قرأت عن مجموعة أمهات لرجال كبار، مرُّوا بالتاريخ، وأودّ أن أشارك القرَّاء في نبذة قصيرة عنهنَّ وعن معنى أن تكون الأم مهمة في حياة أبنائها.
بعد العظمة التي أحاطت بنابليون بونابرت، بدت الأشياء عادية جداً داخل المنزل الذي أقام فيه الامبراطور الفرنسي خلال منفاه في جزر ألبا، فقط السرير بدا عريضاً جداً لرجلٍ قصير القامة، حتى ولو كان إمبراطوراً. كان هو السرير الذي أصرَّت أمه على أن ترسله من باريس إلى هناك لكي تتأكد من أنه ينام مرتاحاً. وهذا تأكيد لقول بونابرت المأثور «الأم التي تهزُّ السرير بيمينها، تهزُّ العالم بيسارها».
الأم الأخرى التي قرأت عنها هي روز كينيدي، التي كانت سِر تربية أبنائها التسعة. لم تتركهم يشعرون، ولو للحظة واحدة، بأنهم أهم عندها من زوجها. وذات يوم أجابت حفيدتها كارولين، عندما سألتها كيف استطاعت التوفيق بين الزوج والعائلة الكثيرة العدد فأجابت: لم أدخل في خصام مع زوجي ولو مرة. عندما كان يتكلم أو يطلب شيئاً كنت أقول «طبعاً يا جو، وأمضي إلى شأني وأعمل ما أراه مناسباً».
كانت السيدة كينيدي تحرص على أن تظهر أمام أبنائها بمظهر الإنسان الذي يرفض أي خطأ. كان عليهم الاستيقاظ في موعدٍ محدد كل يوم، وأن يتناولوا الطعام جميعاً في الوقت المحدد، ويذهبوا إلى أسرتهم للنوم في الوقت المحدد، وتردد عليهم دائماً: الانضباط مديحٌ للذكاء وتأنيب للغباء. وعند الخروج يرتدون ثياباً ذات لون موحد «لكي لا يضيعوا»، وكانت الحلوى قليلة جداً حرصاً على أسنان جميلة ونظيفة.
موعد العشاء كان في الساعة السابعة والنصف، وكان يجب الحضور بأفضل مظهر «احتراماً للنعمة»، والصلاة القصيرة واجبة قبل الأكل وبعده. كانت تتقدم الجميع في الدخول إلى غرفة الطعام وفي الخروج منها أيضاً. وعندما أصبح ابنها جون رئيساً للولايات المتحدة قال لها مازحاً: البروتوكول يفرض أن أكون أنا أول من يدخل وأول من يخرج من الغرفة، وبجدِّية قالت له: تفرض ذلك هناك في البيت الأبيض.
كان هاجسها الوحيد العلم والمعرفة. وإذا قرأت شيئاً لافتاً في الصحف أو المجلَّات، إقتطعته وألصقته على البراد وكانت تطلب من الجميع مناقشته والتعليق عليه أثناء الجلوس حول المائدة عند العشاء.
وعندما بلغها أن إبنها روبرت لم ينل علامات جيِّدة في امتحانات الثانوية (هاي سكول) كتبت إليه مذكرة: «تذكر جيداً أن مسؤوليتي الهامة في العائلة هي تعليم أبنائي، وأرجو منك أن تعرف أنها مسؤوليتك كذلك. وأنا أعرف ومتأكدة من أنك لن تجعلني أشعر بالخيبة».
عندما كبر أدوارد وأصبح عضواً في مجلس الشيوخ، كانت تؤنبه مثل تلميذ على ارتكاب الأخطاء اللغوية: «آمل أن تنتبه دائماً إلى استخدام العلَّة؛ فلا تقل الرجل الذي كتبت له بل الرجل الذي كتبت إليه، الخطابة تتطلّب منك أن تستخدم الكلمات بدقة. هناك فرق بين اللاتينية والإنكليزية في قواعد الصرف. وبعد أن بلغ إدوارد الأربعين قالت له بغضب: لاحظت أنك تستخدم كلمة «ستيوبد»(أي: غبي) كثيراً في كلامك. جرِّب أن تكتبها أمامك، وسوف ترى أنها لا تبدو جميلة على الورق.. إنها كذلك عندما تقولها».
أنديرا غاندي، هي أم أخرى عظيمة قرأت عنها. والكلام عنها يشبهها بكل العمق والتراجيديا. فقد انهار زوجها لأنها كرَّست الوقت كله لوالدها نهرو، وأن ذلك خطأ. تمنت لو تركت رئاسة الوزراء وكرَّست الوقت كله لعائلتها وأولادها. لم تطلق زوجها بل بقيت زوجته حتى موته. حاولت بأقصى طاقتها أن تجمع بين حاجة أبيها إليها في الأيام الصعبة وواجبها كزوجة وأم. كانت الاهتمامات الفردية ضئيلة جداً عندها، وسعادتها وراحتها وأمانها كان لها مقياس واحد: الهند أولاً وأولادها ثانياً.
الأمهات عظيمات سواء كنَّ أمهات فقط أو زعيمات. التحية والحب لهنَّ جميعاً.
Leave a Reply