منذ نحو أكثر من ست سنوات، والعدو الإسرائيلي يحاول امتحان سوريا، فيما إذا كانت قادرة على الرد على اعتداءاته، التي بلغت نحو مئة منذ العام 2012، وبعد عام على اندلاع الحرب الكونية عليها، والتي شاركت فيها إسرائيل من خلال فتح حدودها أمام الجماعات الإرهابية التكفيرية، التي وصلت إلى الحدود مع الجولان المحتل، والمنطقة التي كانت تشغلها القوات الدولية (الأندوف) في القنيطرة ومرتفعات جبل الشيخ.
الاستهداف الإسرائيلي
وفي كل اعتداء تشنّه الطائرات الإسرائيلية على مراكز ومواقع في سوريا، كانت إسرائيل تعلن أنها استهدفت قافلات تنقل سلاحاً لـ«حزب الله» في لبنان، أو مخازن أسلحة، أو مصانع لتصنيع الصواريخ، بحيث قصفت مرتين منشأة للدفاع والبحوث السورية في جمرايا قرب دمشق على أنها مركز لتصنيع الأسلحة والصواريخ. ويعتبر الكيان الصهيوني أن «حزب الله» تمكّن –ومنذ العدوان الإسرائيلي في صيف 2006– من امتلاك أسلحة نوعية مضادة للطيران من نوع «أس – 300» الروسية الصنع، إضافة إلى صواريخ إيرانية يصل مداها إلى مسافات بعيدة داخل إسرائيل، وصولاً إلى موقع «ديمونا» النووي الذي هدّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله باستهدافه إذا ما شنّ العدو الإسرائيلي حرباً جديدة على لبنان، وهو تهديد أخذه قادة العدو بجدية، وقرروا منع وصول الأسلحة إليه عبر سوريا، علماً بأن إسرائيل حاولت أثناء البحث في قرار مجلس الأمن الدولي 1701 لوقف الأعمال العسكرية في عدوان تموز 2006، أن يشمل انتشار القوات الدولية الحدود الشرقية والشمالية للبنان مع سوريا، لمنع تدفق السلاح إلى «حزب الله». غير أن مجلس الأمن عاد وحدد مهام قوات الطوارئ الدولية بالحدود الجنوبية من الناقورة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لمدينة الغجر، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم ينسحب من هذه المناطق، ولم تقم القوات الدولية بالطلب منه بالانسحاب، إضافة إلى مهمة مراقبة المياه الإقليمية اللبنانية من جانب البحرية الألمانية المشاركة في قوات «اليونيفل».
إيران في سوريا
ومع فشل إسرائيل في منع «حزب الله» من زيادة ترسانته العسكرية، التي تقدرها بنحو 150 ألف صاروخ، منها صواريخ باليستية، فإن الكيان الصهيوني متضايق من الوجود الإيراني في سوريا، والذي يعتبره خطراً على وجوده، حيث ترفع طهران شعار «الموت لإسرائيل»، و«إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها»، وقد جاءت الأحداث في سوريا لتزيد من قوة إيران فيها من خلال مقاتلين حلفاء لها كـ«حزب الله» في لبنان و«عصائب أهل الحق» في العراق، واقتصر دور إيران على وجود مستشارين يقودهم اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي يشرف هو شخصياً على عدد من المعارك في أكثر من جبهة في سوريا، والتي أدّت إلى تحرير مناطق واسعة من الجماعات الإرهابية التكفيرية، من ضمنها الحدود العراقية–السورية في منطقة البوكمال، التي فتحت جزئياً طريق طهران–بغداد–دمشق–بيروت، وهذا أكثر ما تخشاه إسرائيل –وخلفها الولايات المتحدة– من قيام هذا العمق الاستراتيجي، الذي يسميه بعض العرب بـ«الهلال الشيعي»، في سياق إثارة العصبية المذهبية، واستنفار «أهل السّنّة» ضد إيران.
المقاومة في سوريا
تطورات الأزمة السورية واشتداد محور المقاومة الذي تخشاه إسرائيل ودول عربية، بدأ يؤسس لمقاومة في جنوب سوريا، وتحديداً في المنطقة المحاذية للجولان المحتل، حيث تنبّه قادة العدو لذلك، ورصدوا تحركات لقياديين في «حزب الله»، واغتالوا قبل ثلاث سنوات في ريف القنيطرة جهاد مغنية نجل القائد العسكري للمقاومة الإسلامية، عماد مغنية، الذي تصادف في 12 من شباط (فبراير) الحالي الذكرى العاشرة لاغتياله في دمشق من قبل «الموساد» الإسرائيلي وعملائه، حيث كان استشهاد جهاد الضربة الأولى للعدو الإسرائيلي التي أصابت مؤسسي المقاومة في جنوب سوريا واستشهد معه أحد الضباط في «الحرس الثوري الإيراني»، وأربعة من القادة العملانيين في «حزب الله»، حيث لم يمضِ وقت طويل حتى تم اغتيال الأسير المحرر سمير القنطار في مدينة جرمانا جنوب دمشق، وهو أحد القادة المؤسسين للمقاومة أيضاً في الجولان المحتل والقنيطرة.
وهذا التنامي لوجود المقاومة في القنيطرة وريفها، كما في ريف دمشق الجنوبي، واجهته إسرائيل أيضاً، بتسهيل وصول الإرهابيين إلى هذه المنطقة وتمركزوا في بيت جن، وحاولوا مرات عدة التقدم إلى بلدة حضر ومدينة البعث وبلدات أخرى، لكن الجيش السوري وحلفاءه منعوهم من ذلك، وكان الهدف الإسرائيلي هو إبعاد المقاومة إلى مسافة 40 كلم وأكثر وإقامة «حزام أمني»، لكن المحاولات الإسرائيلية باءت بالفشل، وتمكّنت القوات السورية و«الدفاع الوطني» من دحر «جبهة النصرة» وحلفاء لها، ودحروها من المنطقة بإتجاه إدلب قبل أشهر قليلة، وهو ما وضع إسرائيل بمواجهة مباشرة مع الجيش السوري والمقاومة، حيث سعى بنيامين نتنياهو لدى روسيا إلى إبعاد إيران و«حزب الله» عن المنطقة الحدودية، وأن تعود الحال إلى ما كانت عليه قبل الأزمة السورية، بعودة القوات الدولية إليها، إلا أن الطلب الإسرائيلي قوبل بعدم اكتراث روسي.
القلق الصهيوني
اليوم، تجد إسرائيل نفسها بمواجهة مباشرة مع المقاومة في الجولان، والتي سبق لها ونفّذت عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا انطلاقاً من هذه المنطقة، حيث باتت جبهتا لبنان وسوريا واحدة، وهو ما كان دعا إليه «حزب الله» مع عمق استراتيجي يصل إلى العراق وطهران بما يهدّد أمن إسرائيل.
وتحاول إسرائيل أن تزيل قلق المستوطنين بالبدء ببناء جدار فاصل عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والذي تسبّب برفض لبناني وشكوى إلى الأمم المتحدة، وتأكيد من لبنان الرسمي والسياسي والشعبي، على أن أي اعتداء إسرائيلي على السيادة اللبنانية سيواجه بالرد المناسب، وأعطت الحكومة اللبنانية والمجلس الأعلى للدفاع تعليمات إلى الجيش اللبناني بالتصدي لأي خرق إسرائيلي للحدود الدولية، وهو ما أبلغه المسؤولون اللبنانيون إلى مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد، أثناء زيارته إلى لبنان، والذي حاول طمأنتهم بأنه ستتم معالجة الموضوع الذي بحثه القادة اللبنانيون أيضاً مع وزير الخارجية الأميركية ريكس تليرسون أثناء زيارته إلى بيروت.
دمشق تغيّر قواعد اللعبة
مع تمادي إسرائيل بغاراتها وقصفها لمواقع متعددة في أنحاء سوريا، بزعم أنها مراكز عسكرية وتصنيعية، جاءت الغارة الأخيرة على مطار تيفور قرب تدمر على أنه استهداف لقاعدة عسكرية إيرانية مزعومة، انطلقت منها طائرة مسيرة من دون طيار (درون) وفق الادعاء الإسرائيلي الذي روجت لها وسائل الإعلام الغربية والعربية للتغطية على صدمة إسقاط طائرة «أف–16» المتطورة بصواريخ الجيش السوري الذي استخدم منظومة «سام ٥» القديمة نسبياً، ليحدث تغييراً مفاجئاً في قواعد الاشتباك بعد سبع سنوات من محاولات استنزافه.
على مدى الأزمة السورية كان العدو الصهيوني يتعاطى مع اعتداءاته الجوية وكأنها نزهة، وكانت الغارات تتم من فوق الأراضي اللبنانية أو الأراضي المحتلة، باعتبار أن الجيش السوري لن يجرأ على التصدي لها. لكن في هذه المرّة كان الردّ حاسماً من دمشق برسالة ردع حقيقية أرادت القيادة السورية أن توصلها إلى قادة العدو، لاسيما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي كان قد تفقد الجبهة الشمالية مع سوريا، بعد مناورات لقوات الاحتلال، وأعلن أنه لن يسمح بوجود مقاومة في سوريا، ولا نفوذ لإيران فيها.
وقد حاول الكيان الصهيوني بعد إسقاط الطائرة وإصابة طياريها الاثنين، ونجاة ثانية من النيران السورية، أن يوحي بأن المعركة هي مع إيران وأن مراكزها هي المستهدفة، مرسلاً بذلك رسالة إلى واشنطن والدول العربية والخليجية تحديداً، إن تقليص وجود إيران وأذرعها قد بدأ، كما حاولت وسائل الإعلام التقليل من التصدي السوري للطائرة، وزعم بعضها أن سقوط الطائرة كان بسبب عطل تقني وخطأ من الطيارين اللذين حاولا المناورة، فأصابت شظايا الصواريخ الطائرة التي سقطت في الجليل الأعلى المحتل وتسببت في حالة ذعر في الداخل الإسرائيلي.
تحول استراتيجي
رأى محللون وخبراء عسكريون في القرار السوري بالتصدي للغارة الإسرائيلية فوق الأراضي المحتلة، تغييراً للمعادلة وقواعد الاشتباك، بأن سوريا لم تعد تقبل بالعربدة الإسرائيلية، وأن جيشها هو من أسقط الطائرة، ولا علاقة لإيران بذلك، ولا يوجد لها قاعدة في تدمر، وهو ما أكده أيضاً نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في وقت دعت فيه موسكو إلى التهدئة وضبط النفس، حيث حاول نتنياهو في اتصاله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أخذ تطمينات بأن الحرب لن تتوسّع، بعد أن واجه معارضة داخل الكيان الصهيوني، بأخذ إسرائيل نحو حرب ستكون مكلفة عليها، لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية –الذي بدأ خناق الفساد يضيق عليه في الداخل– استمر في مكابرته بأن بلاده وضعت خطوطاً حمراً في سوريا، وأن قواعد الاشتباك الإسرائيلية لن تتغيّر، فجاءه الرد الدمشقي بأن القرار قد اتّخذ، ولن تبقى دولة الاحتلال من دون ردع، والحرب الداخلية لن تمنع الجيش السوري من خوض المواجهة مع العدو الخارجي.
دمشق تتوعد بـ«مفاجآت» لكل من ينتهك السيادة السورية
دمشق – أكّدت دمشق أنّ الجيش السوري لا يزال قادراً على توجيه الصفعات ويحمل المفاجآت لكل من يستبيح السيادة السورية.
وأكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الأربعاء الماضي، أنّ الجيش السوري سيُسقط أية طائرة معادية تدخل الأجواء السورية، مشدداً على أن السماء السورية ليست مباحة أمام من وصفهم بـ«الغزاة».
وكان تصريح المقداد هو الثاني في أقل من 24 ساعة لمسؤول سوري يؤكد جاهزية الجيش السوري للردّ على أي اعتداءات وانتهاكات للسيادة السورية.
وفي مؤتمر صحفي مع عدد من الإعلاميين قال المقداد إن لدى سوريا منظومة دفاع جوي قادرة على الدفاع عن البلاد مضيفاً أن «الدفاعات الجوية السورية أسقطت الكثير من الصواريخ قبل الطائرة».
وكان معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان أكد «أن الجيش السوري لا يزال قادراً على توجيه الصفعات لكل من يستبيح السيادة السورية» متوعداً بـ«مفاجآت» لكل معتدٍ على سوريا.
وبشأن اعتداءات إسرائيل على الأراضي السورية، لفت سوسان إلى أن الرد على هذه الاعتداءات يتم في كل يوم «فنحن نقارع أدوات إسرائيل على الأرض»، على حد تعبيره.
وقال سوسان «ثقوا أن المعتدي سيتفاجأ لأنه ظن أن حرب الاستنزاف التي تعرضت لها سوريا خلال 7 سنوات جعلتها غير قادرة على مواجهة أي اعتداء وما حصل كذب هذه القناعة وسيتفاجأ في كل مرة من يحاولون الاعتداء على سوريا».
وتابع معاون وزير الخارجية السورية «انتصرنا على أدواتهم في سوريا.. وإسرائيل تخلّت نتيجة مرارة الهزيمة عن دور الوكيل، ودخلت بالأصالة وتلقت ما تستحق، ونحن ليس أمامنا إلا الدفاع عن بلادنا وحماية شعبنا».
وشدّد معاون وزير الخارجية السورية على أن بلاده ستعود كما كانت «شاء من شاء وأبى من أبى»، مضيفاً أنه لا مكان للوجود الأميركي أو غيره على الأراضي السورية.
أما بشأن مؤتمر سوتشي الأخير، فقد أكد سوسان أن سوريا كدولة «ملتزمة فقط بما تم التصويت عليه في مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، وهي غير ملزمة بأية لجنة ليست سورية–سورية تشكيلاً ورئاسة وحواراً، ولا علاقة لها بها».
Leave a Reply