مواقف متناقضة بشأن كوريا الشمالية .. وانتقاد من ترامب
واشنطن – محمد دلبح
نفى الفريق هربرت ماكماستار، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تكون لدى الولايات المتحدة سياسة «الأنف الدامي» التي كان عدد من وسائل الإعلام الأميركية والغربية أفادت خلال الأسابيع الأخيرة بأن هذا الهجوم هو أحد الخيارات لمواجهة برنامج كوريا الشمالية المتنامي للأسلحة النووية.
وقال العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ شيلدون وايتهاوس إن ماكماستر أبلغ عدداً من أعضاء الكونغرس في جلسة مغلقة قبيل سفره إلى ميونيخ للمشاركة في مؤتمر الأمن، الأسبوع الماضي «إننا هنا لنؤكد على أنه لم يكن هناك ولن تكون أية استراتيجية للأنف الدامي».
وركز ماكماستر في مداخلاته في المؤتمر الدولي على النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط وسبل التصدي له، مكتفياً فقط بدعوة جميع دول العالم إلى «قطع العلاقات التجارية والعسكرية مع كوريا الشمالية».
وأضاف ماكماستر أمام مؤتمر ميونخ للأمن «يجب أن نضغط على كيم (جونغ أون) بكل الوسائل المتاحة، لضمان أن هذه الديكتاتورية القاسية لن تهدد العالم بأعتى الأسلحة المدمرة على وجه الأرض، دعونا نعقد النية ليس فقط على تطبيق العقوبات الموجودة حاليا، بل بالتزامنا بتخفيض العلاقات الدبلوماسية، وقطع كل العلاقات التجارية والعسكرية معها».
وكان نائب الرئيس الأميركي، مايكل بينس، قد أكد قبل أيام أن الولايات المتحدة تملك خيارات عسكرية لحل أزمة كوريا الشمالية، لكنها لا تزال تعول على حلها بطرق سلمية.
وكانت مصادر استخبارية أميركية نقلت عنها «فورين بوليسي» وصحيفة «تلغراف» البريطانية قولها إنه بدلاً من حرب تقليدية، تخطط الولايات المتحدة لشن هجمات إلكترونية ضد كوريا الشمالية لإعاقتها، في وقت تقول فيه بيونغيانغ إنها مستعدة «للحوار وأيضاً الحرب».
وقد تستهدف الحرب الإلكترونية الأميركية شبكة الاتصالات الإلكترونية وقدرة التحكم والسيطرة على الجيش الكوري الشمالي، لكنها في الوقت نفسه تتجنب وقوع ضحايا بشرية وهي بذلك تستجيب للتحذيرات بشأن هجوم مضاد ساحق تقوم به كوريا الشمالية رداً على أي هجوم قد تتعرض له مرافقها الصاروخية والنووية.
غير أن موقف ماكماستر يبدو أنه غير مقنع استناداً إلى تاريخه العسكري وكيفية اتخاذه القرارات، حيث كان عدد من الخبراء العسكريين الأميركيين، بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس قد حذروا من أن حرباً تشنها الولايات المتحدة ضد كوريا الشمالية ستكون صعبة ومدمرة ودموية بشكل لا يصدق، قد تسفر عن ملايين الضحايا قتلى وجرحى من بينهم نحو 500 ألف أميركي من العسكريين والمدنيين.
وسبق لماكماستر في اجتماعات لطاقم ترامب للأمن القومي والسياسة الخارجية أن أصر على أن «الضربة العسكرية تعتبر خياراً جدياً».
وماكماستر حاصل على ميدالية النجمة الفضية وهي ثالث أرفع وسام عسكري يمنح للضباط الأميركيين في ميدان المعركة، وقد منحت له لدوره في قيادة معركة الدبابات في العدوان الأميركي الأول على العراق عام 1991 الذي سمي حرب تحرير الكويت، حيث كان وقتها برتبة نقيب. وتقول رواية البنتاغون إن تسع دبابات من طراز «أبرامز» M1A1 كانت تحت قيادته دمرت خلال 23 دقيقة، 28 دبابة عراقية دون أن تتعرض أي من دباباته إلى إصابات، علماً أن دبابات «أبرامز» كانت متطورة بشكل يفوق بكثير دبابات «تي–72» العراقية القديمة وتتوفر فيها وسائل الحماية التي تجعلها مضادة للقذائف الصاروخية المضادة للدبابات ومحمية حتى من اليورانيوم.
كما شارك ماكماستر في الحرب على أفغانستان، وفي الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وفي عام 2005 قاد العمليات العسكرية ضد المقاومة العراقية في تلعفر وهي مدينة في شمال العراق كانت تضم 200 ألف شخص، ارتكب فيها مجزرة، حيث أمر بشن هجوم بري وجوي ساحق دمر أكثر من 60 بالمئة من مباني المدينة وقتل الآف من سكانها وتم تدمير مساجد ومدارس والبنى التحتية بشكل شبه كامل، ولم يرعو عن استخدام أسلحة محرمة دولياً بما فيها غازات سامة وفق ما ذكرت تقارير حينذاك.
وتثير خبرات ماكماستر في العراق مخاوف من أنه كمستشار للأمن القومي قد يسيء فهم تبعات الحرب أحادية الجانب معتمداً فقط على ما تملكه واشنطن من آلة حرب مدمرة قادرة على تحطيم أعدائها ومواجهة أي رد محتمل.
انتقاد من ترامب
ويعرف عن ماكماستر أنه يعبر عن رأيه بصراحة وحسم. وكانت مجلة «التايم» الأميركية أدرجته على قائمة أكثر عشرة أشخاص تأثيراً في العالم عام 2014، ووصفته بأنه «قد يكون أفضل من يتمتعون بفكر المحارب في القرن الحادي والعشرين».
غير أن ماكماستر الذي عينه الرئيس دونالد ترامب مستشاراً للأمن القومي عام ٢٠١٧ خلفاً للجنرال المتقاعد مايكل فلين، لا يبدو أنه يحظى برضا سيد البيت الأبيض الذي انتقده الأسبوع الماضي علناً لتصريحه أمام «مؤتمر ميونخ للأمن» بأن أدلة التدخل الروسي في انتخابات 2016 «لا جدال فيها»، دون أن يذكر –كما أعلن ترامب– أن نتائج الانتخابات لم تتأثر أو تتغير بسبب التدخل الروسي، بحسب ما توصل إليه المحققون.
انتقاد ترامب لماكماستر قد يكون تمهيداً لإزاحته من منصبه، لاسيما مع تصاعد أصوات في واشنطن تقلل من قدرات مستشار الأمن القومي في التعامل مع ملف كوريا الشمالية،
ويقول العقيد المتقاعد لورنس ويلكيرسون، الذي كان رئيس هيئة موظفي وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول إن «ماكماستر لا يعرف سوى القليل جداً عن شبه الجزيرة الكورية. نقطة على السطر».
وتعليقاً على تقليل ماكماستر من مخاطر الهجوم على كوريا الشمالية في ميونخ، يقول ويلكيرسون «هذا تقريباً ما قد يقوله أي ضابط أميركي»، ولكن تطورات الأحداث قد تغير المواقف.
ويضيف أن قلة خبرة إدارة ترامب مع تضخم الـ«أنا» الأمر قد «يجعل الوضع محفوفاً بالمخاطر» لافتاً إلى أن «وجود ماكماستر، لتقديم المشورة للرئيس ليست مريحة كما يعتقد البعض. لذا أنا قلق للغاية».
لكن هل سيبقى ماكماستر في منصبه بعد انتقاد ترامب له علناً؟
مصادر البيت الأبيض ومحللون يعتقدون أن ترامب قد يقدم على خطوة طرده استناداً إلى سابقة وقعت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حين بحث ترامب مع دائرة صغيرة من كبار مساعديه –بمن فيهم رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض جون كيلي– مصير ماكماستر، الذي لم يكن قد تم اختياره بعد لتولي المنصب، لكنهم قرروا في نهاية المطاف اعتماده.
ونقل موقع «بوليتيكو» عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن ترامب وكيلي لم يتمكنا من التوصل إلى حل بديل آنذاك، إذ كان ترامب يرغب في تعيين جون بولتون، المندوب الأميركي الأسبق لدى الأمم المتحدة في عهد جورج بوش الابن، غير أنه قوبل بمعارضة من كيلي الذي يعمل على طلب مشورة وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي خدم تحت إمرته في الحرب على العراق، فيما كان ماكماستر أحياناً يقف إلى جانب الأعضاء الأكثر تشدداً في طاقم ترامب للأمن القومي وضد ماتيس وكيلي.
ويبدو أن ماكماستر هو الآخر يبحث عن بديل بالتطلع إلى منصب رئيس هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة خلفا لرئيسها الحالي الجنرال جوزيف دانفورد.
Leave a Reply