حين نستعرض المراحل التاريخية التي مرت بها المرأة إزاء حقها في العمل، نجد أنها قد قطعت شوطاً في إرساء هذا الحق لصالح الحفاظ على كينونتها الإنسانية، كإشغالها الوظائف العامة أو الخدمية وفقاً لتحصيلها العلمي أو المهني، أما أن يقف هذا الحق أمام شروط تخرج عن إرادتها فتلك مشكلة تستدعي الوقوف عندها من أجل تجاوزها وإعادة التوازن إلى مسيرة هذا الحق.
كثيرات من السيدات يشتكين من رفضهن في العمل بسبب السن أو بسبب قلة منسوب الجمال لديهن، حتى لو كن يطلبن العمل داخل المطبخ في المطاعم أو المحلات التي تبيع الأطعمة الجاهزة للزبائن، مثلما شكت لي إحدى السيدات حيث عملت في أحد المحلات لعدة سنوات وقدمت الكثير من الجهد وطورت العمل، الأمر الذي درّ على صاحبه الربح الوفير. قالت إنها كانت تصنع أنواعاً من أطباق وأصناف الأطعمة بيديها وبتكاليف أقل بكثير مما كان يشتريها جاهزة، لكنه وفجأة ومن دون سابق إنذار سرحها عن العمل متعللاً لها بأنها أصبحت في الخمسين من العمر ويريد أن يوظف بدلها شابة صغيرة في السن وجميلة، متذرعاً بأن متطلبات العمل اليوم تقتضي مثل هذه المواصفات، علماً بأنها كانت تعمل في المطبخ من دون أن تواجه أحداً من الزبائن. حقاً إن مثل هذه التصرفات تستدعي التساؤل!
بعد أن ذهلت من كلام تلك السيدة، رحت أتقصى الواقع فرأيت العجب حقيقة من إملاء مثل تلك الشروط في بعض أماكن التوظيف، حيث يتم الاشتراط على طالبة العمل أن تكون جميلة وصغيرة السن وتجيد التبرج وارتداء الأزياء الملفتة للنظر، فإذا توافرت فيها هذه الشروط يتم قبولها في العمل فوراً من دون الرجوع إلى الكفاءة أو الخبرة التي تتمتع بها، فلماذا لا يختار رب العمل الموظفة عن طريق امتحان التجربة ومدى الإلمام بمتطلباتها، وبعد ذلك يقرر صلاحيتها وقبولها في الانخراط بالعمل؟ وبذلك تمنح الفرصة لها لتظهر طاقتها الإنتاجية وإبداعاتها الشخصية التي قد تأتي بمردود مادي جيد لصاحب العمل.
أتساءل ماذا تفعل السيدات اللواتي يتخطين الخمسين من العمر، هل تصبح واحدتهن قعيدة البيت وتنتظر من يتصدق عليها أو تترك نفسها فريسة للكآبة والحزن ينهشانها؟ في حين أنها مازالت قادرة على العطاء والإنتاج، مادامت تحيا كأي إنسان لديه الطاقة التي تؤهله لأداء واجبات العمل.
ومن المعروف أن العمر لا يُحسب بعدد السنين بل بحسب قدرة المرء على العطاء طالما يمتلك الصحة الجيدة والعقل السليم، فكم من فئة الشباب كسالى يحيون بضعف العجائز، وكم من فئة الأعمار اللاحقة يحيون بهمة الشباب؟ فقد رأيت بأم عيني في المرافق الخدمية في الولايات المتحدة نساء من فئة العجائز يقمن بأعمال تعجز الشابات عن أدائها وهن يتمتعن بحيوية ونشاط تفوقان التصور.
أوليست المرأة مرآة المجتمع كما هو شائع؟ فهي التي تعكس مدى تقدمه وتطوره ورقيه بقدر مراعاة المجتمع لحقوقها، إذ أن هذه الحقوق ليست مجرد قضية إنسانية فحسب، بل هي قضية وطنية ترتبط بما يشهد المجتمع من تقدم في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقد أقرت المنظمات العالمية وغيرها من خلال عدة اتفاقيات مجموعة من الحقوق الأساسية للمرأة وبخاصة حق العمل.
إذا تعدت المرأة سن الخمسين وهي مازالت تحتفظ بطاقتها في القدرة على العمل وبشيء من إناقتها وتجيد التخاطب مع الآخرين بأسلوب عصري وراقٍ، أليس من الإجحاف بحقها حين تُقصى عن عملها بسبب بلوغها الخمسين مثلاً وهو العمر الذي مازال محسوباً على الشباب.
رحم الله الشاعر حين قال:
المرأة ليست عاجزة حتى يطعمها رجل
المرأة ليست عورة حتى يسترها رجل
المرأة ليست ناقصة حتى يكملها رجل
المرأة تلد نصف المجتمع وتسهم بتربية النصف الآخر.
Leave a Reply