لبنان فوق صفيح الانتخابات النيابية
تختلف الانتخابات النيابية التي ستتم قريباً في لبنان عن تلك التي جرت عام 2009.
آنذاك، فُتحت صناديق الاقتراع على وقع انقسام عميق بين فريقي «8» و«14 آذار»، واحتقان مذهبي شديد بين السنّة والشيعة، أججه إنفاق السعودية في تلك المرحلة قرابة مليار دولار على الحملات الانتخابية لحلفائها الذين كان يتصدرهم الرئيس سعد الحريري، قبل أن تكتشف لاحقاً أن هذا الإنفاق ذهب هدراً وعبثاً، وأن الأكثرية النيابية التي نالتها قوى «14 آذار» فقدت مفعولها سريعاً في أروقة اللعبة السياسية، وبالتالي لم تستطع أن تمنح الرياض أرجحية على طهران وحلفائها في الساحة اللبنانية.
والمفارقة، أن المملكة لم تخفق فقط في كسب المواجهة ضد خصومها بل هي أخفقت أيضاً في المحافظة على العلاقة المميزة التي كانت تربطها بأحد أبرز حلفائها في لبنان، وهو رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري الذي يبدو أنه بات يتصرف ويبني حساباته على أساس محاولة تأمين الاكتفاء الذاتي لتمويل معركته الانتخابية، في ظل «خيبة الأمل السعودية» من سياساته وخياراته المعتدلة.
وتفيد المؤشرات أن الرياض ليست متحمسة للانتخابات المقبلة وقانونها النسبي، بل هي تفترض أنها ستكون الأشد تضرراً من نتائج هذا الاستحقاق الانتخابي، الأمر الذي ولّد خشية على مصيره لدى العديد من الأوساط اللبنانية.
وقد أتت المغامرة المتهورة التي خاضتها المملكة مؤخراً عبر فرض الاستقالة على الحريري واحتجازه، لتكشف عن تصدع كبير في الدور والنفوذ السعوديين على مستوى الداخل اللبناني، بعدما بلغ بها التخبط وانعدام التوازن حد وضع رئيس الحكومة في الإقامة الجبرية، في تصرف غير مسبوق ومناف لمعايير العلاقات الدولية.
ومن الواضح أن ظلال تلك الأزمة المفصلية ستخيم على انتخابات 2018 التي تحيط بها ظروف مغايرة لتلك التي سادت عام 2009، مع تراجع منسوب الاصطفاف السياسي والمذهبي الحاد، وتبعثر الأوراق وتداخل المواقع، بحيث تقلصت الفوارق والحدود الواضحة بين «8» و«14 آذار»، ما يؤشر إلى أن التنافس والتحالف في الانتخابات المقبلة سيتخذان طابعاً مختلفاً هذه المرة، استناداً إلى أداة قياس جديدة.
بهذا المعنى، فإن شعارات تعبوية تتعلق بسلاح «حزب الله» أو المحكمة الدولية وما شابه، لن تشكل العصب الأساسي للخطاب الانتخابي الذي سيعتمده «تيار المستقبل»، لاسيما أن هذا التيار يعرف جيداً أهمية الدور الذي أداه الحزب في نجاح استراتيجية تحرير الحريري من «المعتقل السعودي»، إضافة إلى أن الحريري يشدد في مواقفه المعلنة على أن مسألة سلاح الحزب لم تعد شأناً داخلياً فقط، وأن معالجتها أصبحت مرتبطة بالحلول الإقليمية الأشمل، مستبدلاً خيار المواجهة مع هذا المكوّن اللبناني الأساسي بخيار «ربط النزاع».
عون–الحريري
ومن المعادلات الجديدة في الانتخابات المقبلة، أن «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» سيتحالفان في العديد من الدوائر، امتداداً للتفاهم الذي تم بينهما منذ أكثر من عام وأفضى إلى موافقة الحريري على انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وموافقة عون على تولي الحريري رئاسة الحكومة، فيما كان الطرفان قد خاضا انتخابات 2009 ضد بعضهما البعض، انطلاقاً من موقع الخصومة الشرسة.
وما عزز فرص التحالف الانتخابي بين الجانبين هو أن تفاهمهما الرئاسي اكتسب أبعاداً إضافية، شخصية وسياسية، بفعل الموقف المتقدم الذي اتخذه عون ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أثناء أزمة الحريري الأخيرة، خصوصاً لجهة رفض رئيس الجمهورية قبول استقالته الملتبسة، فيما كان باسيل يجول على العواصم الدولية لإعادته سالماً إلى وطنه، ما لقي تقديراً كبيراً من رئيس الحكومة والمعنيين من آل الحريري (بهية واحمد ونادر).
ترجيحات الخبراء
ويؤكد خبراء انتخابيون لـ«صدى الوطن» أن قانون الانتخاب الجديد، المستند للمرة الأولى إلى النسبية والصوت التفضيلي، سيدفع تلقائياً نحو محاكاة مرنة وبراغماتية للاستحقاق المقبل، من قبل معظم الأطراف السياسية، مشيرين إلى أن تركيبة هذا القانون ستفرض أحياناً على المختلفين أن يتحالفوا وعلى المتفقين أن يفترقوا لزيادة حظوظ الفوز، وبالتالي فإن المصلحة هي التي سترسم بالدرجة الأولى مسار الائتلافات والمعارك الانتخابية بالنسبة إلى اللوائح المرتقبة.
ويتوقع هؤلاء الخبراء أن يفوز خط «حزب الله» وحلفائه بالأكثرية في مجلس النواب الجديد، لافتين الانتباه إلى أن الحجم النيابي للثنائي الشيعي لن يتأثر كثيراً بمفاعيل القانون المعتمد، كونه يمثل قوة جارفة في مناطق نفوذه، بينما ستواجه الأطراف الأخرى اختبارات صعبة.
مواعيد الانتخابات في لبنان والخارج
وقع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب أعضاء مجلس النوّاب بموجب القانون رقم 44 الصادر بتاريخ 17/6/2017، وفقاً للمواعيد التالية:
– 6 أيار اقتراع اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية
– 3 أيار اقتراع الموظفين المشاركين في العملية الانتخابية
– 27 نيسان (أبريل) اقتراع اللبنانيين في الدول العربية
– 29 نيسان اقتراع اللبنانيين المسجلين في أميركا وأوروبا وأفريقيا
وستقام الانتخابات اللبنانية في الدول التالية: أستراليا، كندا، الولايات المتحدة، المانيا، فرنسا، ساحل العاج، البرازيل، السويد، بريطانيا، إيرلندا الشمالية، فنزويلا، نيجيريا، بلجيكا، باراغواي، سويسرا، إيطاليا، السنغال، غانا، إسبانيا، الأرجنتين، المكسيكي، الكونغو الديمقراطية، كولومبيا، أرمينيا، جنوب أفريقيا، رومانيا، الدانمارك، اليونان، سيراليون، الغابون، هولندا، غوادلوب، بنين، ليبيريا وغينيا، إضافة إلى الدول العربية التالية: السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، عمان ومصر.
Leave a Reply