هل يعترف حسين بري بخطئه .. ويصحّحه؟
أما وقد قالت محكمة مقاطعة وين الكلمة الفصل بشأن الدعوى المرفوعة أمامها من قبل عضو مجلس ديربورن التربوي حسين بري، ضد المنطقة التعليمية والمجلس التربوي ورئيسته ماري لاين، فقد آن الأوان لوضع الأمور في نصابها الصحيح بعيداً عن المناكفات والمهاترات التي لا طائل منها.
وأول هذه الأمور أن القضية برمتها كانت مضيعة للوقت ومبددة لأموال دافعي الضرائب التي كان من المفيد توظيفها لتمويل ودعم الخدمات المقدمة لطلاب ديربورن، ناهيك عن أنها عمّقت شروخ الانقسام والتمزق في مجتمع جاليتنا الذي يعاني أصلاً من مشاكل تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم.
وعلى ناخبي المدينة أن لا ينسوا أن الكلفة المادية والمعنوية الثقيلة لعملية تعيين سيدة الأعمال العربية الأميركية سيليا ناصر عضواً في مجلس ديربورن التربوي خلفاً للقاضية المستقيلة مريم بزي، كان من الممكن تفاديها بأقل الجهود، عبر تحكيم العقل، والامتثال للعملية الديمقراطية التي أفضت إلى تعيين ناصر في حزيران (يونيو) الماضي، وتجنيب جاليتنا الإحراج والتصدعات والشائعات والأكاذيب المثيرة للاشئمزاز بحق منظمات وشخصيات محترمة كرست حياتها من أجل خدمة العرب الأميركيين وتعزيز حضورهم السياسي والثقافي في منطقة مترو ديترويت.
لقد أبطل القاضي دانيال هاثاواي –الاثنين الماضي– القضية الفارغة، وحكَمَ لصالح المنطقة التعليمية. ونص قرار المحكمة على إبطال «جميع مزاعم بري» لعدم تقديم أية مبررات معقولة للتقاضي، ولكن البعض مصممون على الإيغال في غيهم حتى آخر الخط، موهمين أنفسهم –ومن لف لفهم– بأن القاضي نفسه فاسد وأن المحكمة متآمرة عليهم!
إلى هذا الحد وصلت عقدة الاضطهاد لدى بعض الذين لا يوفرون فرصة، ولا مناسبة، من دون أن يطالعونا على وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواع الأكاذيب والأقاويل والفبركات لدرجة أن بعضهم تداعوا إلى التظاهر أمام المحكمة احتجاجاً على الحكم قبل صدوره. فلربما كانوا يدركون في قرارة أنفسهم تفاهة القضية وخلوها من الأسانيد القانونية فبادروا إلى التشكيك بالحُكم والحكَم ظناً منهم بأن ذلك سيحفظ لهم ماء وجوههم!
سخافة الاتهامات التي شنها بعض متصفحي السوشال ميديا بين مجتمع الجالية العربية بديربورن ممن وصفوا عملية تعيين ناصر بـ«الفساد»، كانت واضحة منذ البداية، وكان لدى هؤلاء، الفرصة الكاملة لرؤية الأمور على حقيقتها، إذ لا تحتاج إلى ذكاء لامع لإدراك النتيجة الطبيعية التي ستصدر عن المحكمة..
كذلك، فإن التهجمات الجائرة على «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) وأعضائها، وعلى صحيفة «صدى الوطن» وناشرها الزميل أسامة السبلاني، لم تحمل سوى الأكاذيب الفاضحة والافتراءات التي إن كانت تنم عن شيء، فهي تنم عن الفشل والكراهية التي تسود قلوب بعض الكسالى العاجزين عن القيام بأية أدوار فعالة من شأنها أن تفيد مجتمع جاليتنا، ولا يجدون لهم مكاناً إلا بالتصويب على الإنجازات التي يحققها الناشطون في مجتمعنا، والمكانة التي وصلت إليها مدارس ديربورن العامة خير دليل على ذلك!
اليوم، ورغم مرور عدة شهور على تعيين ناصر، لا يعرف الناس من كان خيار بري لملء المقعد بدلاً من ناصر. وما هذا إلا دليل آخر على الجنوح إلى التعطيل عوضاً عن العمل الجماعي لتحقيق التقدم.
لقد انتُخب بري –بأصوات الناخبين في ديربورن– من أجل اتخاذ القرارات الصعبة والتوافق مع زملائه في المجلس التربوي من أجل مصلحة طلاب المدينة، وليس من أجل المقاضاة وزرع بذور الفتنة والانقسام. فمنذ البداية أراد بري أن يتخلى المجلس عن دوره في عملية التعيين ونقلها إلى «المجلس التربوي الإقليمي في مقاطعة وين» (ريسا).
لعله كان بذلك يعتقد أن «ريسا» لن تتردد في اختيار صديقته روكسان ماكدونالد لكونها عضواً سابقاً في المجلس ولأن لديها أصدقاء في «ريسا»، ولكن رغم ذلك لم يتجرأ بري على التصويت لها. ليثبت أنه يفتقد ليس فقط إلى حس المسؤولية بل أيضاً إلى الجرأة والشفافية في اتخاذ القرارات الصعبة.
إن تعدد الآراء أمر سليم، ولكن رفض الامتثال لرأي الأغلبية في مجتمع ديمقراطي هو سلوك مدمر ينم عن فقدان صاحبه أدنى مقومات الثقة واللياقة. والطريف في الأمر أن اثنين من زملاء بري في المجلس ممن صوتوا ضد تعيين ناصر امتثلوا لنتائج التصويت، ولم يعمدا –كصاحبنا– إلى إثارة الغبار والضجيج داخل المجلس وخارجه، ولم يحتكما إلى القضاء للطعن بقرار تعيين سيليا.
كذلك، إن التقاضي هو حق راسخ لجميع المتظلمين، والاحتكام إلى القانون هو سلوك متمدن ينم عن رغبة بفض النزاعات الحقيقية بطريقة حضارية، ولكن القضية التي رفعها بري لا تندرج ضمن هذا السياق، وإنما هي قضية كيدية بامتياز. فالدعوى لا أساس قانونياً لها، ومع ذلك أصر العضو العربي على رفعها مطالباً بتعويضه بمبلغ 25 ألف دولار عن كل مخالفة مزعومة، كانت ستقتطع في حال كسبها من أموال المجلس التربوي.. أي أموال طلابنا.
على الأرجح أن فيسبوكيي الشتائم ومروجي الإشاعات والأكاذيب لن يتعلموا شيئاً من هذه التجربة.. وهذا لا يهم، فما يهم حقاً هو أن يستفيد أبناء مجتمعنا مما حدث ويدركوا أن المحرضين والغوغائيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن لف لفهم على أرض الواقع، ليسوا جديرين بالثقة والاحترام ولا يتمتعون بأدنى معايير المصداقية والنزاهة، وبالتالي لا يستحقون أن يؤخذوا على محمل الجد. الاتهامات الباطلة والأكاذيب انتشرت كالعدوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمادي البعض كان بلا حدود.. فقط لأن النتائج التي انتظروها لم تأتِ مطابقة لرغباتهم وتوقعاتهم. وحتى القاضي هاثاواي لم يسلم منهم.
الآن، باتت الحقيقة واضحة: لم يكن هنالك فساد ولا مؤامرات ولا تحالفات سرية ولا صفقات تحت الطاولة.. كانت العملية بمجملها ديمقراطية وقانونية وشفافة، وجرت جميع فصولها أمام الملأ، وتحت أنظار الجميع!
الآن، هو الوقت المناسب للتقييم وإدراك العبر والاعتراف بالأخطاء والتراجع عنها لرأب التصدعات في مجتمعنا ومواجهة التحديات التي تتزايد يوماً بعد يوم.
والآن أيضاً، هو الوقت المناسب لحسين بري وغيره للعودة إلى جادة الصواب وإعادة النظر بما قاموا به والاعتراف بالضرر الذي ألحقوه بالجالية. فهل يتمتع بالجرأة المطلوبة؟ أم سيكابرون ويبقون كالذين.. في غيهم يعمهون؟
Leave a Reply