إهتزت مصداقية الدولة اللبنانية وصورتها تحت وطأة التجاذبات الحادة التي رافقت قضية الممثل زياد عيتاني والمقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج المتهمة بأنها فبركت له ملف عمالة لإسرائيل.
وأسوأ ما في هذه القضية أنها تهدد بفقدان الثقة بالمؤسسات الأمنية والقضائية التي يفترض أن تمنح الأمان والعدالة، فإذا بها تصبح مصدراً للهواجس والقلق، إلى حد أن هناك من راح يتساءل حول حجم النزاهة في مقاربة الملفات السابقة أو اللاحقة.
لم تعد المسألة محصورة في عيتاني أو الحاج، بل أن السلطة بحد ذاتها أصبحت «متهمة» بالخفة والقصور في التعامل مع قضايا حساسة، تتعلق بالأمن القومي للبنان، إذ ليس أمراً بسيطاً أن تتعارض تقديرات الأجهزة الأمنية وتتفاوت الاتجاهات القضائية، عندما يكون الملف متعلقاً بالتعامل مع إسرائيل.
لقد أعادت هذه المسألة، الفائقة الخطورة، تحريك جمر الصراع بين الأجهزة التي كانت قد نجحت خلال الفترة الماضية في تحقيق حد أدنى من التعاون والتنسيق، في مواجهة خطر الخلايا التكفيرية والموساد الإسرائيلي، الأمر الذي ساهم في صناعة إنجازات نوعية وتحصين الاستقرار الداخلي.
أجهزة متنافرة!
لكن ما حصل في قضية عيتاني أعاد عقارب الساعة إلى الوراء وجدد النفور بين المؤسسات الأمنية التي يحمل كل منها صبغة سياسية معينة. صحيح أن تنافسها هو امر ايجابي يؤدي إلى تحفيزها من اجل تفعيل الجهد وبلوغ الافضل، لكن هناك خيطا رفيعا بين التنافس والصراع، من شأنه إذا انقطع أن يتسبب في تداعيات سلبية على علاقة الأجهزة بعضها ببعض، وبالتالي على المصلحة الوطنية العليا.
وفيما أصر جهاز «أمن الدولة» على صوابية الإجراءات التي اتبعها في ملف عيتاني ونزاهة التحقيقات التي أجراها معه وما تمخض عنها من اعترافات، بعدما بادر إلى توقيفه قبل أشهر بشبهة التعامل مع المخابرات الإسرائيلية.. أرجع «فرع المعلومات» في قوى الأمن الداخلي القضية إلى المربع الأول، وخلط الأوراق مجدداً على وقع توسعه في التحقيق بطلب من القاضي رياض أبو غيدا.
ووفق ما تسرب، فإن التحقيق الفني الذي أجراه «فرع المعلومات» أفضى إلى ظهور وقائع جديدة، أبرزها اعتراف احد قراصنة الانترنت بأنه بادر إلى فبركة ملف العمالة بحق عيتاني بناء على طلب الرئيسة السابقة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن المقدم سوزان الحاج التي يُنسب إليها أنها أرادت الانتقام من عيتاني نتيجة مساهمته في فصلها من عملها بعد تعميمه «لايك»، كانت الحاج قد وضعتها على تغريدة للمخرج شربل خليل ينتقد فيها السعودية، علماً أن الحاج أصرت خلال التحقيق معها على إنكار الاتهام الموجه إليها بتحريض قرصان الانترنت على فبركة القضية.
انعكاسات سلبية
وما زاد من حساسية الموقف المستجد، هو أن «أمن الدولة» الذي يترأسه اللواء طوني صليبا محسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون، فيما «فرع المعلومات» الذي يتبع لمدير الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان محسوب على رئيس الحكومة سعد الحريري، ما هدد بانعكاسات سلبية على علاقة الرئيسين، المعروفة بأنها ايجابية وجيدة.
والأخطر من ذلك، أن نوعا من الاصطفاف الطائفي قد حصل بين مناصري هذا الجهاز ومناصري ذاك، سرعان ما انسحب على انقسام من لون طائفي كذلك بين المقتنعين ببراءة عيتاني والمقتنعين ببراءة الحاج. وأمام تدحرج كرة النار في أكثر من اتجاه، حاول عون والحريري محاصرة الحريق القضائي–الأمني وحصر تداعياته، عبر تشديدهما على ضرورة إخراج التحقيقات من دائرة التجاذب السياسي والإعلامي، والاحتكام إلى مرجعية القضاء حصراً لمعرفة الحقيقة.
لكن المفارقة هي أن الجسم القضائي أيضاً ليس متحرراً بالكامل من المؤثرات السياسية التي ساهمت أصلاً في تعيين العديد من القضاة في مناصب أساسية، الأمر الذي يقودهم بشكل أو بآخر إلى مراعاة حسابات مراكز النفوذ في الدولة ومصالحها، من باب عرفانهم بالجميل أو حماية مستقبلهم الوظيفي، وهذا ما يؤدي تلقائياً إلى انخفاض في منسوب استقلاليتهم التي تشكل شرطاً أساسياً من شروط إنجاز العدالة التامة.
وإزاء التصدع الذي سببته تطورات قضية عيتاني–الحاج في العلاقة بين الأجهزة الرسمية المعنية (الجيش، الأمن الداخلي، الأمن العام وأمن الدولة)، عقد قادتها اجتماعاً في مقر الأمن الداخلي سعياً لترميم ما انكسر وتصويب مسار التعامل مع المستجدات الطارئة على قاعدة مقاربة مشتركة لها.
لقد صار همّ اللبنانيين بالدرجة الأولى إنقاذ سمعة مؤسساتهم الرسمية المكلفة بحمايتهم، لأنه من دون الأمن القوي والقضاء النزيه، تسود الفوضى على حساب الانتظام العام.
Leave a Reply