الضغوط الأهلية والسياسية دفعت الشركة الأم إلى التراجع
ستيفن مارتن – «صدى الوطن»
بعد اعتراضات غاضبة أطلقها سياسيون وناشطون بيئيون وسكان الجوار، سحبت الشركة الأم لمنشأة لتوليد الطاقة في حي الساوث أند جنوب شرقي ديربورن، طلباً بالسماح لها بزيادة الانبعاثات السامة في منطقة تعاني أصلاً من مستويات قياسية من التلوث.
ويوم الاثنين الماضي، أعلنت شركة «سي أم أس» –وهي الشركة المالكة لمنشأة «ديربورن إندستريال جينيريشن» (ديغ)– عن قرارها بسحب طلبها للحصول على ترخيص من حكومة ميشيغن يسمح لها بإضافة توربين جديد لتوليد الكهرباء في المنشأة التي تنتج حوالي 710 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، أي ما يكفي لتزويد 760 ألف منزل بمثل هذه الطاقة.
وكان المقترح الذي تم التراجع عنه، يطالب بالسماح بزيادة الانبعاثات السامة بحوالي ١٥٠٠ طن سنوياً، لتعزيز القدرة الانتاجية لمنشأة «ديغ» الواقعة على شارع ميللر، والذي يتولى تزويد مصانع «فورد» و«أي كي ستيل» بالطاقة.
وأثار المقترح سخطاً واسعاً بين السكان المحليين، ومعظمهم من العرب الأميركيين، الذين أعربوا عن غضبهم من المستويات القياسية للتلوث البيئي في منطقة الساوث أند المحاطة بعشرات المصانع في الطرف الجنوبي من ديربورن.
وأعرب الأهالي ومشرعون حاليون وسابقون عن رفضهم المطلق للمقترح خلال جلسة استماع نظمتها «وزارة جودة البيئة في ميشيغن» يوم 16 كانون الثاني (يناير) الماضي، في ابتدائية «سالاينا» الواقعة على بُعد حوالي ألف قدم من منشأة «ديغ».
ولم يكتفِ الحضور الذين ناف عددهم عن 150 شخصاً بالإفصاح عن معاناتهم اليومية من تلوث الهواء والأمراض الناجمة عنه، بل وجهوا أصابع الاتهام إلى الجهات الحكومية بالتواطؤ مع المنشأة الصناعية والموافقة على طلبها مسبقاً، دون أي اعتبار لمعاناة السكان من الانبعاثات السامة للمصانع الثقيلة في جنوب شرقي ديربورن.
التوربين الإضافي المقترح كان من شأنه أن يزيد قدرة منشأة «ديغ» على تلبية الطلب في أوقات الذروة، ولكنه كان سيزيد في الوقت ذاته من انبعاثات أكاسيد الكربون والنتروجين ومركبات الفورمالديهايد الكيميائية وغيرها من الملوثات السامة، في منطقة يعاني سكانها من ارتفاع كبير في معدلات الإصابة بالربو والأمراض التنفسية الأخرى.
نزع الفتيل
وعلى الرغم من أن مسؤولي «دائرة جودة البيئة في ميشيغن» قد أوصوا –بعد مراجعة طلب «ديغ»– بالموافقة على إصدار التصريح، مستندين إلى أنه يستوفي الشروط التنظيمية وأن الملوثات الإضافية لن تفاقم الضرر بصحة الناس أو بنوعية الهواء. فقد جاء موقف «سي أم أس» بنزع فتيل الأزمة، مفاجئاً، إذ قررت الشركة الرضوخ لاعتراضات السكان وأخذ مخاوفهم على محمل الجد.
وجاء قرار الشركة بعد مناقشات مع «وزارة جودة البيئة» وقياديين مجتمعيين وغيرهم، التراجع خطوة إلى الوراء لدراسة مستقبل منشأة «ديغ» واستكمال المناقشات مع المجتمع المحلي لمعرفة أفضل السبل للمضي قدماً.
وفي هذا السياق، قال رئيس شركة «سي أم أس»، ريتشارد مختار: «إننا نأخذ المخاوف المتعلقة بحماية البيئة في المجتمع على محمل الجد»، مضيفاً «في الوقت الذي نتطلع فيه نحو المستقبل.. سنبدأ فوراً عملية إعادة بناء الثقة مع الأحياء والجهات المعنية العاملة في الجوار لتعزيز المزيد من التواصل والتعاون بيننا وبينهم».
ترحيب وثناء
المجتمع المحلي والمدافعون عن البيئة والصحة العامة، اعتبروا قرار سحب طلب التصريح، بمثابة انتصار لسكان منطقة الساوث أند. وقد أثنى النائب العربي الأميركي في مجلس نواب ميشيغن، عبدالله حمود (ديمقراطي–ديربورن) في بيان، الاثنين الماضي، على قرار الشركة، وقال «هذه الخطة هامة لسكان ديربورن الذين أسمعوا أصواتهم وأعربوا عن قلقهم بشأن جودة الهواء في المنطقة»، مضيفاً «إننا نثني على موقف «ديغ» لاستماعها للمجتمع الذي تخدمه ولكونها قدمت مثالاً لقاعدة: الناس أولاً».
وأكد «نحن نتطلع إلى الشراكة مع «ديغ» والقادة والسكان المحليين لتحقيق توقعات جديدة وصحية لمجتمعنا».
من جانبها، أشادت النائب في الكونغرس الأميركي ديبي دينغل (ديمقراطية –ديربورن)، بالقرار، وقالت «نحن بحاجة لضمان تمكننا من توفير طاقة موثوقة وبأسعار معقولة لجميع سكان ميشيغن، لكن الحاجة للهواء النظيف في مجتمعاتنا.. لها القدر نفسه من الأهمية».
ومن جانبه، لفت براين سميث –الاختصاصي في العلاقات المجتمعية في «مركز الردود الحضرية على صغوط البيئة» التابع لـ«جامعة وين ستايت»– إلى أن قرار «سي أن أس» بالتراجع، جاء مماثلاً لقرار شركة «ماراثون» العام الماضي، بتخفيض كمية الانبعاثات الملوثة من مصفاتها النفطية في جنوب غربي ديترويت، مشيراً إلى أنه في الماضي لم يكن يتم التحرك شعبياً ضد هذه المسائل، وقال «ما يحدث الآن جيد.. لأنه يسمح بالمساءلة.. إنه يسمح لجميع الأشخاص القيام بعملهم بالشكل الصحيح بسبب (مشاركة) الناس».
وأعرب سميث عن تفاؤله الحذر في هذا الإطار، وقال «لايزال علينا الانتظار ورؤية ما سيفعلونه في نهاية المطاف.. نحن سعداء جداً لأنه لن تضاف في الوقت الحاضر توربينات غازية جديدة لمنشأة قريبة من مدرسة ابتدائية في منطقة تعاني بالفعل من تلوث الهواء».
وختم قائلاً «إذا عادت المطالبة بالتصريح فإن المجتمع سيكون جاهزاً للمجابهة».
Leave a Reply