إن النقاش بشأن سياسة الهجرة الأميركية أمر شخصي جداً بالنسبة لي، فهو يتعلق بتاريخ عائلتي والصعوبات التي واجهتها من أجل القدوم إلى الولايات المتحدة، وأكثر من ذلك فهو يتعلق بكينونتنا وطموحاتنا كأميركيين.
وفي آخر أيام الإمبراطورية العثمانية، أرسلت أسرة والدي، مثل كثيرين آخرين في جبال لبنان ممن كانوا يواجهون صعوبات اقتصادية، ابنها الأكبر حبيب، الذي كان لا يزال في الرابعة عشر من عمره، إلى الولايات المتحدة ليبدأ حياة جديدة، وليمهد الطريق أمام بقية العائلة لتلتحق به.
وبعد سنوات قليلة من مغادرة حبيب، اضطرت الأسرة إلى ترك قريتها، في مواجهة الضغوط المتزايدة من الحرب العالمية، ولاذت بالأمان في وادي البقاع. ولم تكن الأمور على ما يرام، وأصبح جدي مريضاً، ومات في المنفى تاركاً جدتي ومعها ستة أبناء، أكبرهم والدي يوسف، الذي كان في العشرين من عمره آنذاك.
وضعت الحرب أوزارها، وعادت الأسرة إلى قريتها، وبعد فترة علمت أن حبيباً كان قد فتح متجراً صغيراً ويطلب من العائلة الانضمام إليه في أميركا. ومن ثم، حصلوا على تأشيرات وخاضوا تلك الرحلة الشاقة إلى العالم الجديد.
وتخلف والدي في مارسيليا، إذ أسدى جميلاً لامرأة لبنانية بتنازله عن تأشيرته لها، بينما كانت ترغب في اللحاق بأسرتها في الولايات المتحدة. ورغم أنه تصور أن بمقدوره التقدم لطلب تأشيرة أخرى، لكنه شعر بالصدمة عندما اكتشف أنه قد تم تجميد منح التأشيرات للسوريين (الاسم الذي كان يُطلق على اللبنانيين وقتذاك).
وفي عشرينيات القرن الماضي، كان الكونجرس الأميركي يعاني حالة رهاب من الأجانب. ووصفت نقاشات الكونغرس في ذلك الوقت السوريين بـ«الطفيليات»، بل بلغ الأمر بأحد أعضاء مجلس الشيوخ إلى حد قوله: «لا نريد قدوم مزيد من القمامة إلى هنا». وظل منح التأشيرات للسوريين والدول الأخرى «غير المرغوبة» مجمداً لنحو ثلاثة عقود.
وفي مواجهة الوحدة ومستقبل مضطرب في فرنسا، حصل والدي على وظيفة على متن سفينة متجهة إلى كندا، وعند وصوله، ترك العمل، وشق طريقه في نهاية المطاف عابراً الحدود إلى الولايات المتحدة ليعثر على أسرته في ولاية نيويورك.
وعاش في خوف على مدار عقد كامل لأنه لم تكن لديه مستندات، واضطر في بعض الأحيان إلى الاختباء، حتى منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، عندما استفاد من برنامج عفو، وأصبح بفخر مواطناً أميركياً مجنّساً في عام 1942.
ولا يختلف مسار أسرتي في العالم الجديد عن مسار كثير من الأسر المهاجرة. وأنظر كثيراً إلى صورة جدتي وأطفالها السبعة عندما اجتمعوا للمرة الأولى بعد وصول والدي، وقد بدو منهكين ومتعبين، ولكن كانت على وجوههم ابتسامات الفخر لأسرة تمكنت من تحمل عقد من الحرب والخسارة والصعوبات، وأدركت أنها بدأت حياة جديدة.
ومن خلال تلك المجموعة الصغيرة المكونة من 8 أفراد، حدثت أمور عظيمة لاحقا. وعلى مدار ثلاثة أجيال من عائلة زغبي، اتسعت العائلة، وأسست عشرات الشركات التي توفر فرص العمل لمئات من مواطنينا الأميركيين، وأضحى من بيننا أطباء ومحامون وأساتذة ومعلمون، ومسؤولون منتخبون ومعينون، وأعضاء في الجيش وفي جهات إنفاذ القانون، وآخرون تميزوا في مجالات أخرى من الخدمة الاجتماعية والعامة. وجميعهم فخورون بإسهاماتهم كأعضاء في الحياة الأميركية.
وتتلخص قصتي في أنني ابن مهاجر بلا أوراق من دولة كانت مدمرة، وفرد في أسرة استفادت من القوانين التي سمحت بلم شمل الأسر.
والجدير بالاهتمام في قصتي هي أنها ليست فريدة من نوعها على الإطلاق. فملايين الأميركيين يمكنهم أن يرووا القصة ذاتها لأنها هي القصة الأميركية.. إنها ما نحن عليه.
وفي ضوء تلك القصة الشخصية، أرفض باستياء شديد الطريقة التي يحاول بها بعض الجمهوريين إعادة صياغة المصطلحات في نقاش الهجرة، ومن ثم، تشويه قصتنا الأميركية. فقد أصبحوا يشيرون إلى «لم شمل الأسر» باعتباره «هجرة متسلسلة»، و«قرعة التنوع» التي كانت تتيح الفرص أمام مهاجرين من الدول التي تم إقصاؤها من نظام الحصص القديم الذي حابى المهاجرين من دول شمال غرب أوروبا، بات الحديث عنها يتم باشمئزاز. وتم حظر المهاجرين واللاجئين من البلاد التي غادرتها أسرتي فراراً من الحرب والصعوبات الاقتصادية.
وإذا كانت هذه مسألة شخصية جداً بالنسبة لي، فهي كذلك للأميركيين كافة. وعندما أنظر إلى الجمهوريين الذين يتولون القيادة ضد الهجرة، وأولئك الذين يعملون على إعادة صياغة مصطلحات النقاش، ويصفون المهاجرين واللاجئين بصفات عنصرية، أرى أحفاداً ألماناً وأيرلنديين وإيطاليين، وجميعهم كانوا في مرحلة من المراحل ممقوتين أو محاصرين أو ضحايا للتعصب.
Leave a Reply