أخطر ما في الانتخابات النيابية اللبنانية قانونها الذي يحرض المرشحين على الأنانية والمساومة، بل هو يدفع في أحيان كثيرة، الأطراف الداخلية إلى استعمال سلاح الخداع والغدر لكسب مقعد نيابي إضافي في هذه الدائرة أو تلك، حتى لو تم ذلك على حساب المصداقية المفترضة.
وعليه، أتت معظم التحالفات هجينة ونافرة، حيث يختلط الحابل بالنابل، والخصم بالحليف، في توليفة عجيبة ومتعددة البهارات السياسية، تترجم قواعد اللعبة المستمدة من قانون الانتخاب الجديد الذي لجأ إلى «لبننة» مفهوم النسبية وفق مواصفات تتناسب مع خصوصيات المجتمع اللبناني وهواجس بعض مكوناته التي ترفض اعتماد النسبية الشاملة على أساس لبنان دائرة واحدة، فتم تفصيلها على قياس أصحاب الهواجس وبالتالي جرى «تفتيتها» ضمن 15 دائرة، مرفقة بالصوت التفضيلي، من دون أن يلغي ذلك إيجابية تعطيل محادل القانون الأكثري سابقاً.
وحده تحالف «حزب الله»–«حركة أمل» استطاع أن يبقى منسجماً إلى حد بعيد مع طروحاته وثوابته، فأتى ائتلافهما الانتخابي انعكاساً لمعايير سياسية واضحة، وليس متعارضاً معها، كما حصل في تركيبة الكثير من اللوائح الأخرى التي تشكلت على قاعدة من كل واد عصا.
نام مرشحاً..
«إنه قانون الخنجر المسموم». بهذه العبارة يختصر أحد المقربين من النائب وليد جنبلاط قانون الانتخاب الحالي، ملاحظاً أن النزعات المذهبية والطائفية والمناطقية والشخصية شوهت النسبية المعتمدة وطغت عليها، ما حوّل الانتخابات إلى عصفورية متمادية، بدلاً أن تكون عرساً للديموراطية المفترضة.
ربما يكون جنبلاط من أكثر الذين يشعرون في هذه الأيام بمرارة التجربة، بعدما انقلب الرئيس سعد الحريري على تفاهمه الانتخابي معه، وتخلى في اللحظة الأخيرة عن مرشح جنبلاط في البقاع الغربي إلى المقعد الأرثوذكسي النائب أنطوان سعد الذي نام مرشحاً على لائحة «المستقبل»–«الاشتراكي» واستيقظ في اليوم التالي «منبوذاً»، ليحل مكانه مرشح تيار «المستقبل» غسان سكاف.
وقد أثار تصرف الحريري غضب جنبلاط الذي أحس بأن رئيس «المستقبل» استبعد سعد بتفاهم ضمني بينه وبين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، في إطار التحالف الأوسع الذي يجمعهما منذ التوافق على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، شاملاً ملفات سياسية وغير سياسية.
خيبة أمل
كيف تلقى عضو اللقاء الديمقراطي (برئاسة جنبلاط) النائب أنطوان سعد «صدمة» إقصائه من قبل الحريري عن لائحة البقاع الغربي–راشيا؟
يقول سعد لـ«صدى الوطن» إن الحريري استبدله بمرشح ضعيف وغير معروف حتى في منطقته، في حين كان بمقدوري لو بقيت على اللائحة أن أنافس جدياً المرشح الخصم إيلي الفرزلي، وكان هناك احتمال كبير بأن أفوز أيضاً، ما يدفعني إلى الاعتقاد بأن الهدف من استبعادي يندرج في إطار اتفاق ضمني تم بين الحريري و«التيار الوطني الحر»، على حسابي، لتسهيل فوز الفرزلي، خصوصاً أن حظوظ الاسم البديل عني ضعيفة جداً.
ويعرب سعد عن خيبة أمله في الحريري، قائلاً: لا مكان لديه للوفاء.. لقد تركت وليد جنبلاط في مرحلة معينة، وأعطيت صوتي للحريري ضد نجيب ميقاتي خلال الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس الحكومة عام 2011، فإذا به يبادلني الوفاء بنكران الجميل. ويضيف: الله يسعدو ويبعدو.
خيانة الحلفاء
ويلفت سعد، الانتباه إلى أنه لولا موقف جنبلاط وشجاعته بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ما كان سعد الحريري ليبقى آنذاك في لبنان ويستكمل مسيرة والده السياسية، متسائلاً: هل هكذا يُكافأ جنبلاط على وقفته التاريخية إلى جانب سعد الحريري في أصعب الظروف وأخطرها؟ ويسترسل سعد «المجروح» في البوح بمكنوناته، مشيراً إلى أنه يعارض في السياسة العديد من خيارات «حزب الله»، لكن «الأمانة تقتضي مني الاعتراف بأن الحزب لا يخون حلفاءه ولا يتركهم، وإنما يبقى معهم وإلى جانبهم حتى النهاية ومهما كلف الأمر، وأنا لدي صداقات شخصية مع بعض نوابه».
ويعتبر سعد أن ما حصل، أساء إلى الحريري بالدرجة الأولى، «أما أنا فقد كنت ضابطاً برتبة لواء في الجيش والاستمرار في موقعي النيابي لن يضيف إلي الكثير ولن يُكبّرني.. المسألة هي مسألة مبدأ وأنا أقاربها من هذه الزاوية».
Leave a Reply