عودة «الصقور» تنذر بانفجارات في الشرق الأوسط
حسمت الدولة العميقة في الولايات المتحدة خياراتها: لا مكان لـ«البراغماتيين» في الصف الأول من المسؤولين في إدارة دونالد ترامب، وعاد زمام المبادرة مجدداً إلى «الصقور» في المعسكر الجمهوري الحاكم، على النحو الذي يقترب من زمن جورج بوش الابن، السيء الصيت، مع ما يعنيه ذلك من متغيّرات في السياسة الخارجية، من شأنها أن تقود العالم إلى تأجيج المزيد من الحروب المشتعلة أصلاً… أو ربما فتح جبهات جديدة عابرة للحدود!
لعلّ خروج ، او اخراج ريكس تيلرسون، الدبلوماسي المتمتع بـ«براغماتية» رجل الأعمال، من الإدارة الأميركية، وحلول مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) مكانه، يشي بأن الولايات المتحدة، ماضية قدماً نحو حركة «تطهير»، تبقي على «الصقور»، المنتمين بغالبيتهم إلى «المحافظين الجدد»، وتدفع بالتالي نحو إدارة السياسات الخارجية انطلاقاً من تلك الرؤية المتزمتة التي رسمت العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين.
بطبيعة الحال، لم تكن الإقالة المفاجئة، والمهينة في آن واحد، لريكس تيلرسون معزولة عن قرارات سابقة اتخذها دونالد ترامب، خلال الأشهر الــ١٤ الأولى من حكمه، بدءاً بمستشار الأمن القومي مايكل فلين، الذي راهن عليه كثيرون لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، مروراً بكبير المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض ستيف بانون، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، ورئيس موظفي البيت الأبيض راينس بريبوس… وصولاً إلى حوالي ٢٠ مسؤولاً آخر في الإدارة الأميركية.
ولكن قرار إقالة تيلرسون بالذات، والتعيينات التي تلتها –وهي لم تقتصر على إسناد الخارجية لبومبيو وإنما تعيين «السجّانة» صاحبة سجل التعذيب في تايلاند جينا هاسبل على رأس الـ«سي آي أي»– تبدو بالغة الرمزية في الخيارات التي قد تجنح إليها إدارة ترامب في المستقبل القريب.
فحين اختير تيلرسون لمنصب وزير الخارجية، كان ثمة رهان على «عقلانية» ستقود السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في كل الملفات الحساسة، بدءاً بالعلاقات الأميركية–الروسية، مروراً بالأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، أو حتى الملف الكوري الشمالي، خصوصاً أن الرجل يتمتع بقدرات «براغماتية» من شأنها أن تساعد على حل الأزمات الدولية، بوصفه رجل أعمال تولى رئاسة شركة «أكسون موبيل»، أكبر المجموعات النفطية الأميركية، وبإمكانه عقد الصفقات السياسية، على طريقة عقد الصفقات الاقتصادية، بما يضمن تسويات متعددة هنا وهناك.
الملف الإيراني
المثير للدهشة، أن قرار إقالة تيلرسون أتى بعد يومين أو ثلاثة على إعلان ترامب عن استعداده لإجراء محادثات مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لإيجاد تسوية بشأن الملف النووي لبيونغيانغ، وهو ما جعل مسؤول أميركي يبرر الخطوة المرتبطة بالتغييرات داخل وزارة الخارجية الاميركية بالقول إن «الرئيس أراد تغيير فريقه» قبل المفاوضات المرتقبة تلك.
ومع ذلك، فإنّ أحداً لا يمكنه الاقتناع بتلك التبريرات، خصوصاً أن الحديث عن «مفاوضات» مع الجانب الكوري الشمالي، لا يزال في إطار الفرضيات، ولم يرق إلى الحديث عن خريطة طريق واضحة المعالم. والأهم من ذلك، إن مفاوضات على هذا المستوى من التعقيد، لا بد من أن ترتبط بوجود رئيس «براغماتي» على رأس الدبلوماسية الأميركية، وليس «صقراً» متشدداً ذا خلفية استخباراتية.
على هذا الأساس، يمكن فهم أسباب إقالة تيلرسون من مكان آخر يتحدث عنه ترامب بصراحة، وهو إيران. فلطالما أظهر رئيس الدبلوماسية الأميركية المقال، تناقضاً في وجهات النظر مع سيد البيت الأبيض في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ولعلّه كان من بين الأطراف الدافعة للتريّث في تنفيذ تهديدات حملة ترامب الانتخابية بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وقد عبّر ترامب بشكل واضح في معرض حديث للصحافيين عن حيثيات قرار إقالة وزير خارجيته، حين أشار إلى أنّ لديه «خلافات مع تيلرسون بشأن القضايا الرئيسية، التي تشمل الملف النووي الإيراني».
وفي المقابل، فإنّ بومبيو، قد يكون أكثر تناغماً مع الرئيس الأميركي في ما يتعلق بهذا الملف بالذات، خصوصاً على أعتاب نهاية المهلة التي حدّدها ترامب لإعلان قراره بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي بحلول شهر أيار (مايو) المقبل، فوزير الخارجية الجديد –الذي لا يزال بحاجة إلى تثبيته من قبل الكونغرس– يوصف بأنه «عدوّ متهوّر» للتسوية النووية، لا بل أنه «معارض شرس» لإيران ككل، وليس للاتفاق النووي فحسب، خصوصاً وأنه قريب من معسكر «المحافظين الجدد» الأكثر ولاءاً سياسياً وإيديولوجياً لإسرائيل.
مرحلة مفصلية
يمكن افتراض أن الشهرين المقبلين سيكونان مفصليين في حسم شكل العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، والقرار الأميركي بشأن الاتفاق النووي، مع أن كل المؤشرات باتت تشي بعودة التماهي بين الوجهتين الأميركية والإسرائيلية تجاه الاتفاق مع طهران، ما يعني أن بنيامين نتنياهو، قد يحتفل مطولاً بحلول أيار المقبل، متفاخراً بتحقيق انتصار على الرئيس السابق باراك أوباما نفسه!
وبطبيعة الحال، فإنّ التغيرات التي تشهدها الإدارة الأميركية لا بد أن تنعكس بدورها على الملف الآخر الشديد الحساسية في السياسة الخارجية الأميركية، والمتمثل في الحرب السورية، فهيمنة «الصقور» على وزارة الخارجية، على حساب «البراغماتيين»، يشي بأن فترة التفاهمات التي شهدتها العلاقات الأميركية–الروسية حول الملف السوري قد تصبح من الماضي، لاسيما مع الإنجازات المفاجئة التي حققها الجيش العربي السوري باستعادة السيطرة على معظم الغوطة الشرقية عازلاً مسلحي المعارضة في ثلاثة جيوب محاصرة.
وأمام التقدم السوري–الروسي في الميدان، بدأت أصوات المعسكر المتعطش لعمل عسكري يحفظ للولايات المتحدة نفوذها في الشرق الأوسط، تعلو في واشنطن. ومن هذا المنطلق يمكن فهم الكثير من المواقف الأميركية الأخيرة، بدءاً بتحريك الملف الكيميائي مجدداً، مروراً باستمالة الأتراك، من بوابة منبج وعفرين، وصولاً إلى التشويش على كل آفاق الحل السياسي في سوريا، سواء تعلّق الأمر بجنيف أو بأستانا وسوتشي.
توتر مع روسيا
ومن شأن التوجه الأميركي الجديد أن يدفع بالعلاقات مع روسيا إلى أقصى درجات التوتر، وقد بدا ذلك بوضوح من خلال دخول واشنطن على خط التوتر الروسي–البريطاني على خلفية اغتيال عميل مخابرات سابق في لندن، إضافة إلى التهديدات الأميركية بعمل عسكري مباشر ضد الجيش السوري تحت حجة استخدام الأسلحة الكيميائية، وهو ما قابله تهديد روسي، على لسان أكثر من مسؤول سياسي وعسكري، على أن أية خطوة أميركية متهوّرة ستقابل «الرد المباشر على مصادر النيران»، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حذر بشكل واضح، من أن أي اعتداء «باليستي» «على روسيا أو حلفائها» سيعامل بمثابة هجوم نووي، يستدعي الرد، باستخدام أحدث الأسلحة الاستراتيجية، التي كشف النقاب عنها في خطابه السنوي الأخير أمام «الجمعية الاتحادية».
من هنا، يمكن فهم التصعيد الأميركي–البريطاني الأخير ضد روسيا، على خلفية الحادثة المثيرة للريبة بشأن الهجوم «الكيميائي» الذي استهدف الجاسوس الروسي المنشق سيرغي سكريبال في بريطانيا، والذي سارعت على اثره رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى اتخاذ خطوات عدائية، لعزل روسيا دولياً، وهو ما قابلته الولايات المتحدة بتجديد الدعم لبريطانيا، حليفتها الدائمة، عبر اتهام الجانب الروسي باستخدام غاز كيميائي، بأدلة مفبركة على طريقة أكاذيب كولن باول بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل 15 عاماً.
وأمام تهم الغرب الكيميائية المتواصلة لروسيا وسوريا، فإن فرص الصدام تبقى مفتوحة ومرشحة لمزيد من التصعيد مع بدء الولاية الرابعة للرئيس فلاديمير بوتين.
من هو وزير الخارجية الجديد؟
كان مايك بومبيو عضواً جمهورياً متشدداً في الكونغرس الأميركي قبل أن يعيّنه الرئيس دونالد ترامب مديراً لـ«سي آي أي».
وينظر لبومبيو، باعتباره من الموالين لترامب، وقد قللّ من شأن المعلومات التي تشير إلى تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي.
ويعتبر بومبيو (٥٤ عاماً) من صقور التيّار المواجه لموسكو، وقد حذر في السابق من أن بوتين «زعيم خطر».
كما كان بومبيو –الذي انتخب للكونغرس ثلاث مرات عن ولاية كنساس– معارضاً شرساً للاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، كما أنه من معارضي إغلاق معتقل غوانتانامو.
وهو خريج كلية الحقوق بـ«جامعة هارفرد»، وكان الأول على دفعته في الأكاديمية العسكرية، وتم انتخابه لعضوية مجلس النواب عام 2010، وصار عضواً في لجنة الاستخبارات في المجلس قبل توليه قيادة الـ«سي آي أي»، وقبل انضمامه للكونغرس أسسّ شركة لقطع غيار الطائرات وأخرى للإمدادات النفطية.
أول امرأة لقيادة الـ«سي آي أي»
في حال تثبيت تعيينها من قبل مجلس الشيوخ الأميركي، تصبح جينا هاسبل أول امرأة تشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي).
وستحل هاسبل (61 عاماً) خلفا لمايك بومبيو الذي تم تعيينه وزيراً للخارجية بدلاً من ريكس تيلرسون. والمديرة الجديدة للـ«سي آي أي» لن تكون غريبة على الوكالة إذ عينها ترامب نهاية شباط (فبراير) ٢٠١٧ في منصب نائبة المدير، ولها باع طويل في العمل الاستخباراتي منذ انضمامها لـ«سي آي أي» عام 1985، حيث تدرجت في المناصب وتولت إدارة مركز مكافحة الإرهاب بالوكالة.
غير أن سجل هاسبل المؤيد لسياسات التعذيب عبر الإغراق الوهمي للمعتقلين، قد يشكل عائقاً أمام تثبيتها في الكونغرس، حيث وصفها السناتور الجمهوري راند بول بأنها من «هواة التعذيب». وحسب الموقع الرسمي لـ«سي آي أي»، يحفل سجل ضابطة الاستخبارات المخضرمة بالميداليات والجوائز منها جائزة الرئيس جورج بوش الأب للامتياز في مكافحة الإرهاب وميدالية الاستحقاق الاستخباراتية.
تهديد .. وتهديد مضاد
حذر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من عواقب احتمال توجيه واشنطن لضربة ضد قوات الحكومة السورية. وكانت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيكلي قد أعربت خلال اجتماع مجلس الأمن، يوم الاثنين 12 آذار (مارس)، عن استعداد واشنطن لاتخاذ إجراءات جديدة في سوريا، «إذا لزم الأمر»، مذكرة بقصف مطار الشعيرات في 4 نيسان (أبريل) 2017، حين اتهمت واشنطن القوات السورية بشن هجوم كيميائي منه. وردّ لافروف بالقول: «في حال توجيه ضربة جديدة، فإن العواقب ستكون وخيمة. وعلى السيدة هيلي إدراك حقيقة أن الاستعمال غير المسؤول للميكروفون في مجلس الأمن أمر، وإقامة قنوات الاتصال بين العسكريين، سواء الروس أو الأميركان، التي تحدد ما هو مقبول وغير مقبول، أمر آخر. والتحالف الأميركي يدرك ذلك جيداً».
معركة الغوطة
في غضون ثلاثة أسابيع على بدء العمليات العسكرية البريّة في الغوطة الشرقية، تمكن الجيش العربي السوري في سرعة قياسية من استعادة حوالي ٧٠ بالمئة من مناطق سيطرة مسلحي المعارضة، الذي باتوا محاصرين في ثلاثة جيوب تضيق عليهم يومياً مع مواصلة العمليات العسكرية رغم الضغوط الغربية المتواصلة.
وبعد تحريره لبلدات استراتيجية وتأمينه لخروج الآلاف من أهالي الغوطة، تمكن الجيش السوري من حصار المسلحين في جيوب منعزلة هي: مدينة دوما، ومدينة حرستا، والقاطع الجنوبي من الغوطة الذي يضم عدة بلدات بينها عربين وزملكا وكفر بطنا وعين ترما وصولاً إلى حي جوبر الدمشقي.
Leave a Reply