لفتني قول لصديقة افتراضية على الفيسبوك فيه:
«وكأن العدو عليه قتل المزيد ليثبت أنه عدو
وكأن الحق يحتاج مزيداً من الدم ليثبت أنه حق
وأثبتنا شراسة العدو
وأثبتنا عدم جدوى السلمية
وقدمنا ضحايا ودماً للاستثمار والزغاريد..»
صديقتي تلك فلسطينية لا أشك في انتمائها ولا في وعيها ولا في تقديرها. للوهلة الأولى شعرت أن ما جرى في غزة في احتفالية يوم الأرض لم يكن سوى تأكيد المؤكد. عدوٌ مدجج بالسلاح والتأييد العالمي والغربي، والتقاعس العربي والتشتت الإسلامي، في مواجهة شعب أعزل إلّا من إرادته في الحياة. والذكرى يوم الأرض، اليوم الذي أيقظ الكثير من العرب، ومنهم الفلسطينيون، على أن للأرض حقاً علينا أن نطلبه وأن ندركه، كيف لا وفلسطين آخر دولة محتلة في العالم، وإسرائيل آخر دولة استعمار ما بعد الحرب العالمية الثانية؟
حرصت على مشاهدة ما أتيح على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع وكالات الأنباء والمصادر المعنية. لم يستغرق الوقت كثيراً لأكتشف قصة ثانية. قصة كنت أتمنى أن العقل النخبوي العربي، والفلسطيني على وجه التحديد، تجاوزها. قصة تقديم القرابين على مذابح آلهة لا يرحمون. كان في المشهد أول الأمر جمالية. جمالية لا يعرفها إلا من عرف كيف باعت الصهيونية لهتلر يهود المانيا وأوروبا لتخترع قضية.
كان الصهاينة في الغيتوات اليهودية في أوروبا عبارة عن وكلاء للنازية. ينظمون لوائح القتل والاعتقال كما تملى عليهم ويسعون لتنفيذها بانضباط وصرامة. كان اليهود يساقون إلى مصيرهم المحتوم بصمت وقنوط. لماذا لا يكون العرب كذلك؟ لماذا لا يكون الفلسطينيون كذلك؟ هذا ما يرد إلى ذهن الضابط الإسرائيلي الذي يأمر بإطلاق النار على صاحب الأرض الفلسطيني، هذا ما كان في ذهن «صانع السلام» اسحق رابين الحائز على جائزة «نوبل للسلام» عندما افتى بكسر سواعد الفتيان الفلسطينيين في الانتفاضة كيلا يعودوا قادرين على رمي الحجارة.
لكن لإسرائيل منذ نشأتها قدرة لم تتمكن النخب العربية من فهمها حتى الآن. القدرة على جرنا إلى المربع الأول مربع العنف. في العنف، إسرائيل كانت منذ اليوم الأول ولا تزال، مع كامل الاحترام لكل الخطب المجيدة من عبدالناصر إلى جبران باسيل، هي الأقوى والأكثر فعالية والأبعد نفوذاً. قد يرى البعض في هذا القول توهيناً لنفسية الأمة. هي أمة غير موجودة ليكون لها نفسية. وإسرائيل كما ثبتت الوقائع قادرة على جرنا إلى مربع العنف متى شاءت من «جبهة الرفض» إلى «الجهاد الإسلامي» تماماً كما جر بشار الأسد الثورة الثورية إلى حماقة التسليح «الجهادي» التي تتبدى ثمارها الأخيرة الآن.
ما جرى في غزة باسم حق العودة حق مشروع للشعب الفلسطيني… لكنه حق مشروط. يمكن لعشرات الآلاف الذين قصدوا الجدار أن يتظاهروا… يمكنهم أن يعقدوا حلقات الدبكة الفلسطينية. يمكنهم أن يقيموا المجسمات التي تقول عائدون لنا… وعابرون لهم. يمكنهم أن يرفعوا الأعلام والرايات ويرفعوا الصوت العربي الواضح. يمكنهم أن يعطوا للعالم صورة المناضل، وليس بالضرورة صورة الضحية. من الذي أوعز لأولئك الشبان بتجاوز المنطقة المحظورة؟ من أوعز بإطلاق الدواليب المحترقة؟ من أمر بالزحف الاستعراضي؟ ومن أمر بالانكشاف امام القناصين الذين لم يدّعوا حتى مداراة الرأي العام وأقاموا أبراج القنص واضحة؟ هؤلاء هم مناضلو الفنادق. الذين كلما ازداد عدد الضحايا اتسعت ابتساماتهم. 16 شهيداً ومئات الجرحى بالمجان. المحصول شتم العرب، خصوصاً حكام الخليج وشتم المجتمع الدولي قبل الجلسة المقبلة لطلب المعونة من دول الخليج ومن مؤسسات المجتمع الدولي. أما لهذه السياسة العبثية من نهاية؟ أما لهذه المزاودة بالدم من قرار؟ إسرائيل لا تعيش، انما تعتاش على ارتجاليتكم. لولاكم لما كان اليمين الإسرائيلي في السلطة. لولاكم لما كان نتنياهو الحاكم بأمره. أنتم تعرفون ذلك وتريدونه. وهو يعرف ذلك ويزيدكم والناس بينكما مجرد وقود، الأخطر ما فيه أنه وقودنا كعرب وليس وقودهم كصهاينة.
هل آن الأوان لطرح مثل هذه الأسئلة أم أن مثلي تلقائياً في عداد الجهلة أو المنحرفين إن لم يكن المتواطئين؟ إن لم نطرح هذه الأسئلة على أنفسنا من سيطلقها نيابة عنا؟ الصهاينة أم العنصريون البيض الذين انتخبوا الأخرق دونالد ترامب… أسوأ رئيس لأكبر ديمقراطية في العالم.
Leave a Reply