بورصة الطامحين للنيابة في وطن الصفة المشبهة فاقت بورصة الأسهم والأرصدة المالية في نيويورك ويبدو أن شهية الجميع فيه مفتوحة كالبوفيه حيث بلغ عدد المرشحين للإنتخابات النيابية، شحطة تحت الرقم 1000 وهذا أكبر عدد منذ ما يسمى بالاستقلال، مع تقدم غير مسبوق لعدد المرشحات من النساء إلى ما فوق المئة.
هذا الانكباب على الترشح طمعاً بالنيابة قد يبدو طبيعياً في كافة بلدان العالم إلا في لبنان حيث لا شيء طبيعياً فيه بل كل شيء هو عكس الطبيعة من قانون السير حتى التشريع والمحاسبة والشفافية والإدارة والحكم و.. والـ«ليستة» تطول. ذلك لأن التسابق على خدمة الناس عبر الحصول على مناصب عامة أمر عادي ومطلوب في البلدان المتطورة لكن هذه العدوى الديمقراطية لم تتفش، بحمد الله، في أوطاننا العربية مع أننا أصبحنا في عمق الألفية الثالثة، وعقبال الألفية الرابعة.. وربما لا.
عجقة المرشحين هذه في لبنان ليست لأن معظم المتنطحين للفوز بالنيابة يرغبون في خدمة الناس وبناء وطن مستقيم ودولة تحمي المواطنين وتغنيهم عن باقي العالم طبعاً مع احترامنا للقليل القليل من المرشحين، بل لأن منصب النائب في لبنان هو أفضل وظيفة في العالم أجمع!
في لبنان، النائب الذي ينجح تكون قد نزلت عليه ليلة القدر دفعة واحدة: فراتبه يتضمن مبلغاً يصل إلى 8 آلاف دولار هذا ما عدا المخصصات المنظورة وغير المنظورة زائداً الأعمال الخاصة التي تفتحها له مغارة النيابة والعمولات والصفقات والرزمات والعلاقات، مع تجهيز مكتب له وحراسة ومرافقة وخدمات صحية وبنزين وخدم وماشابه. كل ذلك مقابل القيام بلاشيء.
يعني النيابة عندنا «أكل ومرعى وقلة صنعة» كما يقول المثل، عكس المشرعين في باقي دول العالم حيث تقع على عاتقهم التشريعات والقوانين وحل مشاكل بلدانهم ومواطنيهم بالدرجة الأولى لا أجنداتهم الخاصة ومنافعهم.
عندنا نواب ليسوا أصحاب اختصاص حتى وزراء يعينون وهم لا يفقهون شيئاً عن وزاراتهم. فصيدلي مثلاً تم تعيينه مديراً لمصلحة نفطية بينما لدينا مهندسون ومتخصصون بقطاع النفط! وعندنا لجان نيابية لا تجتمع وإذا اجتمعت اختلفت وشتم النواب بعضهم البعض. ولهذا السبب يُعتبر لبنان أحد أكثر الدول فساداً في العالم في كل المجالات وفِي القرن الحادي والعشرين ما زالت الكهرباء في شبه الوطن خاضعة للتقنين والمياه تُباع فيه بالقناني في أحد أغنى بلدان الأرض بالأنهار التي جعلونا نحفظها غيباً خلال دراستنا ونحن صغار ونحفظ أيضاً أسماء جبال لبنان وارتفاع كل جبل ومنطقة عن سطح البحر ورسم خريطة لبنان. كم أخذت منا دروس الجغرافيا عن ثروات لبنان والتاريخ المزور وقتاً وجهداً، واليوم نرى أنهار لبنان ملوثة كبحره وليست صالحة للشرب! على ماذا يترشح هؤلاء وما هي برامجهم للارتقاء بوطن يستحق أبناءه؟
أين نواب لبنان مما نراه من تواضع المسؤولين اليابانيين والأوروبيين وهم يتسوقون في الأسواق الشعبية ويستقلون الحافلات العامة مثل أي مواطن عادي كما رأينا صور أنغيلا ميريكل مستشارة ألمانيا وغيرها من قادة أوروبا؟ بل أين وزراء ومسؤولي لبنان لا يستقيلون مثل نظرائهم الغربيين –الذين يقدسونهم– لمجرد هفوة صغيرة؟ تصوروا نائباً لبنانياً يتنازل عن عرشه ويتبضع في سوق بنت جبيل أو النبطية أو جبيل مثلاً؟ وقبل أن نغادر هذا المقطع لا بد من التعبير عن الفرحة الكبرى بعزوف فؤاد السنيورة عن الترشح بعد إذلال الحريري له واختياره العزف النشاز المنفرد. درب يسد ما يرد لأكبر عدو للمقاومة وسبب ثلاثة أرباع مشاكل البلد.
ولكن رغم كل هذا، علينا أن نقول الكلام الجاد بضرورة إعادة إنتخاب لوائح المقاومة وحلفائها بأي ثمن مع معرفتنا بأن الإمتعاض كبير من بعض الوجود والأسماء المُستَهلكة إلا أن الوقت الآن غير متاح لرفاهية الاختيار والتمحيص والزمن حرجٌ جداً بسبب مؤامرات بني سعود وبني نتنياهو الذين يخططون ليل نهار للقضاء على المقاومة بدءاً باغتيال السيد حسن نصرالله ثم التوغل داخل لبنان كما تحدثت تقارير غربية عن ذلك. من هنا نُدرِك أسرار الالتفاتة السعودية المرنة تجاه الحريري وترك هامش المناورة له لمحاربة المقاومة «على طريقته». فالقوم المعادون يخططون كل ثانية للقضاء على ظاهرة المقاومة لدرجة قيام المشنوق بالتدخل بالقضاء وإعلان براءة المسرحي زياد عيتاني من تهمة العمالة مما أدى إلى شرشحة الأجهزة الأمنية لبعضها البعض ولكن هذا سلاح ذو حدين لأنه إذا صحت براءة عيتاني فهذا يعني أن «داتا» الاتصالات مخروقة وكل تحقيقات المحكمة الدولية بشأن اغتيال رفيق الحريري لا يُعتد بها، بعد كل هذه السنين من هدر المال العام والوقت.
الخطر اليوم يحيق بالمقاومة من كل جانب بعد المناورات الإسرائيلية الأميركية المشتركة لصد الهجمات الصاروخية في الحرب المقبلة لذلك على الناخب اللبناني أن يضع هذا في حسابه ويعلم أنه للأسف في بلد عربي –لا غربي ولا صهيوني– يُعقد مؤتمر لتفكيك شيفرة المقاومة. لكن هؤلاء الأغبياء عميٌ لا يَرَوْن، أو جهلة لا يقرأون أن شيفرة المقاومة سر مفتوح هو أن مجاهديها أعاروا جماجمهم لله فعلاً متكئين على دعم شعب عظيم بمسلميه ومسيحييه وفي كل مناطق لبنان والعالم العربي، ولو لم يعلن هؤلاء جهراً عن أنفسهم.
لكن أهم عنصر في هذه الشيفرة هي الأم العظيمة التي تستحق التكريم في يوم المرأة العالمي، الأم المقاوِمة هي التي أنجبت الشهداء وزفتهم زفاً فداءً للخط، إلى أن تحقق زمن الانتصارات والكرامة بعد الذل والاستسلام العربي! لقد عجز جهابذة الصهاينة عن تفكيك شيفرة المقاومة وكادوا أن يفكوا رقبتهم فكيف بثلة من عرب الردة؟
هذا الشعب النبيل الذي تحمل ما لم يتحمله شعب آخر في التاريخ، ينعم اليوم في قراه وحواكيره بنعمة الأمان والسلام ولذلك خرج بأكمله منذ أيام لكي يتنزه في وادي السلوقي والحجير ويتنعم بالطبيعة العاملية الخلابة بسبب قوة ردع المقاومة. هكذا شعب لن يخذل مقاومته وقت الامتحان الانتخابي وستبقى شيفرته عصيةً حتى على آينشتاين نفسه.
Leave a Reply