إن الأزمات التي يمر بها الإنسان في حياته اليومية وما تنتج عنها من ضغوطات نفسية تحيط به من كل جانب، سواء كانت معيشية أو مهنية أو مالية أو بفعل إحباطات خارجة عن إرادته، تجعله فريسة سهلة لحالة الاكتئاب التي تفرز أول ما تفرز، فقدان التركيز والتشوش الذهني.
الاكتئاب مرض لا يمكن الاستهانة بخطورته، خصوصاً عند تفاقمه واشتداد تأثيراته التي تجنح بالإنسان إلى الأفكار السلبية والسوداوية مروراً بتقليص نشاطه والعجز عن العمل ليصل به الأمر إلى الاستخفاف بقيمة الأشياء والحط حتى من قيمة الذات. وعندما تشتد الأعراض المرضية من دون تدخل علاج مناسب، فإن الحالة تتدهور وقد تلوح للمريض فكرة الاقدام على الانتحار لإنهاء حياته.
إنه مرض حقيقي يدفع صاحبه إلى الإحساس بالحزن الدائم وعدم الجدوى وفقدان الثقة بالنفس والعجز عن تعلم أي جديد، مما يدمر إمكاناته وقدراته على الإحاطة بأبسط الأمور فينزوي في القنوط واليأس بعيداً عن مباهج الحياة والواجبات الاجتماعية لينتهي به المآل إلى اضطرابات النوم والكوابيس والصداع وصولاً إلى تعاطي الأدوية التي لا تزول أعراضها الجانبية بمجرد التوقف عن تناولها.
وهناك نوع خاص من حالات الاكتئاب التي لا بد من التوقف عندها وهو اكتئاب المرأة بعد الإنجاب لأول مرة، حيث تتعرض النساء لحالات التوتر والانقباض النفسي والقلق، بسبب شعورهن بأنهن أصبحن أقل جاذبية، وأن شكل أجسامهن قد تغير بصورة لا ترضيهن، وأنه لم يعد لديهن وقت يسمح لهن الاهتمام بأنفسهن.
وقد لا يشعر البعض من الأمهات بعد إنجاب الطفل الأول بالأحاسيس التي كن يتوقعنها عند قدومه إلى الدنيا، فيهيمن على حياتهن الشعور بالإرهاق والتعب، فتنعزلن عن العالم ويصيبهن الاحباط..
والاكتئاب لا يقتصر على البالغين، فإن اليافعين في بداية المراهقة قد يعانون من هذا المرض الذي تنسحب آثاره السلبية على الأداء المدرسي والتفاعل الاجتماعي، إضافة إلى اضطرابات النوم والطعام وعدم الرغبة بالنهوض صباحاً للحاق بدوام المدرسة. وهناك عناصر ضاغطة وسلبية على الأطفال مثل انفعالات الوالدين لاسيما إذا كان أحدهما –أو كلاهما– يعاني من أعراض الاكتئاب، وكذلك تفضيل الوالدين لأحد أفراد الأسرة دون آخر فيعرضه هذا للشعور بالاكتئاب.
إن المرء عموماً، من أجل أن يبعد نفسه عن مخاطر الاكتئاب، عليه اللجوء إلى الترويح عن نفسه بين الحين والآخر لردم هوة الروتين والملل، التي قد تؤدي به إلى الكآبة، كأن يلجأ إلى السفر والرحلات وتغيير الأماكن، فضلا عن مداواة المشاكل النفسية من خلال الطبيب الاختصاصي، ولكن النصيحة الأجدى بنظري تتلخص بالابتعاد عن كل المنغصات التي تسبب الكآبة ولننظر إلى الحياة بمنظار جميل، وكم أصاب الشاعر حين قال في قصيدة:
(كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً)
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً
Leave a Reply