مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في لبنان، في 6 أيار المقبل، ترتفع الخطابات والشعارات السياسية، كما يتقدم المرشحون ببرامجهم حول ما سيفعلونه فيما لو وصلوا إلى مجلس النواب، وكلها تتعلق بتطبيق القوانين، وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين من كهرباء ومياه وطرقات، وتحقيق الإنماء، ومكافحة الرشوة، ومحاربة الفساد ألخ…
التدخل الخارجي
والعناوين الداخلية، لا تخفي التدخل الخارجي في الانتخابات، والصراع بين المحاور الإقليمية والدولية عليها، إذ يوجه كل فريق سياسي، اتهاماته إلى هذه الدولة أو تلك على دورها في الانتخابات، حيث يتّهم «حزب الله» وحلفاء له، السعودية بأنها طرف فاعل في الانتخابات، وهي تعمل لإسقاط لوائح الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» لرفع الشرعية الشعبية عن المقاومة، حيث جاءت زيارة القائم بالأعمال السعودي إلى بعلبك والصلاة في مسجدها مع السفير الإماراتي في لبنان محمد الشامسي، ليعطي دليلاً على صحة اتهامات «محور المقاومة» من أن السعودية تعمل وتسعى كي لا يفوز مرشحو «حزب الله» وحلفاؤه بالأكثرية النيابية، بالرغم من أن التحالفات لا تحصل على أساس سياسي، فهي مختلفة بين دائرة وأخرى، وتشكلت على ما يسمى بـ«القطعة»، وفق ظروف كل منطقة وواقعها الانتخابي، إذ ليس الحلفاء على لائحة واحدة، لا بل توجد لوائح متناقضة، وتخوض معارك في دوائر مَن هم حلفاء في منطقة، هم خصوم في منطقة انتخابية أخرى، مما حيّر الناخبين، الذين منعهم القانون الحالي من اختيار مرشحيهم أو شطب آخرين، عملاً بنظام اللائحة المغلقة.
وفي إطار الجهود السعودية لإعادة ترميم الجبهة المواجهة لـ«حزب الله» نجح مبعوث الرياض، نزار العلولا، في عقد لقاء مصالحة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط في لقاء هو الأول من نوعه منذ فترة طويلة.
العناوين الانتخابية
وظهرت عناوين عدة لهذه الانتخابات، إلا أن أبرزها ما يتعلق بمحاربة الفساد، وهو ما أشار إليه الأمين العام «لحزب الله» السيد حسن نصرالله، وقدمه كبند اساسي في الحملة الانتخابية، عند إعلان البرنامج الانتخابي للحزب، إضافة إلى أنه سيكون على جدول أعمال النواب والوزراء للحزب، الذي سيشكل مكتباً خاصاً لتلقي الشكاوى عن الفساد الرسمي منه والخاص، وحتى لو طالت الشكاوى «حزب الله» وأمنيه العام، كما أكّد السيد نصرالله، لأن الفساد هو الذي يتسبّب بعقد الصفقات وحصول الهدر العام في خزينة الدولة، وارتفاع الدين وخدمته، إلى قضايا خدماتية وحياتية مفقود ة في لبنان، كالكهرباء التي باتت أزمة مزمنة وتكلف الموازنة نحو ملياري دولار، ترفع من نسبة العجز فيها وتراكم الدين
الموازنة العامة
وطرح موضوع الفساد نفسه كبند أساسي، عند مناقشة الموازنة العامة لهذا العام، والتي أقرّها مجلس النواب، قبل استحقاقين مفصليين.
الأول عقد مؤتمر «سيدر» أو «باريس–4» في فرنسا، لدعم إقراض لبنان، بنحو 17 مليار دولار وهو ما يقلق أطرافاً سياسية من زيادة الدين العام، لكن رئيس الحكومة سعد الحريري يطمئن على أنها لقيام مشاريع استثمارية فيه، وتأمين حوالي 900 ألف فرصة عمل كما وعد والذي توجه إلى باريس لحضور المؤتمر في 6 نيسان (أبريل) الحالي ومعه الموازنة.
أما الاستحقاق الثاني فهو موعد الانتخابات النيابية في 6 أيار القادم. إذ كان استعجال إقرار الموازنة قبل موعد الانتخابات، لأنها لو تأخرت إلى ما بعدها وما بعد تشكيل الحكومة، فقد تمتد ربما إلى موعد تقديم موازنة 2019، حيث نجح مجلس النواب وبضغط من رئيسه نبيه بري بإقرار الموازنة بالسرعة المطلوبة، والتي قد تضمنت إصلاحات –ليست جذرية– بتخفيض الإنفاق بنسبة 20 بالمئة، وكان يمكن أن يكون أعلى، لو تمّ التدقيق في المؤسسات التي لا تعمل، وبالموظفين الفائضين، إضافة إلى اتّخاد إجراءات لتفعيل الرقابة الرسمية والشعبية، وتنفيذ قانون الوصول إلى المعلومات الذي يسمح لأفراد مؤسسات بالحصول على كيفية عقد الصفقات والتلزيمات وصرف الأموال، وما إذا كانت مطابقة للقوانين.
وزارة مكافحة الفساد
مكافحة الفساد، مطروحة منذ أول عهد رئاسي بعد الاستقلال في العام 1943، والذي تورّط فيه رئيسه بشارة الخوري وحاشيته، ولم يخلُ عهد بعده من حصول ارتكابات بالفساد في حكومات متعاقبة، حيث جرت محاولات لمكافحته أو الحد منه، فكانت عمليات تطهير وإقصاء موظفين ظهر عليهم «الإثراء غير المشروع»، إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار الفساد، حيث صدر قانون «من أين لك هذا» في خمسينات القرن الماضي، ولم يطبق منذ ذلك الوقت، ونشأت هيئات للرقابة في عهد الرئيس فؤاد شهاب، ولم تقم بواجبها، إلا في بعض الحالات الضيقة، حيث يعود السبب إلى النظام السياسي الطائفي الذي يتقاسم مغانمه زعماء الطوائف وأمراؤها وأحزابها وميليشياتها.
وازداد الفساد في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وغطاه مسؤولو النظام الأمني السوري الذي نهب تحت رعايتهم الهاتف الخليوي، النفايات، والتلزيمات في البنى التحتية وصولاً إلى النفط والكهرباء، وغيرها من مزاريب الهدر وسرقة المال العام، التي حاول الرئيس إميل لحود الحد منها فأدخل وزراء ومدراء عامين إلى السجن، قبل أن تردعه المنظومة السياسية والطبقة الحاكمة.
وفي العهد الحالي لجأ الرئيس ميشال عون إلى تعيين وزير لمكافحة الفساد نقولا تويني، لكنه لم يفعل شيئاً إذ جاء تقرير الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، «لا فساد»، ليكشف أن لبنان يحتل المرتبة 143 من أصل 180 دولة في العالم بالفساد لعام 2017، متقدماً عن العام 2016 حيث كان في المرتبة 136 من أصل 175. وهو في المرتبة 13 من أصل 19 دولة عربية شملها المسح.
تحذير دولي
هذه الأرقام الفاضحة لحجم الفساد تترافق مع تقارير دولية صادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تحذر من أن استمرار الفساد وعدم حصول إصلاحات في الموازنة، سيحول دون تقديم القروض ومشاريع الاستثمار للبنان، ويضعه في مصاف الدول الفاشلة.
لبنان لا تنقصه القوانين لوضع حد للهدر والفساد، إذ تمكنت إدارة المناقصات من منع تلزيم البواخر لتوليد الطاقة الكهربائية، بجرأة وأخلاقية عالية تحلى بها رئيسها جان العليّة، وهو ما يعطي الأمل بإمكانية تفعيل عمل هيئات الرقابة لمكافحة الفاسدين الذين يحتمون بمراجع سياسية تتولى تعيين الموظفين لاسيما الفئة الأولى منهم، فتؤمن لهم الحماية السياسية، في حين أن المهمة هي من صلاحيات مجلس الخدمة المدنية الذي أنشئ مطلع ستينات القرن الماضي، للتصدي «لأكلة الجبنة» من الطبقة السياسية، وتعزيز الكفاءة والنزاهة على المحسوبية، إلا أن ما عطّل عمل هذه المؤسسات، هو النظام الطائفي الذي يوزع الوظائف في الفئة الأولى مناصفة، فدخل زعماء الطوائف وأحزابها على التعيينات ليفرضوا أزلامهم ومحاسبيهم، وسقط الإصلاح الإداري بسبب الطائفية.
نصرالله ومحاربة الفساد
وأمام السخط الشعبي المتعالي ضد الفساد، أعلن السيد حسن نصرالله أن «حزب الله» سيرفع راية مكافحة الفساد، الذي لو استمر، سيؤدي إلى انهيار الدولة، بسبب حالة الفقر التي يرزح تحتها نحو 35 بالمئة من المواطنين إذ أن دخل نحو مليون ونصف مليون مواطن في لبنان، يصل إلى ما بين 2 و4 دولارات في اليوم، وقد أنشأت الحكومة برنامجاً لمساعدة العائلات الأكثر فقراً، وأحصت نحو 350 ألف عائلة مما سيزيد الأعباء على خزينة الدولة، التي لو تمّ وقف الهدر فيها، فإنها قد تنتعش بحوالي ٤ مليارات دولار سنوياً، إذ كشف أكثر من نائب أثناء مناقشة الموازنة عن أبواب هدر مشرعة، ومنها ما ذُكر عن جمعيات وهمية تقبض مساعدات من وزارة الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى الهدر الذي يصيب فاتورة الصحة والاستشفاء، كما في المستشفيات الحكومية المنتشرة في كل لبنان وتعاني نقصاً في التمويل بسبب السرقات التي تقع فيها، وكذلك في المدارس الرسمية التي يفيض عدد الأساتذة عدد الطلاب كما أن بعضها لا يوجد فيها تلاميذ أصلاً فيما يتقاضى المعلمون رواتبهم!
وهذه النماذج القليلة من عمليات الهدر والفساد، قرّر السيد نصرالله، أن يتصدى لها ويقاومها، لتحرير الدولة من الفساد، كما حرر الأرض من الاحتلال في الجنوب، ومن الإرهاب التكفيري في البقاع الشمالي.
وقد أعلن نصرالله أن تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين، قد يصيب حلفاء للحزب، ولكن لا يمكن أن يستمر الانحدار في الدولة نحو الهاوية، لأن ذلك سيصيب المقاومة، التي يشكو جمهورها كما بيئتها الشعبية ومناطقها من الحرمان وغياب الإنماء وانعدام فرص العمل، مما يدفع الشباب إلى المخدرات وهذا واقع كل لبنان، الذي يشكو فيه الجميع من الفساد، ولا يتقدم أحد لمحاربته وإسقاطه.
Leave a Reply