الاستراتيجية الدفاعية تعود إلى طاولة الحوار الداخلي
عاد موضوع «الاستراتيجية الدفاعية الوطنية» إلى التداول في لبنان، وقد ظهر قبل أشهر في تصريح لوزير الداخلية نهاد المشنوق بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ونقل عنه، أنه يفكّر في إعادة طرحه للنقاش من جديد وسيقوم بذلك بعد الانتخابات.
الاستراتيجية الدفاعية من جديد!
وقد أثنى رئيس الحكومة سعد الحريري، على اقتراح الرئيس عون، إعادة البحث في الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، والتي سبق وطُرحت على طاولة الحوار، في مطلع آذار (مارس) عام 2006، عندما دعا الرئيس نبيه برّي إلى طاولة الحوار في مجلس النواب، وكان أحد بنود النقاش هو هذه الاستراتيجية التي تابعتها طاولة حوار برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأن طرحها من جديد، تزامن مع انعقاد مؤتمر «روما–2»، الذي خصص للبحث في دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، والذي خرج بدعم مالي بحوالي 400 مليون يورو، تكفلت فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبي بدفعه، ولم يظهر أي دعم أميركي أو من دول الخليج التي حضرت من ضمن 40 دولة شاركت في المؤتمر الذي اعتبر تظاهرة دعم دولية للبنان وقواه العسكرية والأمنية.
الحاجات اللبنانية
إلا أن المشكلة مع الدول الداعمة للبنان، أنها هي التي تشترط التسليح وفق برنامجها، وليس وفق الحاجات اللبنانية بوجه العدو الإسرائيلي، ومؤخراً ضد الجماعات الإرهابية التكفيرية، إذ أن لبنان يعاني منذ عقود في نوعية السلاح الذي يسمح أن يمتلكه الجيش الذي قدم لائحة بطلباته، وفي مقدمتها الأسلحة الصاروخية، لاسيما الدفاعات الجوية والقواذف الصاروخية المضادة للدبابات والآليات، إضافة إلى عدد من الطائرات المروحية والحربية وشبكة رادارات.
إلا أن كل ما يطلبه لبنان من تجهيز عسكري دفاعي لجيشه كان يصطدم دائماً بالرفض الأميركي ثم الأوروبي، تحت ذريعة أن مثل هذا السلاح سيقع في يد «حزب الله» الذي هو الأكثر تسليحاً وتجهيزاً وتدريباً من الجيش اللبناني. ويؤكد المسؤولون في الكيان الصهيوني أن لدى «حزب الله» ترسانة صاروخية تُقدّر ما بين 100 و150 ألف صاروخ ومن بينها صواريخ «أس–300 و400» روسية الصنع، إلى جانب صواريخ إيرانية متطورة مثل «فاتح».
عون يقرّ بقوة المقاومة
يقرّ رئيس الجمهورية العماد عون بقوة ونجاعة المقاومة وسلاحها، والتي لا يصل الجيش إلى مستواها في التسليح، مما يحول دون قدرة لبنان–الدولة على صد العدو الإسرائيلي.
وقد حمَلت قوى سياسية لبنانية، وبعض الأنظمة العربية على الرئيس عون ومواقفه الداعمة لسلاح المقاومة، وهو قائد سابق للجيش، ورئيس الجمهورية حالياً، فكان ردّه بأنه واقعي استناداً إلى ما أظهره الميدان العسكري في أثناء الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وما فعلته المقاومة في تحرير الأرض عام 2000، وصولاً إلى تصديها للعدوان الإسرائيلي صيف 2006، وإلحاقها الهزيمة بـ«الجيش الذي لا يُقهر».
شرعية المقاومة
موقف رئيس الجمهورية يمنح المقاومة شرعية لطالما حاولت جهات لبنانية إسقاطها، لاسيما في البيانات الوزارية، وتصنيفها كميليشيا، والمطالبة بنزع سلاحها، وهذا مطلب إسرائيلي وأميركي منذ عقود. ولكن في الواقع، إن تحرير الجنوب وهزيمة عدوان تموز 2006، جعل المقاومة صلب الدفاع عن لبنان وإقامة توازن رعب مع العدو الإسرائيلي الذي لم ينفك عن تهديد لبنان بشن حرب جديدة، قبل أن يبدأ مؤخراً ببناء جدار حدودي عازل عند بعض النقاط بين لبنان وفلسطين المحتلة، وقد حاولت إسرائيل اقتطاع أراضٍ متنازع عليها مع لبنان، في 13 نقطة حدودية منذ ترسيم الخط الأزرق عام 2000 إضافة إلى محاولاتها السطو على نفطه وغازه.
القرار 1559
تجريد المقاومة من سلاحها، هو الهدف الذي تعمل له أميركا وحلفاؤها من الأنظمة العربية والعدو الإسرائيلي، مرتكزين إلى قوى سياسية داخلية تدعو «حزب الله» إلى تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، وترك قرار الحرب والسلم لها. وهذا المطلب بدأ بالظهور منذ تحرير الجنوب عام 2000، حين طُرح السؤال: ماذا يفعل «حزب الله» بعد أن أنجز مهمة التحرير؟ وقيل إن عليه أن يحل تنظيمه العسكري ويتحوّل إلى العمل السياسي، إلا أن جوابه كان أن العدو الإسرائيلي لديه أسرى لبنانيون ويحتل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لمدينة الغجر، إضافة إلى وجود سبع قرى لبنانية محتلة منذ العام 1948، وتمّ طرد أهلها منها اضافة إلى تهديده الدائم للبنان.
وقد أثار موقف «حزب الله» آنذاك جدلاً سياسياً وصخباً إعلامياً داخل لبنان وطرح النائب وليد جنبلاط مقولته الشهيرة «هانوي أم هونغ كونغ؟»، وبدأ التحول الداخلي في مواقف أطراف لبنانية، ضد الوجود السوري الداعم لوجود المقاومة، حيث ظهر لقاء «قرنة شهوان» برعاية البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الذي أصدر بياناً دعا فيه إلى خروج القوات السورية، فأيّده جنبلاط واصطفّ معه الرئيس رفيق الحريري.
ارتفعت النبرة ضد سوريا، بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وتبدل موازين القوى، فكان أن اتفق الرئيسان الأميركي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك على إخراج الجيش السوري من لبنان وتسليم «حزب الله» لسلاحه بعد تحرير الجنوب، فكان القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في 2 أيلول 2004، تزامناً مع التمديد لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود حليف المقاومة وسوريا، والذي شكل عقبة في وجه المشروع الأميركي للمنطقة الذي طرحته إدارة الرئيس جورج بوش تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد»، فضمّت إلى القرار 1559 فقرة ضد تعديل الدستور اللبناني لصالح التمديد للحود وكان هذا القرار فتيلاً لإشعال لبنان، فتبرّأ منه الرئيس رفيق الحريري، والذي ذكرت لجنة التحقيق الدولية بمقتله، أنه أحد أسباب اغتياله.
وبعد 14 عاماً، يعود القرار 1559 ليطل من جديد عبر البيان الختامي لمؤتمر «روما–2»، والمطالبة بتطبيقه مع القرارين الدوليين 1680 و1701، والذي جاء التذكير بهما، ربطاً بما ورد في البيان، من رفض لا وجود سلاح أو سلطة خارج السلطة اللبنانية، متناسياً دور المقارمة في حماية سيادة لبنان وردع العدو الإسرائيلي وكذلك الجماعات الإرهابية التكفيرية، التي طُردت من سلسلة جبال لبنان الشرقية وعرسال ورأس بعلبك والقاع.
الثلاثية الذهبية
المقاومة برأي غالبية من اللبنانيين، هي ضرورة إستراتيجية للبنان، وتتكامل مع الجيش والملتف حولهما الشعب، فكانت ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التي أثبتت فعاليتها، ونالت شرعيتها من أدائها وانتصاراتها في الميدان، حيث فشلت كل محاولات زجّ الجيش بوجه المقاومة، التي أحسنت التفاهم والتناغم مع القيادة العسكرية، منذ تولي العماد لحود منصب قائد الجيش مروراً بميشال سليمان وجان قهوجي وصولاً إلى العماد جوزف عون، إذ أن التنسيق قائم لجهة توزيع المهام، وهو ما يزعج العدو الإسرائيلي وحلفاءَه الذين يطالبون بأن يقوم الجيش بتطهير جنوب نهر الليطاني من المقاومة. وهذا ما ترفضه قيادة الجيش حيث سبق أن حاولت بعض القوى السياسية إرسال الجيش إلى الجنوب لنزع سلاح المقاومة منذ عام 1993، وتشترط بعض الدول لتسليحه أن يقوم الجيش بهذه المهمة بمساعدة القوات الدولية التي يبلغ عديدها حوالي 15 ألفاً.
لماذا الآن؟
والسؤال الذي يُطرح، لماذا الحديث الآن عن انتشار الجيش في نطاق واسع في الجنوب، والتضييق على المقاومة وإنعاش القرار 1559 الذي يطالب بنزع سلاح المقاومة؟
هل أنها «صفقة العصر» التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، والتي بدأ تنفيذها بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، ووقف تمويل منظمة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، وتوطينهم حيث هم.
إن الدعوة من جديد للبحث في الاستراتيجية الدفاعية، تبدو خطوة استباقية حكيمة لتطويق تداعيات ما ينتظر لبنان من تطورات، ولترك سلاح المقاومة للحوار الداخلي.
ماذا قال نصرالله؟
عرض الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله البرنامج الانتخابي للحزب، في كلمة متلفزة الأربعاء الماضي، أكد خلالها ضرورة العمل على إنتاج سلطة وطنية انطلاقاً من الاستقرار الذي أمنته المعادلة الثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة)، مشدداً على أن «حزب الله» سيعمل من موقعه النيابي «لحماية لبنان وشعبه وأرضه ونفطه وثرواته الطبيعية»، ومؤكداً إعطاء العناية الخاصة لمحاربة الفساد المالي والإداري.
وفي كلمته، قال نصرالله «فخامة الرئيس ميشال عون بإمكانه أن يدعو لبحث الإستراتيجية الدفاعية الوطنية وليس لدينا أي تحسس من هذا الموضوع خصوصاً أن هذه الدعوة صادرة عن فخامة الرئيس».
وحول مؤتمر الدول الداعمة للبنان في باريس، قال نصرالله «إذا ذهبت الحكومة إلى باريس لجلب المساعدات إلى لبنان فهذا ممتاز أما إذا كانت تريد الإتيان بقروض وديون فنريد أن نناقش الأمر في الحكومة ومجلس النواب لأن علينا ديناً يناهز 80 مليار دولار». مؤكداً أنه
«ليست لدينا مشكلة مع مبدأ الإقتراض لكن البحث هو كيف سيتم تسديد هذا الدين وما الجدوى من المشاريع المزمع تنفيذها؟».
وفيما يتعلق بمؤتمر روما قال نصرالله «ليست لدينا أية تحفظات» «والمعيار تمكين الجيش اللبناني من الحصول على أسلحة تمكنه من الدفاع عن لبنان».
Leave a Reply