«أفضل استثمار» لتخليص أصحاب الأعمال التجارية في ديترويت من «وجع الراس»
حسن خليفة – «صدى الوطن» بالاشتراك مع «نيو ميشيغن ميديا»
في بداية 2016، أطلقت بلدية ديترويت بالتعاون مع شرطة المدينة وورجال أعمال عرب أميركيين مشروعاً طموحاً باسم «الضوء الأخضر» أو Project Greenlight لتعزيز الأمن والسلامة العامة في محطات الوقود والمتاجر الصغيرة عبر نصب كاميرات عالية الدقة تبث الأحداث مباشرة إلى مركز مراقبة تشرف عليه شرطة المدينة.
وخلال العامين الماضيين، نما المشروع سريعاً وتجاوز عدد المشاركين فيه ٢٣٠ مؤسسة تجارية من ضمنها محطات وقود ومطاعم الوجبات السريعة والمتاجر الصغيرة وحتى مغاسل السيارات، وقد أقر مسؤولو المدينة بأن مشروع «الضوء الأخضر» ساهم بفعالية في كبح معدلات الجريمة في المدينة، لاسيما في محيط المتاجر المنضوية بالبرنامج.
وفي مؤتمر صحفي عقد مع بداية العام الجاري، أعلن كل من رئيس البلدية مايك داغن وقائد الشرطة جيمس كريغ أن جرائم العنف في المدينة خلال العام ٢٠١٧ انخفضت بنسبة 12 بالمئة مقارنة بالعام السابق، حيث سجلت المدينة العام الماضي وقوع 267 جريمة قتل فقط، وهو أدنى عدد من القتلى تشهده ديترويت منذ أحداث العام ١٩٦٧.
كما انخفضت نسبة خطف السيارات بقوة السلاح بنسبة 41 بالمئة، فيما تراجعت أعمال السرقة غير العنفية بنسبة 13 بالمئة.
وعزا مسؤولو المدينة التراجع الملحوظ في مستويات الجريمة إلى عدة عناصر أبرزها مشروع «الضوء الأخضر»، إلى جانب توظيف أكثر من 500 شرطي إضافي، وتعزيز الدوريات بنقل أكثر من 230 شرطياً من الوظائف الإدارية إلى العمل الميداني، إضافة إلى برنامج «وقف إطلاق النار» الذي يستهدف تفكيك عصابات الشوارع بالتعاون بين شرطة المدينة والسلطات الفدرالية.
أفضل استثمار
رافد وايت، وهو أميركي من أصل عراقي يملك متجر «دولار سنتر» عند تقاطع شارعي وورن وغرينفيلد، وصف انضمامه إلى مشروع «الضوء الأخضر» بأنه «الاستثمار الأفضل» على الإطلاق، مؤكداً أنه يصعب عليه تصور تلك الأوقات التي كان يستيقظ فيها بمنتصف الليل كي يتفحص الكاميرات المنصوبة في محله، عبر هاتفه الخليوي، وهو عمل روتيني دأب عليه يومياً بعد خسارة المتجر لآلاف الدولارات من المسروقات.
وقال لـ«صدى الوطن» إنه توقف عن الاتصال بالشرطة التي «كانت تحتاج لوقت طويل لكي تتمكن من الوصول إلينا»، لكن ابتداء من العام الماضي، وحيث بات يمكن رؤية الضوء الأخضر عن بعد ميل، إضافة إلى الصور العالية الدقة التي تُبَث مباشرةً إلى الشرطة.. أصبح المتجر أكثر أمناً وجذباً للزبائن كما انعكس الأمر بشكل إيجابي على الأعمال التجارية المجاورة.
ويضيف وايت أنه كان يشعر بالقلق الدائم حيال أمنه الشخصي وأمن الموظفين في المتجر الذي يبعد عن منزله حوالي ٤٠ ميلاً. غير أن «الضوء الأخضر» غيّر طبيعة العمل كلياً، حيث تحولت الكاميرات إلى رادع للسارقين والمتسكعين، ولم يعد هناك حاجة للاتصال بالشرطة يومياً كما كان الأمر عليه في السابق.
وأردف بأن تواجد دوريات الشرطة المتزايد في الجوار، ساهم أيضاً في تحسن الأمور، مشيراً إلى أن الشرطة تصل إلى متجره في غضون خمس دقائق من الاتصال بها، مؤكداً أنه منذ انضمام متجره إلى «الضوء الأخضر» لم يعد بحاجة إلى الاتصال بـ«٩١١» أكثر من مرة واحدة أسبوعياً، بسبب معرفة المتسكعين واللصوص بأن المكان مراقب بالكاميرات التي تسجل الأحداث وتبثها مباشرة إلى الشرطة.
وقال «إنهم يعرفون الآن أن أحداً ما يراقبهم لذلك هم أقل استعداداً لوضع شيء في جيوبهم، وإذا فعلوا شيئاً من ذلك القبيل فلن ينجوا بفعلتهم على الأرجح لأن صورهم تكون قد أصبحت في حوزة الشرطة».
تكاليف وحوافز
ياسين –وهو مدير محطة «سنوكو» عند تقاطع الطريق السريع «94» وليفرنوي– تحدث عن «الفرق الهائل» الذي لاحظه في المحطة منذ حوالي ستة أشهر أعقبت انضمام المحطة إلى البرنامج، لافتاً إلى التراجع الكبير في حوادث التسكع والسرقات، واصفاً تجربته بأنها دليل كاف لإقناع جميع الأعمال التجارية في ديترويت بتركيب هذا النظام الأمني المتطور الذي يضمن التعرف على الوجوه وحتى القدرة على قراءة لوحات السيارات.
وأضاف أنه كان في السابق يضطر للتصدي بنفسه للصوص الذين يسرقون البضائع ويفرون خارج المحطة.
لكن الانضمام لمشروع «الضوء الأخضر» ليس مجانياً، حيث تصل التكلفة إلى 6 آلاف دولار مما يثني بعض أصحاب الأعمال عن الانضمام إليه. إذ يتطلب البرنامج تنصيب ما لايقل عن أربع كاميرات عالية الدقة ولافتة كبيرة وإنترنت عالي السرعة إضافة إلى أضواء كاشفة تقدر كلفتها وحدها بحوالي 450 دولاراً.
وفي العام الماضي، تعاونت بلدية ديترويت مع شركة «كومكاست» لتوفير برنامج يتيح تركيب الكاميرات وتخرين الصور والبث عبر الانترنت السريع، بدفعة أولى تتراوح بين 499 و995 دولاراً إضافة إلى دفعات شهرية تتراوح بين 140 و180 دولاراً تشمل تقسيط ثمن الكاميرات.
وفي هذا الصدد، يؤكد ياسين أن قرار الانضمام إلى البرنامج مجد تماماً وسوف يعوض كلفته سريعاً، ويضيف «خذه ووفر الصداع على نفسك».
من ناحيته، وصف موسى بزي، الذي يملك ثلاث محطات وقود في شمال شرقي ديترويت، الانضمام إلى «الضوء الأخضر» بأنه «استثمار حكيم وطويل الأمد»، مشدداً على أن أمن العمال يجب أن يكون في صلب أي تخطيط لعمل تجاري.
وأضاف بزي، وهو أحد رجال الأعمال الذين بادروا إلى إطلاق مشروع «الضوء الأخضر» أنه يرى «قيمة كبيرة» في الكاميرات الثلاثين التي نصبها في محطاته الثلاث، والتي «ترصد كل زاوية فيها»، مشيراً إلى أن آلاف الدولارات التي استثمرها في هذا المشروع «تعادل كلفة بناء حمام».
وكان بعض أصحاب الأعمال قد طالبوا البلدية بإعفاءات ضريبية أو تقديم حوافز للمشتركين، لكن بزي –الذي اشترك في اللقاءات مع رئيس البلدية للترويج للمشروع– قال «إن ذلك سيزيد من الأعباء المالية على بلدية المدينة التي تتعافى لتوها من الإفلاس»، مضيفاً «لو تم هذا الأمر فسوف يكون حسناً لكن أصحاب الأعمال تفهموا عدم إمكانية تحقيق ذلك».
وأكد «نريد من البلدية أن تعمل معنا لجعل الشرطة تستجيب لاتصالاتنا وتأخذنا على محمل الجد»، وكذلك «نريد أن تستثمر أموالنا التي نحصّلها بشق الأنفس لمساعدة المدينة في حماية العاملين والزائرين والمستثمرين في ديترويت».
وأشار إلى أن أرباح محطاته الثلاث قد ازدادت بنسبة 10–15 بالمئة بسبب اختفاء المجرمين وتوافد المزيد من الزبائن، وشدد «كلما كان المكان أكثر أماناً، فإن المزيد من الزبائن سوف يأتون ويشترون»، مشيراً إلى أن إقامة علاقات واضحة مع دائرة الشرطة يرسل إشارة واضحة إلى الزبائن بأن هذا المكان لا يمارس أية أعمال غير قانونية مثل بيع السجائر «الفلت» (لوسي) ومعدات تعاطي المخدرات.. «إنها دعوة للناس الطيبين كي يأتوا إلينا».
ديترويت أكثر أماناً
وقد أظهر تقرير صادر عن دائرة الشرطة بديترويت أن حوادث الجرائم العنفية في محيط 500 قدم من المشتركين الثمانية الأوائل في المشروع قد انخفضت بنسبة 50 بالمئة، في الفترة بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) من عامي 2015 و2017.
وأكد كل من وايت وياسين وبزي أن الكاميرات «قد أوقفت أو ساعدت في تخفيض الجرائم حول محيطهم»، وأفاد الأخير أنه وخلال الأسبوع الأول لانضمامه للمشروع تمكنت الشرطة من التعرف على سائق سيارة دهس صبياً بالقرب من إحدى محطاته.
أضاف «هذا الأسبوع، استخدمت الشرطة كاميراتنا للتحقيق في حادث وقع في متجر مجاور على جانب مدينة غروس بوينت».
وفي نفس السياق، أكد الضابط في دائرة شرطة ديترويت تود بيتيسون لـ«صدى الوطن» أنه سمع أن بعض المجرمين يشتكون من عجزهم عن القيام بإعمال إجرامية، بسبب المتاجر المنضوية في «الضوء الأخضر».
وقال «إن التأثير الردعي للمشروع قد أنقذ أحد المتاجر من خسارة شهرية تقدر بـ2000 دولار بسبب السرقات»، مؤكداً أن القبض على مرتكبي الجرائم ومحاكمتهم وإدانتهم بات الآن «ممكناً بشكل كبير».
وبحلول تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أدين 20 شخصاً في المحاكم بعد إلقاء القبض عليهم بسبب تقنية «البث المباشر» للكاميرات، كانت بينهم امرأة أطلقت عدة عيارات نارية في محطة وقود في آذار (مارس) 2016، وبعد ساعتين من الحادثة تم التعرف عليها واعتقالها بالقرب من إحدى الإشارات المرورية، على بعد ميل واحد من منزلها. وأكد بيتيسون أن مشروع «الضوء الأخضر» يسرّع من (تطبيق) نظام العدالة الجنائية».
أضاف أن القائمين على المشروع كانوا يتساءلون حول سبل تعزيز مشروع «الضوء الأخضر» بفرضه بمرسوم بلدي على كافة الأعمال التجارية التي تفتح أبوابها حتى وقت متأخر من الليل. غير أن الطلب الكثيف على الاشتراك في المشروع تنامى بسرعة وأصبحت مختلف الأعمال التجارية تبدي رغبتها بالانضمام إليه، مثل متاجر البقالة ودور السينما وحتى المباني السكنية، وأكد بيتيسون «أن عدد المشتركين قد تضاعف خلال سنة واحدة».
من الإحباط إلى النجاح
وبقدر ما ساهم مشروع «الضوء الأخضر» في كبح الجريمة، إلا أن الفترة التي سبقت ولادته كانت عصيبة على أصحاب الأعمال في ديترويت الذين عانوا لعقود طويلة من غياب سلطة القانون، قبل أن يثقل كاهلهم برسوم ضخمة ومخالفات متكررة، دفعت عدداً من أصحاب المصالح التجارية من العرب الأميركيين إلى مقاضاة البلدية بتهمة التمييز والاستهداف.
لكن وبعد ذلك بفترة قصيرة، بدأ أصحاب الأعمال، وبينهم بزي ورجل الأعمال العربي الأميركي ناصر بيضون بالاجتماع مع رئيس البلدية وقائد الشرطة لإصلاح ذات البين ولتطبيق خطة من شأنها أن تفيد أصحاب المصالح التجارية التي صمدت خلال العقود العجاف.
وقال بيضون لـ«صدى الوطن» إن فكرة «الضوء الأخضر» استندت إلى برنامج «الضوء الأزرق» الذي أطلقته شركة «روك فينتشر» في الداونتاون، والتي تعود ملكيتها للملياردير دان غيليبرت، مشيراً إلى أن «رئيس البلدية هو من اقترح إضافة الكاميرات».
وأضاف إن الاسم الأول الذي اقترح للمشروع كان «مشروع المنارة» قبل أن يتم تغييره إلى «الضوء الأخضر»، كعلامة لـ«الملاذات الآمنة» في الأحياء المضطربة.
وكان بيضون قد أعلن مع داغن عن بدء المشروع في مؤتمر صحفي في كانون الثاني (يناير) 2016 بعد أن وضعت البلدية وأصحاب الأعمال خلافاتهم جانباً وقرروا التشارك في رؤية «ديترويت واحدة».
وختم بيضون حديثه «اليوم.. الأضواء الخُضر تضيء طريق الأمل أمام المسؤولين في المناطق المشابهة في لوس أنجليس.. وحتى في البرازيل».
حول سلسلة التقارير الصحفية المشتركة
خمس صحف إثنية يُقدر حجم توزيعها بـ١٢٠ ألف نسخة أسبوعياً –وهي «لاتينو برس» و«ميشيغن كرونيكل» و«جويش نيوز» و«ميشيغن كوريان ويكلي» و«صدى الوطن»– تشكل مجموعة «نيو ميشيغن ميديا»، وتشترك فـي «مشروع ديترويت للتعاون الإعلامي» (دي جاي سي) الذي يقام يرعاية «مؤسسة جون س. وجيمس ل. نايت»، و«مبادرة التقرير الصحافـي النهضوي فـي ميشيغن» و«مؤسسة فورد». ويهدف مشروع «دي جاي سي» الى تغطية أخبار ديترويت بعد الإفلاس وسبل نهضتها، عبر سلسلة تقارير إعلامية مشتركة. وتنشر كل تقارير هذه السلسلة فـي جميع الصحف المنضوية تحت «نيو ميشيغن ميديا». ومشروع «دي جاي سي» هو تعاون فريد من نوعه بين وسائل الإعلام البارزة فـي منطقة ديترويت، ويضم مجلة «بريدج»، و«تلفزيون ديترويت العام»، و«إذاعة ميشيغن العامة»، وشبكة «دبليو دي أي تي» و«نيو ميشيغن ميديا»، إضافة الى اسهامات من صحيفة «ديترويت فري برس».
Leave a Reply