من الشائع جداً هذه الأيام أن ترى الكثيرين وهم يشجبون تصريحات ترامب العنصرية ضد المهاجرين مؤكدين أنها «ليست أميركية» ولا تمثل الثقافة الأميركية ولا المزاج الأميركي.
واضح جداً أن الرئيس الأميركي يريد فقط للمهاجرين البيض أن يأتوا إلى الولايات المتحدة. لقد قالها صراحة: «لماذا لا يكون لدينا المزيد من الناس.. من النرويج؟». وواضح كذلك أنه يريد التخلص من اللاتينيين والسود حين قال «هل نحن بحاجة حقاً إلى المزيد من الهايتيين؟». إنه يحتقر ويشهر بثقافة الأفارقة حين وصفهم بأنهم «يأتون من بلدان وصفها بـ«بؤر القذارة» Shithole.
ومع ذلك تسمع العديد ممن يعلقون على تصريحات الرئيس ويكررون العبارة الجوفاء قائلين: هذه التصريحات «ليست أميركية»، إضافة إلى عبارات من طراز «هذا لا يمثل ما نحن عليه كأميركيين.. وما كان الآباء المؤسسون ليوافقوا على مثل تلك التصريحات».
حسناً.. في الواقع، العكس هو الصحيح، فلو كان الآباء المؤسسون بين ظهرانينا اليوم لما اعترضوا على تصريحات سيد البيت الأبيض، بل ربما صفقوا له بحماسة لا تنقطع!
عند تأسيس الولايات المتحدة، وبعد كتابة الدستور الأميركي وانتخاب أول كونغرس وأول رئيس للبلاد، أجمع آباء هذه الأمة على اتخاذ قرار هام، إذ كان عليهم أن يحددوا من هو المواطن الأميركي ومن هم الأشخاص الذين يمكنهم أن يكونوا مواطنين أميركيين.
ولهذا –في 26 آذار (مارس) 1790– أعلن أول كونغرس أميركي أنه يمكن للشخص أن يكتسب جنسية الدولة الجديدة (أميركا) إذا كان «حسن الأخلاق» ومقيماً لـ«مدة سنتين»، والأهم من ذلك كله أن يكون «شخصاً أبيض حراً».
نعم، لقد كان عليك أن تكون أبيض العرق لكي تصبح أميركياً، وهذه الفكرة لم تكن مجرد جزء من العادات الاجتماعية غير المنطقية، ولم تقتصر على جزء من الأرض الأميركية. لقد كانت «قانون البلاد: البياض.. هو الشرعية».
لاحقاً وعلى مر السنين تم تعديل قوانين التجنيس وتغيرت متطلبات الإقامة بين حقبة وأخرى، وبعد الحرب الأهلية الأميركية نصّ التعديل الرابع عشر من الدستور الأميركي على أن «جميع الأشخاص الذين ولدوا أو تجنسوا، والخاضعين لسلطة القضاء الأميركي، هم مواطنون أميركيون». ومع أن «قانون الحقوق المدنية» لعام 1866 قد أقر أن جميع العبيد السود السابقين هم مواطنون أميركيون إلا أن هذا القانون لم يصبح ساري المفعول حتى العام 1898 وبأمر من المحكمة الدستورية العليا التي قررت أنه يمكن منح الحنسية الأميركية لأشخاص غير بيض.
كما شهد التاريخ القانوني الأميركي استثناء جماعات بأكملها من الحصول على الجنسية، ونذكر في هذا السياق «قانون الاستبعاد الصيني» لعام 1882 وكذلك كوتات المهاجرين القائمة على الأصل القومي في عامي 1921 و1924، إضافة إلى أعداد أخرى من تدابير الهجرة ومكافحتها.
وخلال تلك الحقبة، قدّم عدد من الأفراد التماساً لكي يحصلوا على الجنسية في المحاكم الأميركية، وتم رفض دعاوى شخص ياباني وآخر هندي وثالث صيني، في حين تم قبول دعوى لبعض الأشخاص الأرمن. من سلالة هؤلاء أصبح لدينا –على الأغلب– كيم كارداشيان، الأرمينية الأصل!
وتوجد أمثلة أخرى كثيرة، منها رجل نصف أوروبي، ونصفه الآخر من سكان كندا الأصليين (لم يكن أبيض كفاية لتجنيسه)، فيما اعتبر بعض العرب بيضاً بما يكفي للحصول على الجنسية لكونهم مسيحيين وقريبين من أوروبا.
واستغرق الأمر حتى 1952 حتى تم إسقاط آخر المتطلبات العنصرية الصريحة من قوانين التجنيس الأميركية، وذلك عندما أصدر الكونغرس الأميركي «قانون ماكاران–والتر» الذي وضع الأطر الأساسية لنظام الهجرة الحالي. لذلك من 1790 وحتى 1952 كان «البياض» هو العامل الأساسي لتحديد أهلية المرء في الحصول على الجنسية الأميركية.
فكروا بذلك للحظة! لقد اُعتمد «البياض» كأساس قانوني في سياسات الهجرة الأميركية لمدة 162 عاماً.. ما يعني أن العنصرية الرسمية غابت عن عالمنا منذ 66 سنة فقط!
إن واضعي قوانين الهجرة العنصرية التاريخية تلك، كانوا يؤصلون لبلاغة أعمق بكثير من بلاغة رئيسنا الحالي، ولهذا فإنه من الناحية العملية يمكن عدّه –بلا أسف– واحداً منهم، ويمكن اعتبار ذلك أمراً مقبولاً بلا أدنى شك. وبشكل مشابه، فإن ترامب –الذي يطالب بالمواصفات العنصرية للهجرة البيضاء، وبدعم من حزب سياسي يتفق إلى حد كبير مع مواقفه– هو مثال حي على دعاة الهجرة المعادية للأعراق.
إنه لمن المفيد الاعتراف بذلك التاريخ. إن التزواج بين الجنسية والعرق (الأبيض) يمثل الـ«دي أن أي» الخاص بأميركا. إنه روح أميركا. وعندما يحرم شخص ليس «أبيض حراَ» من الجنسية فهو بكل بساطة لن يكون مجرد ضحية لحادث متعصب معزول وإنما سيكون ضحية لثقافة متجذرة وعميقة الأغوار في التاريخ الأميركي.
وما يؤسَف له على نحو شديد أن تلك الأزمنة القديمة ماتزال تهيمن على حاضرنا، ففي عام 1992 كتبت الروائية الأميركية السوداء توني موريسون: «في هذا البلد.. أن تكون أميركياً يعني أنك أبيض»!
إذن، وصف تصريحات ترامب العنصرية ضد الهجرة بأنها «ليست أميركية» لا أساس له من الصحة، فتاريخنا يقول عكس ذلك: إنها أميركية حتى النخاع!
عامر زهر
Leave a Reply