لم يجد السيِّد حسن نصرالله نفسه مضطرَّاً، ولو تلميحاً، في خطابه الأخير إلى الدعايات التي انصبَّت صبَّاً منذ أسبوع وأكثر حول ما زُعم أنها حرب ترامبو–نتنياهو–بن سلمان الوشيكة ضد سوريا ولبنان معاً للقضاء على المقاومة والإطاحة بالرئيس السوري بشَّار الأسد وتقسيم سوريا.
فقد سرت بيانات وأقاويل وشائعات ما أنزل الله بها من سلطان بأن الحرب واقعة غداً وأن الرئيس الروسي بوتين حذَّر سوريا وإيران من الضربات العسكرية الأميركية وأنه أرسل أحدث صواريخ الدفاع الجوي إلى دمشق للتهيؤ للمعركة الضارية بل أن مدمِّرات بريطانية وفرنسية توجَّهَت إلى البحر الأبيض المتوسط للمشاركة بالعدوان بدعم سعودي وخليجي، وأن المقاومة سحبت عشرة آلاف مقاتل من سوريا للتفرغ للحرب في لبنان وأن طهران عزَّزَت قواتها في سوريا مكان المقاومة وهي أيضاً تبلَّغَت التحذير الروسي وتستعد للحرب كما قيل أن إسرائيل استدعت الاحتياط وألغت مأذونيات جنودها.
والذي يقرأ ويسمع كل هذا لا شك في أنه سيقلق ويقلِّب كفِّيه على خطورة الوضع إلا أن السيِّد حسن لم يجد ضرورة للتطرق لهذا الموضوع الجَلَل بل لموضوع أخطر وهو التصدي للفساد في بئس الوطن، ربما لأنه اكتفى بما صرح نائبه الشيخ نعيم قاسم بأن لا قرار بالحرب إلا أن المقاومة مستعدة لها إِنْ وقعت.
وبالرغم من ادعاءات الجازمين بوقوع الحرب لكن لو كان السيِّد نصرالله يشعر للحظة أن العدو ينوي الغدر كعادته لكان بعث برسائله الردعية المعروفة، إليه لكي يعرف حدوده جيِّداً فلا يتخطاها. ثم أنه رغم تهور ترامب وولعه بالحرب شهدنا كيف هدَّد كوريا الشمالية ثم هاهو يهادنها وسيجتمع مع رئيسها في أيار المقبل. هذا عدا عن أن قراراً خطيراً بهذا المستوى لن يتم الترويج له في الإعلام علماً أن ترامب كان أول من انتقد سلفه بسبب الإعلان عن خططه العسكرية مسبقاً. كما أن هناك أسباباً جوهرية أكثر تمنع وقوع الحرب في هذه المرحلة، من بينها:
1 – عدم تيقُّن تل أبيب من انتصارها في الحرب الجديدة مقابل تعاظم قدرات وخبرات ومفاجآت المقاومة، فكيف إذا دخلت سوريا وإيران المعركة بمساندة كاملة من الحليف الروسي المتواجد على الأرض وفي الميدان؟ فالمقاومة اكتفت ذاتياً من السلاح وهي بإمكانها أن تحارب لمدة طويلة من دون توقُّف وهذا ليس في قدرة دولة الاحتلال التي تقتلها حرب الاستنزاف.
ثم أن الرئيس الأسد، الذي دائماً يفاجيء شعبه ويتجول بينهم في أصعب الأوقات وآخرها قيادته لسيارته بنفسه متوجهاً للغوطة، لم يعد يحسب أي حساب للخطوط الحُمر وقرار سوريا بالتصدي ومقارعة العدوان قد اتخذ من زمن، وجبهة الجولان ستكون مفتوحة للمقاومين من كل أنحاء العالم كما وعد السيِّد سابقاً. كذلك فإن أي عدوان على إيران من قبل إسرائيل سيجعل الصواريخ تهبط على تل أبيب كالمطر مما قد يتسبب بإنهاء الكيان ويجعل منطقة باب المندب في خطر وكذلك الدول الداعمة للعدوان. ولهذا السبب لن تُقدم واشنطن على هذه الخطوة التي تهدد مصير ربيبتها في المنطقة وليس لدى إسرائيل اليوم إلا الاستعاضة عن الحرب باستخدام أفيحاي أدرعي للبنانية أميركية ساقطة حاقدة إسمها الأصلي حنان قهوجي للترويج لدولة الاحتلال!
2 – أوروبا حتماً رافضة لحرب عبثية مجنونة قرب مجالها الحيوي قد تضع المنطقة كلها على كف عفريت وتهدد مصالحها من ناحية توقف تدفق النفط وسيل اللاجئين الجدد وتلغي الإتفاق النووي مع إيران الذي تؤيد أوروبا استمراره للحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
3 – وجود روسيا في المعادلة بكل قوتها لن يجعل أميركا تجازف بحربٍ عالمية ولو كانت من أجل إسرائيل فهناك حدودٌ للجنون.
4 – الانتصار الوشيك الكامل للجيش السوري في الغوطة أثار جنون ممولي الإرهاب لكنه ليس سبباً كافياً لشن حرب لا يعلم أحد مداها وشررها على كامل المنطقة، وقد تقتصر الخطة الغربية على إعادة تجميع التكفيريين في مناطق نائية في سوريا.
5 – رغم تحمُّس ابن سلمان لمحاربة المقاومة وإيران إلا أن المخاطر لن توفر مملكته التي ينخرها السوس من الداخل بسبب البطالة والضرائب والركود المالي والتململ تحت الجمر والتغيير غير المريح لدى بطانة الأرستقراطية الوهابية برغم تأليهه على التوتير من قبل أحد المعتوهين. وسيذكر التاريخ أن ابن سلمان هو أول شخص سلَّم كل ما يملك من مال ومقدرات لدولة أجنبية مقابل وعود ورقية. كذلك سيذكر التاريخ كما كانت مذلة ومهينة زيارته للبيت الأبيض وهو يستمع لتبجح ترامب حول المليارات التي «سيبقها» عن طيب خاطر وكيف كان يضحك ضحكة بلهاء بينما كان ترامب يضع اللوحات البيانية في وجهه، من دون أن يتلفظ بكلمة واحدة. لقد عرفنا الآن ماذا كان يقصد ترامب بتجويع الوحش، قصده كان حكام الخليج وبني سعود لا الإرهاب. قد يظن ابن سلمان أن ترامب وصهره سينقذانه من ورطاته الكبيرة ويحميانه من إيران بعد أن نسي فلسطين والقدس والمسجد الأقصى بينما أبوه يدعي أنه خادم الحرمين، لكنه جاهل بتاريخ ومصالح أميركا واهتمامها الأوحد بإسرائيل فقط ولن يحصد إلا الخيبة والإحباط ولكن بعد فوات الأوان.
طبول الحرب قد تظل تقرع في الشرق الأوسط لإبقاء الضغط على محور المقاومة لكن هذا الضغط سلاح ذو حدين ويعني استعداد المحور أيضاً لكل تطور، مما يعني أن الطبول فارغة مثل قارعيها من الطبول البشرية!
Leave a Reply