شهر شباط، شهر خفيف لطيف، أيامه قليلة، يمضي مسرعاً معلناً انتهاء برد «كوانين». تشرق شمسه تنبيهاً للطبيعة بأن تستعد للربيع القادم، وفي منتصفه أجمل عيد وأروع مناسبة: يوم الحب، أو يوم العشق وليس أجمل وأروع من الحب والعشق في هذه الدنيا. فلو أحب الناس بعضهم بعضاً كما أمرتنا تعاليم السماء: أحبُّوا بعضكم بعضاً، و«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، لكانت الدنيا بألف خير.
تصوَّر هذا الكون يملؤه الحب بدل البغض. يسوده الود بدل الكره. حكمته الرحمة بدل القسوة، دينه التسامح بدل التزمّت، فضاؤه الدفء الإنساني بدل البرد الوحشي. أعرف أن هذه الأمنيات والرغائب لا تنتهي وهي طبع العديد من البشر الأسوياء الذين سعوا إلى سعادة الإنسان وازدهار الأرض، ولكن دائماً هناك أيادٍ سود ترمي كرات الشر على هشيم البغض، وتسعر ناراً من الحروب والكوراث. رغم ذلك يبقى الحب. وبكل حب أحمل أجمل وردة إلى كل من يقرأ هذه الكلمات وأقول: أحبك!
المفروض أن الحب ليس فرضاً مدرسياً أو سنَّة مؤكَّدة، ولا يحدث بالتخطيط والتكتيك، مثلاً 14 شباط على الأبواب والدعايات في كلِّ مكان عن عيد الفالنتاين وهداياه، ولازم أن تحب أو تعلن عن حبك في ذلك التاريخ لشخصٍ ما، فالحب الحقيقي بين شخصين من جنسين مختلفين يحدث بلا «إحِم ولا دستور»، ولست بحاجة لإذن خاص لتجد نفسك منجذباً نحو شخص ما. والحب الحقيقي لا يحتاج لفالنتاين للتعبير عنه في يومٍ معين. كما أن الحب الحقيقي لا يكون بالضرورة بين رجلٍ وامرأة، بل هو بالعكس يشمل أمك وأباك وأختك وأخاك وقبيلتك التي تؤويك، أو أي مخلوق رباك ورعاك ولم يؤذك.
وبالرغم من البؤس الذي يسود العالم، لا زال حولنا أناس نبلاء بغض النظر عن جنسياتهم ومعتقداتهم، والدنيا بخير طالما فيها محبُّون وفاعلون للخير. وهذه قصة حب حقيقية وطازجة حدثت هنا في منطقة ديترويت الكبرى.
تفاجأ الأب والأم بطلب ابنتهما الصبيَّة الصغيرة بالسماح لها بقص شعرها كلياً وعلى الزيرو (كومبليتلي) حتى تظهر فروة الرأس! فصرخت الأم: هل أنت مجنونة؟ تريدين أن تكوني مثل البنات الصعلوكات المسترجلات اللواتي يتخلصن من شعر رؤوسهن ويثقبن شفاههن وألسنتهن لوضع حلقات فيها؟ شوفي يا بنت.. أنت هندية وستظلين هندية، والشعر في ثقافتنا هو تاج راسك وعليك نسيان موضوع «الصلعة بالحلاقة» وإياكِ ثم إياكِ أن تعتبري نفسك أميركية قبل أن تكوني هنديّة.
وأحسَّ الأب بالحرج من طلب إبنته وبعد جدال طويل وافق الوالدان على قصّ شعر ابنتهما بناء على رغبتها، رغم عدم رضاهما عن ذلك. وهكذا اصطحب الأب الإبنة إلى الحلّاق الذي قصَّ شعرها الجميل الطويل بينما الأب يحس بالألم كلما تهاوت خصلات شعرها الأسود الحرير أرضاً.
في اليوم التالي أوصلها إلى المدرسة وتوقف عند البوابة متحسراً على شعرها ومتوجساً من أنها ستتعرَّض لضحكات الإستهجان من زميلاتها في المدرسة. وبعد قليل وقفت سيارة قرب البوابة وخرجت منها فتاة رأسها أجرد وذات صلعة جراء إصابتها بسرطان الدم. كانت صديقة إبنته التي نزلت أمها من السيارة واحتضنت ابنتها وصديقتها وبكل دموع الإمتنان شكرت الأب الهندي وابنته حيث سمح لابنته لتتخلص من شعرها الطويل الجميل تضامناً مع ابنتها الصلعاء بسبب السرطان. أليس هذا هو الحب بأبهى حلله؟
Leave a Reply