لسنا من هواة التهويل ولا من دعاة الخوف والاستكانة، وعلى مدى عقود كانت «صدى الوطن» وستبقى السباقة إلى الدفاع عن حقوق الجالية العربية في ميشيغن، كما كانت المنبر الحي الذي واكب وناصر كل مراحل التقدم العربي في ولاية ميشيغن وعموم الولايات المتحدة.
وفِي الوقت الذي تخلت فيه الدولة اللبنانية عن مواطنيها وأهملت كل مطالبات أبناء شعبها بتأمين أدنى مستوجبات العيش الكريم وأنكرت كل حقوقهم البديهية من طبابة واستشفاء وتعليم.. وصولاً إلى تأمين المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الضرورية، كان المغتربون في الولايات المتحدة وفي مختلف أصقاع المعمورة يقومون بدفع الفاتورة من خلال دعم أهاليهم وتعويضهم عن إهمال الدولة وتجاهلها لهم ولامبالاتها بهم.
واستمر الوضع على هذه الحالة المزرية طويلاً، من دون أن تقوم الدولة أو حتى أن تسعى إلى إنصاف مواطنيها ومساعدتهم على تحصيل الحياة الكريمة. وقد بلغت نسب العجز والبطالة والمديونية حدوداً مرعبة وصلت إلى حافة الإفلاس والانهيار المالي والاقتصادي نتيجة سياسات الاقتصاد الريعي، أو ما يُسمى بـ«اقتصاد الكازينو»، أي الاستلاف من دون تأمين سبل السداد!
وفي ظل كل هذا التعثر الاقتصادي، كان أهل السياسة في لبنان يمعنون في حروبهم المذهبية والطائفية فيما بينهم ويغذون حضورهم السياسي وسط طوائفهم من خلال رفعهم لشعارات فارغة تدّعي استرداد الحقوق واستعادة المواقع والحضور. ولم يتوانَ هؤلاء السياسيون عن إدخال المغتربين في بازار السياسة ولم يترددوا في تحويل الانتشار اللبناني إلى ورقة انتخابية ظناً منهم بأن ذلك سيعدّل من الاختلال العددي وسيرجّح كفة فريق على آخر، وكان أن تمخض العقل السياسي اللبناني فولد قانوناً انتخابياً هجيناً جمع الأضداد وفرّق الحلفاء ورمى بقنبلة الاقتراع تحت أقدام المغتربين، من دون التفكير بمصالح الانتشار اللبناني ومن دون مراعاة وحدة الجاليات اللبنانية المنتشرة في جهات الأرض الأربع.
فالقانون الانتخابي العتيد لا يسمح بحرية الاختيار، إذ من المفترض بأي عملية انتخابية أن توفر حرية الاختيار والتعبير وهو ما يفتقر إليه القانون الجديد الذي يُحتم الاقتراع للوائح بعينها مع عدم إمكانية انتقاء أي من المرشحين والاقتراع له دون زملائه على اللائحة. وهذا ما سيشكل احتمالاً للمساءلة من قبل الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة التي تدرج –ولو ظلماً– «حزب الله» على لائحة الإرهاب وتحظر التعامل معه وتعاقب كل من يمد له يد الدعم والمساعدة المادية.
وإذا كان القانون الانتخابي الجديد يُحتم الاقتراع لـ«حزب الله» كمحصلة لكل من سيقترع في أماكن عدة من الجنوب إلى بيروت وبعبدا وجبيل والبقاع نتيجة التحالفات التي أحاط بها الحزب نفسه فما هي الضمانة بأن لا يتحول هذا الاقتراع إلى صداع يؤرق الجالية ويعرض أبناءَها للملاحقة والمساءلة الأمنية من قبل الأجهزة الفدرالية؟
وبنتيجة هذا الواقع المستجد، فقد أصبحنا أمام قانون انتخابي غير متوازن، لا يؤمن العدالة ولا المساواة ولا تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد، لكونه يعطي أفضلية لطرف على آخر.
ومن موقع الإدراك والشعور بالمسؤولية، فقد بادرت لجنة منبثقة عن لقاء تشاوري لمغتربين لبنانيين في مدينة ديربورن، –تألفت من ناشر «صدى الوطن» أسامة السبلاني، ومؤسس «النادي اللبناني الأميركي» علي جواد، والناشط زهير علوية، والمحامي هلال فرحات– إلى توجيه كتاب لكل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، لشرح هواجس ومخاوف الكثيرين من أبناء الجالية اللبنانية في منطقة ديترويت ومحيطها، وللإضاءة على أمرٍ ربما لم يتحسب له أهل السياسة في لبنان، ألا وهو العوائق والعواقب القانونية لعملية الاقتراع الاغترابي في الولايات المتحدة وما سيترتب عليها من تداعيات سلبية نحن بغنى عنها.
لعلّ وعسى أن تتجاوب الدولة اللبنانية هذه المرة وأن تصحح الخلل بما يحقق حرية الانتخاب والاختيار من جهة وبما يضمن أمن وأمان الجالية من جهة أخرى.
هي مخاوف وهواجس مشروعة ومقلقة، لن نقبل ولن نرضى بأن تبقى على الهامش. مخاوف وهواجس نضعها برسم المسؤولين، مؤمنين بأنها مطالب محقة وعلى أهل السياسة في لبنان أن يأخذوها بعين الاعتبار، كما نطالبهم بأن يبعدوا الاغتراب اللبناني عن حروبهم السياسية ومعاركهم المذهبية وأن لا ينظروا إلينا كأوراق انتخاب رخيصة ومضمونة في صناديق الاقتراع تُشحن إليهم بالبريد السريع دون اكتراث لمصالحنا وعيشنا واستقرارنا الأمني والاجتماعي، سواء في لبنان أو في أرض الاغتراب الواسعة.
Leave a Reply