته، تم تقديم «شهادة تقدير» من وزارة العدل الأميركية للمنسقة المشاركة في منتدى «بريدجز» المحامية العربية الأميركية منى فضل الله، التي انتهت فترة رئاستها للمنتدى الأسبوع الماضي، ليتولى مقعدها القاضي المساعد (ماجستريت) في محكمة ديربورن، هلال فرحات.
وأعربت فضل الله في كلمة مقتضبة عن فخرها بالعمل مع المنتدى وقالت «لقد كان العمل معكم شرفاً لي» مضيفة أن فرحات «سيكون خلفاً عظيماً وإضافة للمجموعة».
تجدر الإشارة إلى أنه يشرف على منتدى «بريدجز» منسقان، أحدهما يمثل الجالية لمدة سنة واحدة، والثاني تقوم السلطات الفدرالية بتعيينه.
فرحات من ناحيته، قال إنه يتطلع إلى قيادة «مجموعة تسأل أسئلة صعبة ويكون أعضاؤها صريحين مع بعضهم البعض لأنها الطريقة الأفضل لجعل المجتمع ووكالات إنفاذ القانون يعملون بطريقة مريحة».
تقاعد جيليوس
في سياق آخر، تم التطرق –خلال الاجتماع– إلى تقاعد جيليوس من منصبه في 31 كانون الثاني (يناير) الجاري، حيث سيبلغ في شهر أيلول (سبتمبر) القادم السابعة والخمسين من العمر، ما يقتضي منه التقاعد بحسب قواعد مكتب التحقيقات الفدرالي.
وتعليقاً على ذلك، أشار جيليوس الذي أنشأ علاقات وطيدة مع الجالية العربية من خلال قيادته لفرع المكتب في ديترويت، إلى أنه «وقع في حب ميشيغن»، مضيفاً «لقد انعكس ذلك على عمقي الثقافي، وما كنت لأترك منصبي لولا بلوغي السن القانوني».
وأفاد أنه سيغادر في آخر الشهر الجاري منصبه الذي شغله لمدة عامين وأربعة أشهر، وسيذهب في عطلة إلى كاليفورنيا لمدة 3 أسابيع. وأكد أنه تلقى عرضاً للعمل كنائب لرئيس شركة «بنسكي» لخدمات النقل، ومقرها ديترويت.
ولم يتم الإعلان بعد، عمن سيعقب جيليوس في منصبه.
مدع عام فدرالي جديد
أما التغيير الثاني الذي تم التطرق إليه خلال اجتماع «بريدجز» الأخير، فهو تعيين مدعٍ عام فدرالي جديد لشرق ميشيغن، وهو ماثيو شنايدر الذي حل مكان باربرا ماكويد التي ترأست مكتب الادعاء منذ 2010 وكانت من بين 46 مدعياً فدرالياً استقالوا بناء على طلب الرئيس دونالد ترامب.
وشنايدر، الذي ينتظر تثبيت تعيينه من قبل مجلس الشيوخ الأميركي، باشر مهامه يوم الجمعة الماضي، وكان بين الحاضرين في اجتماع «بريدجز»، وبعد أقل من أسبوع على تولي منصبه الجديد حدّد المسار العام لمكتبه بالقول «إن قوة أميركا في تنوعنا.. وهذا ما يجمعنا».
وأثنى شنايدر على التواصل الفعال الذي تحقق بين ماكويد والمجتعمات المحلية المتعددة متعهداً بمواصلة النهج نفسه، وقال «بينما تتغير القيادة في واشنطن كل أربع أو ثماني سنوات، فلن يتغير التزام مكتب المدعي العام الفدرالي بالحقوق المدنية والتنوع وحماية المجتمع».
وأضاف «عمل مكتبنا لا يقتصر على القضايا الجنائية وإنما يشمل كذلك الدفاع عن الحقوق المدنية».
وكان شنايدر قد شغل مؤخراً منصب النائب الأول للمدعي العام لولاية ميشيغن، حيث أشرف على حوالي 40 ألف قضية جنائية ومدنية.
Leave a Reply