بعث لي صديق فيديو عن الوداع العاطفي المؤثِّر من قِبَل الجمهور التشيلي لرئيسته الاشتراكية المحبوبة ميشيل باشيليت في آخر يوم لها بعد انتهاء مدة رئاستها التي امتدت لثماني سنوات وخرجت مسلِّمَةً دفة الحكم لرئيس يميني متطرف من دون ضربة كف واحدة. وقد منحها التشيليون تأييدهم بنسبة 84 بالمئة حسب استطلاع الرأي وهذه أعلى نسبة لرئيس مغادر في مجتمع ذكوري محافظ، ذلك لأنها لم ترتكب أي فساد مالي أو إداري وفِي عهدها أعطت المرأة كامل حقوقها (مثل عندنا في بئس الوطن حيث وزير شؤون المرأة رجل لا يكاد يفقه شيئاً عن حقوق المرأة وحيث الساسة يتحدثون بكلام فارغ عن الكوتا النسائية منذ عقود) وحسَّنت الأقتصاد وأزالت البطالة وطوَّرت الصحة والتعليم. وكيف لا يبكي عليها شعبها وهي عادت إلى شقتها المؤلفة من غرفة نوم واحدة وإلى دراجة واحدة تملكها بعد هذا الحكم الطويل؟
هل هناك مجال للمقارنة مع ميشال سليمان وعهده الخشبي أو أي حاكم عربي سلالي آخر؟ من منكم استمع لخطاب النائب فضل الله عن الفساد المالي في مسخ الوطن ولَم يشعر بالقرف؟
ومادام الشيء بالشيء يُذْكَر، عندما مرض ديكتاتور مصر السابق حسني مبارك ذهب للعلاج في مستشفى في ألمانيا وقبل أن يبادر الطبيب بالعلاج نظر إليه وقال «هذا حاكم فاشل»، فاستغرب مَن كان حوله وسألوه «كيف عرفت، فحكمت؟»، فأجاب «مصر أكبر من ألمانيا بثلاثة أضعاف وعدد سكانها مرة وربع عدد سكان ألمانيا ومع ذلك لم يبنِ هذا مشفى حديثاً يتطبب فيه في بلده بل قصدنا نحن هنا للعلاج»!
قصتان للأسف تختصران الواقع المزري لحال العرب والحكام المتسلطين على رقاب الشعوب الراضية بقدرها الفاقد للأمل. ففي مصر استبشرنا خيراً بالقضاء على نظام «الإخوان المسلمين» المتعطشين للسلطة ولو على حساب المباديء، حيث مازال طعم رسالة محمد مرسي المهينة، التي يتغزَّل فيها ويتملق لشمعون بيريز، تحت أسنان ذاكرتنا. لكن البديل تبين أنه ليس أفضل حالاً حيث رهن المحروسة للمال السعودي المتصهين هذه الأيام والذي صادر دور مصر كأم للعرب وقطب رحاهم ولا يتمتع بأي كاريزما تخوله للحكم ومن «أفضل» أقواله، إضافة لإعجاب ترامب بحذائه، هو أن السعوديين «عندهم فلوس زي الرز».
في الجزائر رئيس مُقعَد أنهى دور دولة المليوني شهيد، وتونس تتخبط في مشاكلها، وليبيا أصبحت ليبيات والمغرب لتوه خارج العروبة من زمان ومتحالف منذ السيء الذكر الحسن الثاني مع إسرائيل بينما اليمن الحبيب تحت الحصار والعدوان وكذلك سوريا وشعب البحرين والعراق أما الخليج فحدث ولا حرج حيث طلع علينا محمد بن سلمان، ضراب السيوف، فغيَّر المعايير والقيم التاريخية وأولها تدنيس أرض الرسول الأعظم وبيع القدس وفلسطين والتحالف المشين مع تل أبيب.
إبن سلمان هذا هو فلتة زمانه حيث يقوم حالياً بجولة طويلة في أميركا بعد زيارته المذِلَّة للبيت الأبيض، مقتدياً برؤساء غربيين كبار مثل تشرشل، بلا قياس وتشبيه! وخلال هذه الزيارة لم يترك ابن سلمان مركز أبحاث أميركي صهيوني (لا يهودي) ومجموعات ضغط وإعلاميين وشخصيات ليكودية تعتب عليه فالتقى معها مكرِّراً كالببغاء في كل مرة ما علَّمه إياه حليفه بن نتنياهو عن خطر إيران النووي ظنَّاً منه أنه سيكسب لمملكته عطف «المتأسرلين». مشكلة ولي عهد أبيه أنه يظن نفسه أذكى من أنور السادات الذي أعطى أسرائيل ما لم تكن تحلم به في حياتها وما بعد بعد حياتها! كان السادات يردد أن 99 بالمئة من أوراق الحل بيد أميركا ومع هذا مات اغتيالاً ومصيره كان أسوداً مثل مصير شاه إيران ولكن لَم تذرف أميركا وإسرائيل عليهما أي دمعة حزن… لا لا!
لكن ابن سلمان ليس بحاجة لتسويق العداء لإيران مع هذه الإدارة الحالية خصوصاً بعد التغييرات الحكومية التي أخرجت أشباه العُقلاء من السلطة وأدخلت أخطر وأكثر الوزراء الليكوديين تطرفاً، حتى أكثر من الجزارين مناحيم بيغن وأرييل شارون، إلى وزارات الخارجية والاستخبارات والأمن القومي وعلى رأسهم جون بولتون. وبهذا اكتملت مع كوشنر، الإدارة الإسرائيلية في واشنطن!
بولتون هذا يا قراء يا كرام، هو من «أبلط» الناس وأكثرهم رعونةً وقمة في البذاءة وإهانة الموظفين والتطرّف ضد العرب والمسلمين وروسيا وحتى ضد عتاة المحافظين. بولتون، مع هذا، تمكن بقدرة قادر من الحصول على «درع الأرز» من قبل فريق «ثورة اليقطين والهالوين» في لبنان عندما شاءت الأقدار السيئة أن يحكم مستغلاً دماء الرئيس رفيق الحريري. وقتها سلَّم الدرع لمُلهم ثورتهم بولتون، فارس سعيد وغازي يوسف ودافع عن هذا التكريم يومها سعد الحريري ما غيره! والأنكى من ذلك أنه بعد تعيين بولتون غرد طارق متري، وزير «ثورة الزنزلخت»، الذي نقل البندقية من كتف العماد أميل لحدود إلى كتف «قرطة حنيكر»، منتقداً جون بولتون! معقول؟ وعندما أبرز الدكتور أسعد أبو خليل هذا النفاق أتهمه بالتهجم عليه!
يكفي ما ذكرته مجلة «ديلي بيست» عن أن بولتون زود إسرائيل في حرب تموز 2006 بمعلومات بشأن خطط أميركا في مجلس الأمن من دون علم وزارة الخارجية الأميركية وذلك عندما كان مندوباً لواشنطن في الأمم المتحدة كما أنه حذّر سفير إسرائيل، دان غيلرمان، ورئيس وزرائها آنذاك، إيهود أولمرت، من خطط كونداليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة المفضلة لدى فؤاد السنيورة! لكن لا بولتون والذين خلفوه سيمنع إرادة المقاومة والنصر لدى شعب المقاومة.
وبالعودة للمقارنات، بين ساسة الدول الراقية وساساتنا الموتورين، لا يمكن إلا أن نتوقف عند كلام المشنوق عن الأوباش، وسط تصفيق شديد من المعاقين من حوله! تصوروا لو وصف زعيم غربي ناخبيه بالأوباش خصوصاً إذا كان هو المسؤول عن الإنتخابات وهو مرشح فيها أيضاً؟ لا شك أن المشنوق، ومعلمه، مخنوقان من إمكانية خرق لوائح «الخرزة الزرقا» التي لا يبدو أنها ستحمي مرشحي التيار الأزرق، في بلد اختلطت فيه التحالفات على حساب المبادئ والقيم وهذا ليس مستغرباً في شبه وطن حيث تحدث فيه العجائب والغرائب!
الأوباش هم من أفراد الحاشية الذين يطعنون بزعيمهم المخطوف ويتخلون عنه عند أول مفترق طريق بعد أن تخلى هو نفسه عن ناسه أولاً وترك موظفيه على قارعة الطريق ولَم يكترث لهم لولا الإنتخابات حيث أخذ يزورهم هوائياً متنقِّلاً بالهليكوبتر على حساب خزينة الشعب ومع بوليصة تأمين بشرية تقيه من الخطر! لعل تقيؤ المشنوق بكلامه الوضيع يعود للتصويب على المقاومة وجمهورها لشد عَصب جمهوره عبر فتنة رخيصة متناسياً دور هذا الشعب الوفي المقاوِم عندما كان الحريري محتجَزَاً!
وربما لنفس السبب يتضمن شعار سعد الحريري حماية عروبة بيروت وبيروت للبيارتة، وجل قصده هو أن يقول أن عاصمة لبنان هي للسنة فقط الذين وُلدوا في بيروت ويريد أن «يحمي» بيروت من باقي الطوائف التي لها نفس التضحيات والأسهم والحصص فيها. وعندما يتحدث عن العروبة فهل يقصد عروبة بني سعود الذين يركعون للصهاينة اليوم؟ ثم شو خَص سعد الحريري بالبيارتة، فهل هو بالأصل بيروتي؟ وليحدِّد لنا من هو بلده الأول؟ علماً أن معظم رؤساء الحكومات وعلى رأسهم أل الصلح أصلهم أما من صيدا أو من طرابلس. لا يا سعد، بيروت ليست للبيارتة بالمعنى المذهبي للكلمة بل هي لكل البيارتة من أهل العروبة الحقيقيين والعامليين والمقاوِمين من مسلمين ومسيحيين الذين وقفوا مع عبد الناصر وقضية فلسطين ودحروا إسرائيل.
هذه المعركة الانتخابية هي فعلاً كما قال الحريري هي بين خطين: خط الوهابية المتصهينة، وخط المقاومة العربية الحقيقية من اليمن إلى البحرين إلى العراق إلى سوريا فلبنان!
وإنَّ الغد لناظره قريب.
Leave a Reply